قاسم حسين
من يقرأ رد وزارة التربية والتعليم على مقال الكاتب سلمان سالم، وهو أحد من عملوا في أروقتها لسنوات طويلة ويعرف دهاليزها وأسرارها، يشعر بأنه رد مفكّك بنيوياً، وغير منطقي من الناحية التركيبية وهزيل.
الرد جاء متشنجاً، وفيه نبرةٌ شديدةٌ من الغرور والاستعلاء على الواقع، كأن من كتبه يعيش فوق شجرة، أو جاء من كوكب آخر على أحد الأطباق الطائرة مجهولة الهوية التي تكلم عنها أنيس منصور.
البحرين قريةٌ صغيرةٌ جداً، وليس في وزاراتها أو مؤسساتها الحكومية أو الأهلية، أية أسرار أو خبايا يمكن التستّر عليها أو محاولة تغطيتها، خصوصاً عندما تفوح الروائح في وزارة متورطة في السياسات الطائفية من رأسها حتى أخمص قدميها، من سياسات التوظيف إلى الترقيات والبعثات حتى حركة التنقلات الكيدية بين المدارس.
تمنّيت وتمنّى الكثيرون أن الوزارة لم ترسل هذا الردّ المتعالي، لأنها بهذه الطريقة إنّما تثبت أنها تكابر، على طريقة من أخذته العزّة بالإثم، وهي أسوأ ما يمكن أن تتورّط فيه وزارة أو مؤسسة حكومية أو أهلية: ركوب الرأس والإصرار على الأخطاء بدل تصحيحها ومعالجتها.
لم يأتِ سالم، وهو نائبٌ سابقٌ بالبرلمان، بأسرارٍ يجهلها غالبية الجمهور، فمثل هذه الممارسات والسياسات موضع نقدٍ دائمٍ في المجالس. وقد نشرنا مئات المقالات خلال السنوات الثماني الماضية، غطّت مختلف أوجه التجاوزات والأخطاء والإجراءات التعسفية، التي تهدّد بتدمير المنظومة التعليمية برمّتها، ولكن المجموعة السياسو/دينية التي تتسلط اليوم على الوزارة، وتتحكم في مفاصلها وقراراتها، وضعت في أذنيها طيناً.
هذه المجموعة المؤدلجة المتشددة تعلم جيداً قبل غيرها، ما تقوم به عن وعي وسابق عمد وتصميم، وهي تقود بذلك مستقبل التعليم إلى الهاوية، ولا تكترث بما ستسببه سياساتها من دمار على المستوى الوطني. وهو خطٌر بات يستشعره الكثيرون، ممن تسمعهم يترحمون على عهود الوزارة الذهبية، يوم كانت الوزارة بيد أحمد العمران وعلي فخرو.
الوزارة في عهودها الزاهرة، كانت بوتقةً لصهر مكوّنات المجتمع، وتذويب الفوارق الطبقية، وتعزيز الروح الوطنية. وعلينا أن نسأل اليوم: ماذا فعلت هذه الجماعة المتحكمة في رقبة الوزارة اليوم؟
وضعٌ كارثي بمعنى الكلمة، يتعرض فيه ميراث الوزارة العتيدة إلى التدمير لبنةً لبنةً، ونقضها حجراً حجراً. وما بناه رواد التعليم خلال ثمانين عاماً، قامت هذه المجموعة بتدميره خلال العقد الأخير، بسبب حساباتها السياسية والفئوية الضيقة. هذه هي الحقيقة دون تزويق، وعليكم أن تثبتوا للرأي العام خلافها، لكي لا تستمروا في أخطائكم، وأوهامكم، فخلق الشعور بالمواطنة يُربّى على مقاعد الدراسة وليس بمهرجانات الرقص التي باتت لديكم من الأصول.
الردود الركيكة المتشنجة، التي تفتقر إلى المنطق والصدق، لا ترد تهمةً تتلبّسكم منذ سنوات. إنكم لم تبقوا جسراً من الثقة مع الجسد الأكبر من منتسبي الوزارة، خصوصاً من يعملون في تشييد دعائم التعليم وتربية الأجيال: المعلمين.
الملفات كثيرة، والمؤاخذات عليكم وعلى سياساتكم أكثر من حصرها بمقال. والشكاوى بالممارسات الطائفية لم ترتفع إلا في هذه الفترة. نقولها ونحن شهود على هذه المرحلة البائسة، ونفخر بأننا من خريجي المدارس النظامية في السبعينات، حيث تعلمنا على مقاعدها معنى الوحدة الوطنية التي دمرتها سياساتكم الرديئة.