قاسم حسين
هذا هو عنوان رسالةٍ للدكتوراه ستُقدّم إلى جامعة البحرين، في شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2040، لطالبٍ يلعب على دراجته في أحد الأزقة الآن، أو لطالبةٍ ملهَمةٍ لم تُولد بعد.
عنوان الرسالة مثيرٌ وغير مسبوقٍ في حقل الدراسات الاجتماعية، والمادة وفيرةٌ ودسمةٌ، تحتاج فقط إلى طالبٍ نشِطٍ، أو طالبةٍ مجتهدة، لتقدّم رسالة الدكتوراه.
المادة جرى تصنيفها إلى ثلاثة أقسام، ليجري دراستها ضمن ثلاثة محاور، تبعاً للفنون الصحافية: اللقاءات الصحافية، التحقيقات، والمقالات.
اللقاءات الصحافية كانت تتم مع نواب منتخَبين (نظرياً)، وبالتالي يُفترض أن يدافعوا عن وحدة الشعب لا تمزيق صفوفه. وجرت أيضاً مع حقوقيين مزيّفين جيء بهم للدفاع عن انتهاكات حقوق الإنسان في مطلع الألفية الثالثة. وهناك مقابلاتٌ مع تجار ومنتفعين ووصوليين ومتسلقين، كانوا من دعاة العنصرية والتفرقة بين أبناء الشعب الواحد. هؤلاء كلهم يجمعهم المال والمنفعة، لا حبّ الوطن أو النزاهة والأخلاق.
في التحقيقات، كانت تتم حسب الطلب، فالقضية الواحدة يُحكم فيها بحكمين مختلفين تبعاً للجغرافيا. فتوزيع المساكن يتم وفق الأقدمية في بعض المناطق، وفي مناطق أخرى وفق أولوية الانتماء المذهبي! كذلك البعثات الدراسية والترقيات والحوافز، وترفيع المدرّسات إلى مدرسات أوائل، والمدرسين الأوائل إلى مدراء حسب اسم العائلة! فلذلك تجد الغالبية العظمى من المناصب العليا من طيف واحد، والقاعدة العاملة من طيف آخر!
حتى المتهمون، هناك أطفالٌ دون الثانية عشرة لم تثبت إدانتهم بعد، تمدّد فترات سجنهم لأكثر من 45 يوماً، بينما هناك محتالون يُحكم عليهم بالسجن لمدة عام، ولا يقضون في السجن أكثر من 24 ساعة!
التحقيقات تغطّي الكثير من القضايا التعليمية والاجتماعية والاقتصادية، حتى ما يدخل ضمن الأمراض النفسية كالحسد و(لِمْطالع)! فإذا كان هناك من يعملون بالزراعة، فيُصدِر البعض دعواته للعمل ببيع البقل و(لِرْوَيد) وتسفيط السمك في السوق المركزي! وهو ما تحوّل إلى مادةٍ فكاهيةٍ، وأثار زوبعةً من الانتقادات الساخرة من أصحاب هذه الدعوات.
المحور الثالث من رسالة الدكتوراه هو المقالات، وهو القسم الأكبر والأغنى والأدسم، حيث يجد الباحث كميةً ضخمةً من الكتابات التي تدعو إلى العنصرية خلال العقد الأول من الألفية الثالثة (2001 – 2010)، وتضاعفت هذه الكمية ثلاث مرات خلال الفترة (2011 – 2013). وهو ما استدعى شهوراً لتقسيم هذه الجبال المتراكمة من الكتابات العنصرية، وفرزها وتحليلها، والخروج منها بنسب مئوية وإحصائيات واستنتاجات، وما بها من انحرافات معيارية… وانحرافات عقلية وأخلاقية أيضاً!
المقالات جرى تصنيفها بصورةٍ أولية في مجموعة من النطاقات: مقالات تدعو إلى الحضّ على الكراهية. مقالات تؤسّس للتفرقة العنصرية على أساس «شرفاء» و«خونة»، و«موالون» و«عملاء». مقالات مليئة بالشتائم وتدعو إلى تشطير المجتمع وفق نظرية «مساجدنا ومساجدكم» الهتلرية! أغلب هذه المقالات غطّت الفترة حتى نهاية العام 2010.
في فترة الأعوام الثلاثة التالية، تصاعدت وتيرة الطرح العنصري بشكل مباشر، ومن دون مواربة أو تقية أو حياء من الناس، حتى أصبحت الدعوات تُوجّه للتطهير العنصري المكشوف، وإخراج البشر من الوزارات والهيئات الحكومية والشركات الكبرى ومعاقبتهم وفق انتمائهم الطائفي. وصدرت خلال هذه الفترة مئات المقالات، تبرّر فصل الآلاف من الموظفين من أعمالهم، وقطع أرزاقهم، وتجويع أطفالهم، لأسباب سياسية بحتة. وصدرت مئات المقالات الأخرى بالأحقاد والدعوة علانيةً للثأر والتشفي والانتقام من أنصار المعارضة.
الباحث قام بإلحاق جدولٍ خاصٍ بكتّاب تلك المقالات العنصرية، فكشف أن بعضهم كان سلفياً، وبعضهم من تنظيم الأخوان المسلمين، وبعضهم ليبرالي لكنه في حقيقته يميني متطرف، وبعضهم مناضل سابق تخلّى عن مبادئه الشيوعية السابقة وأصبح رجعياً. ومن بينهم شعراء كانوا يكتبون عن ما بعد الحداثة، ولكنهم كانوا يعيشون في عصر الجاهلية الأولى.