قاسم حسين
قبل عام كامل، وتحديداً في 15/1/2013، كتبت في هذه الزاوية مقالاً عن «رسالة السماهيجي مرةً أخرى»، وهو طبيب العيون الاستشاري، الذي كتب من سجنه يومها مطالباً بالسماح بالحاجيات الأساسية كالملابس، وعدم انقطاع المياه عن المرافق الصحية وتوفير مياه دافئة في هذا الجو الشتوي القارس.
وأعيد اليوم الكتابة عن أوضاع السجناء، بسبب استمرار شكاوى الأهالي والسجناء، من استمرار سوء المعاملة وعدم احترام حقوق الإنسان. ففي هذا العصر الذي تسود فيه ثقافة «حقوق الإنسان» على مستوى العالم، يجب أن لا تظل سجون البحرين تغرد خارج السرب، متشبثةً بفلسفة الخمسينات في اعتبار السجن مكاناً للعقاب وإذلال المعارضين وأهليهم.
هناك أربعة أجيالٍ من البحرينيين القوميين والعروبيين واليساريين والإسلاميين، مرّت على سجون البحرين وعانت ما عانت من سوء المعاملة، آخرهم هذه الدفعة الجديدة من سجناء الرأي، من مرحلة الربيع العربي الذين زاد عددهم على الثلاثة آلاف مواطن بحريني، في بلد لا يتجاوز سكانه الأصليون الستمئة الف.
ما اضطرني لإعادة الكتابة عن مآسي السجون مرةً أخرى، هو تصريح وزير الخارجية الأخير، عن «رغبة البحرين الصادقة في تعزيز التعاون مع الأمم المتحدة وأجهزتها المعنية بحقوق الإنسان، وخصوصاً المفوضية السامية لحقوق الإنسان للعمل على حماية وتعزيز حقوق الإنسان». فالنظام يراهن على تسويق فكرةٍ للعالم الخارجي، بأننا بحاجةٍ إلى تعليمٍ وتدريبٍ وتأهيلٍ، للأجهزة الأمنية ولقوات الأمن، حتى نرتقي بأدائها لتتوقف بعدها انتهاكات حقوق الإنسان. وفي هذا الطرح مسٌّ بسمعة الوطن، وإهانةٌ للنظام السياسي وأجهزته الرسمية، التي لم تتمكن من تحقيق الحدّ الأدنى من احترام حقوق الإنسان بعد 42 عاماً من عمر الاستقلال.
الآن، وبعد عامٍ واحدٍ من الكتابة عن مطلب السجناء بالسماح لهم بإدخال الملابس الشتوية مثلاً، مازلنا نسمع الشكاوى ذاتها من الأهالي. وهو أبسط مثالٍ على عدم الجدية، وانعدام الرغبة الصادقة في احترام حقوق الإنسان وتحسين أوضاع السجون.
إن ما عملناه في الأعوام الثلاثة الماضية، ومع اتساع الخرق القانوني وتوسع انتهاكات حقوق الإنسان بشكل غير مسبوق، هو خلق مؤسسات حقوقية صورية «غونغو» مدفوعة الأجر، تزوّر الحقائق لتضليل الرأي العام العالمي، والردّ على تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية الموثّقة، والتشويش على أجهزة الأمم المتحدة. كل ذلك إنما يزيدنا بعداً عن حلّ المشكلة الحقوقية المتولدة عن الأزمة السياسية، بسبب عدم الاعتراف بوجودها أصلاً.
إننا بحاجةٍ إلى إعادة مراجعة أدائنا الحقوقي، وتغيير نظرتنا للسجناء، فهم ليسوا مجرمين أو إرهابيين كما يود الإعلام الرسمي إشاعته، بل هم معارضون سياسيون، لهم مطالب وتطلعات ورأي فيما يخص الوضع السياسي والاقتصادي بالبلد.
اليوم، نحن أمام مأزق سياسي وحقوقي كبير، خصوصاً مع وجود هذا العدد الضخم من السجناء والمعتقلين. فتاريخياً كانت أعداد المعتقلين أيام الاستعمار البريطاني تعدّ بالعشرات، وفي عقدي السبعينات والثمانينات أصبحت تعد بالمئات، ومنذ التسعينات أخذ يصعد الرقم إلى خانة الآلاف، حتى باتت الجهات المحلية والدولية تتحدّث عن أكثر من ثلاثة آلاف سجين ومعتقل. هؤلاء من واجب وزارة الداخلية حسن معاملتهم، وحفظ كرامتهم في السجون.
إحدى القضايا الإنسانية التي يجب على الوزارة مراعاتها تماماً، تسهيل الأمور على النزلاء في القيام بواجب التعزية في حالة وفاة أحد أفراد الأسرة من الدرجة الأولى. وليس هناك أصعب على الإنسان من فقد عزيز، فكيف إذا كان سجيناً يقضي عقوبة لفترة طويلة، ويتلقى النبأ الصاعق بصورة مفاجئة. وأطرح هذه القضية الإنسانية لوقوع إشكالات في عددٍ من الحالات ومن الوارد جداً تكرارها، وآخرها ما حدث للشيخ ميرزا المحروس، الذي توفيت زوجته منتصف ليل الأربعاء، ولم يطلق سراحه إلا بعد ظهر الجمعة لإلقاء النظرة الأخيرة والمشاركة في واجب العزاء. لقد احتاج ذلك إلى يوم ونصف اليوم، مع أن الإجراء لا يحتاج لأكثر من ساعتين لترتيب الإطلاق المؤقت. وهو أمرٌ يحتاج إلى إقرارٍ وتثبيتٍ كأحد الأعراف المحترمة في دولة تحترم القانون، وليس كموضوعٍ خاضعٍ للمساومات أو الوساطات.
المعلومات المتوفرة لدينا تشير إلى وجود تضاربٍ في مثل هذه الحالات، بين جهات تنفيذ القانون (الداخلية) وبين الجهات القضائية التي تأمر بإطلاقٍ مؤقتٍ للسجين، ولكن لا يتم الاستجابة لها. هذا الخلل ربما يكون لعدم وجود تنسيق، أو بسبب موقف آمر السجن، الذي قد تفسّر معاملته كتصرفات شخصية أو مزاجية، وهو أمرٌ من الصعب القبول به في دولةٍ تسعى لإثبات حسن معاملتها للسجناء أمام المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وتحسين سجلها الحقوقي في جلسة جنيف المقبلة بعد ثلاثة أشهر.
قبل التوقيع على اتفاقية الإطار المرجعي الموعودة مع المفوضية السامية، نحن بحاجةٍ إلى العودة إلى أنفسنا ومبادئنا، وتذكير أنفسنا بتعاليم ديننا، بخصوص معاملة الأسرى والسجناء. هؤلاء بشر وليسوا مجرمين أو إرهابيين، لهم حقوقهم، ومن الواجب حفظ كرامتهم وإنسانيتهم. هذه هي البداية، فمن كرامة المواطن تصنع كرامة الأوطان.