هاني الفردان
يجبرنا دائماً المسئولون والوزراء في الدولة، على الوقوف أمام تصريحاتهم والتأمل فيها، كما يجبروننا دائماً على مقارنتها بما قالوه من قبل.
الوزراء يجبروننا للحديث عنهم من باب مسئولياتهم، ويجبروننا في الكثير من الأحيان على ذكر أخطائهم، علهم يصوبونها أو يتراجعوا عنها.
وزير العمل جميل حميدان، أشار في الحفل السنوي الـ 29 لتكريم العمال المجدين والمتفوقين والمنشآت المتميزة في القطاع الأهلي، يوم الخميس (26 ديسمبر/ كانون الأول 2013) بفندق كراون بلازا، إلى «قرب إغلاق ملف المفصولين بشكل نهائي، الذي شكل نقطة من نقاط الانفراج والتعافي التي شهدها المجتمع».
وزير العمل يقرّ مؤخراً بأن ملف المفصولين عن العمل لم يغلق نهائياً بعد، وسيغلق قريباً.
في مقال سابق (السبت 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013) بعنوان «سعادة الوزير… لو دامت لغيرك ما وصلت إليك»، تحدثت فيه عن تصريحات الوزير المتناقضة، وغير المنطقية والعقلانية والتي من شأنها أن تربك عمله، دون أن يكون لها جدوى أو قيمة يمكن تلمسها.
رأى وزير العمل جميل حميدان، في مؤتمر صحافي على هامش اجتماع مجلس الوزراء الاعتيادي الأحد (24 نوفمبر 2013) أن ملف الموظفين البحرينيين المفصولين من وظائفهم على خلفية الأحداث التي شهدتها البحرين خلال شهري فبراير/ شباط ومارس/ آذار من العام 2011، «لم يعد يشكل أية أهمية»، معتبراً في الوقت ذاته أن هذا الملف لم يعد قائماً، خصوصاً بعد الإنجاز الذي تحقّق فيه، والذي تصل نسبته إلى 98 في المئة.
بالمقارنة بين التصريحين سنجد تراجعاً واضحاً من سعادة الوزير في رؤيته لملف المفصولين على إثر الأحداث السياسية التي شهدتها البحرين في العام 2011، ولازالت عالقة حتى الآن.
صحيح أن وزير العمل في التصريح الأول أخفق سياسياً، في فهم حقيقة المشكلة وتداعياتها على الساحة السياسية المتأزمة والمتأججة، وجر وراء ذلك سلسلة من الاحتجاجات كان أبرزها اعتصام المفصولين أمام مبنى الوزارة استنكاراً وشجباً لتصريحات الوزير، وليقولوا له «نحن هنا»، ومشكلتنا لازالت عالقة ولم تنتهِ كما قلت سعادة الوزير.
إنسانياً، أكدنا من قبل أن وزير العمل حمّل نفسه بتصريحه الأخير وزر معاناة مفصولين عن العمل بسبب مواقفهم وتوجهاتهم السياسية، وقبِل أن يضع في عنقه تبعات قطع أرزاقهم، وحرمان عوائلهم من حقوقهم، وفي تراجعه يوم الخميس الماضي عن تلك التصريحات، فقط خفّف من وطأة تلك الأحمال التي كان سيحملها.
ملف المفصولين عن العمل يحتاج إلى الوضوح فيه، بعيداً عن المبالغة السياسية، أو حتى البهرجة الإعلامية، فهو ملف يشكل حقيقة معاناة عمّال وأسرهم، ولن ينتهي بمجرد قول الوزير أن الملف «لم يعد قائماً»، فقد أُجبِر الوزير على التراجع عن تصريحاته ومراجعة ذاته، بسبب ثقل الملف وتبعاته، والتأكيد من جديد أن الملف قائم فعلاً وحقيقي وواقعٌ ملموسٌ لوجود المفصولين، ولن يزول حتى يعود آخر مفصول إلى عمله وبكامل حقوقه التي يرتضيها.
في الجانب الآخر، ابتعد الوزير أيضاً عن لعبة الأرقام وتحدّث بالعموم والكلمات، بعد أن أشار إلى أن «الغالبية العظمى من المفصولين على خلفية الأحداث المؤسفة التي شهدتها البلاد خلال شهري فبراير ومارس 2011 عادوا إلى أعمالهم»، مبتعداً عن الرقم الذي كان يذكره طوال العام الماضي وهو 98 في المئة.
تراجع وزير العمل عن حديثه بانتهاء ملف المفصولين، له الكثير من المسببات أهمها ما ينتظره في مارس 2014 في جنيف، وجلسة مجلس إدارة منظمة العمل الدولية الذي ينتظر خطوات فعلية من الحكومة لإنهاء ملف المفصولين، في مقابل إسقاط الشكوى العمالية المقدمة من 12 منظمة عمالية دولية ضد حكومة البحرين بدلاً من قبولها.
من الواجب علينا شكر وزير العمل على الاعتراف بـ «الخطأ» والتراجع عنه، حتى لو لم يكن ذلك الاعتراف مباشراً وصريحاً، إلا أن مجرد الحديث بشكل معاكس لتصريحاته السابقة دليلٌ على فهم الوزير مدى الإرباك الذي أوقع نفسه فيه.
سنشكر الوزير، لو تفضل بالإجابة علينا بخصوص التناقض الكبير، بين تصريحه الأخير بشأن عدم غلق ملف المفصولين بعد، وبين ما ورد في تقرير متابعة توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق والتي بالتأكيد استمدت معلوماتها وتأكيداتها من الجهة المسئولة عن الملف وهي وزارة العمل.
جاء في التقرير أن نسبة الإنجاز في ملف المفصولين بالشركات الكبرى أنجز بنسبة 100 في المئة في جميع الشركات باستثناء شركتين، كما بقيت بعض الحالات الفردية وعددها 12 حالة تفضل إدارات الشركات لأسباب إدارية وقانونية حسمها عن طريق القضاء، مع وجود 45 حالة متبقية لدى شركة كبرى بسبب عدم التوافق حول الوظائف المعروضة على المفصولين.
كيف يفسر لنا الوزير، إنجاز 100 في المئة، ووجود 57 مفصولاً في بعض الشركات الكبرى؟
ما هو تفسير الوزير، لما جاء في التقرير، من أن توصيات بسيوني بخصوص عودة المفصولين «تم تنفيذها بالكامل»، وهو لايزال حتى الآن يتحدث عن أن الملف لم يغلق بعد؟
نتمنى من سعادة الوزير أن يخرج الرأي العام من زوبعات التصريحات المتناقضة، بين «إغلاق الملف» وأنه «سيغلق قريباً»؛ وبين ما يقوله، وما ورد في تقرير متابعة توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق من تنفيذ توصيات بسيوني بهذا الخصوص كاملة.