اسماعيل أبو البندورة
لم ينفصل موقف الشهيد المجيد صدام حسين عن موقف حزبه حزب البعث العربي الاشتراكي من القضية الفلسطينية، ولكنه أضاف اليه مايمكن أن يجسده في الحياة والممارسة السياسية العربية عندما جعل القطر العراقي وامكاناته ابان الحكم الوطني الذي امتد لخمسة وثلاثين عاما في خدمة الموقف العام الذي يصب ويسهم في تحرير فلسطين، أو عندما جعل فضاء القطر يكون المساحة الوطنية والقومية التي يمكن أن ينبني عليها وفيها موقف قومي لغايات التحرير، وكانت تلك لمساته ومأثرته الكبرى في هذا الشأن، تجاه القضية التي وقف حياته ونضاله عليها وأعطاها الاولوية في كل مناحي فكره ووجدانه، وودّع الناس ساعة استشهاده وهو يهتف لها بأن تكون وتبقى حرة عربية من البحر الى النهر.
كان موقف الحزب البؤري ومنذ البداية أن قضية فلسطين هي قضية قومية كبرى وفيها خلاصة القضية العربية، وأن الانتصار في معركتها الحضارية الكبرى متعددة الأبعاد والجوانب سيكون طريقا لوحدة الأمة العربية، وأن وحدة الأمة ستكون حتما الطريق الى تحرير فلسطين، ومن خلال هذه الجدلية العميقة سعى الحزب الى التمييز بين الهوية الفلسطينية التي يجب أن تبرز وتتميز وتتجلى في سياقات النضال وبين استقلالية القرار التي يجب أن لاتجنح الى القطرية والانعزال، اضافة الى محاربته ورفضه لمثل هذه القطرية حيثما ظهرت وتجلت أو تم اساءة استغلالها في سياقات النضال الفلسطيني. كما آمن الحزب أن الصراع مع هذا المشروع والواقع الاستعماري المتمثل بالكيان الصهيوني وارتباطه العضوي بالامبريالية لايمكن أن يحل بالتسويات والمساومات ومغادرة بديهيات الصراع ومتطلباته، وانما يحل بالمقاومة المباشرة، وبالصمود والممانعة والمقاطعة وبكل ألوان " الحرب الباردة " عند تعذر الحرب الساخنة والحسم العسكري وفي لحظات اختلال موازين القوى وانسداد آفاق النضال المؤثرة.
ولكل ذلك دعى الحزب الى الحرب طويلة الأمد أو الى الحرب الحضارية التي يشارك فيها كل أبناء الأمة في كل أقطارهم ومجتمعاتهم وبكل ألوان الابداع النضالي التي يمكن أن تستنزف المجتمع العنصري الصهيوني على طريق تفكيكة، بعد أن عاين الحزب الآثار الكبرى التي أحدثتها حركة المقاومة الفلسطينية في الداخل والخارج منذ بداياتها الاولى ووصولا الى الانتفاضات الأخيرة والعمليات الاستشهادية التي زلزلت البنية النفسية للكيان والمجتمع الصهيوني، وأسقطت أزعومة التفوق الصهيوني، وأرعبت قطاعات كبيرة من الصهاينة ودفعتهم الى الهجرة. فالحرب التي آمن بها الحزب ودعى اليها ضد الكيان الصهيوني لم تقم على الحسم العسكري وحسب باعتباره الخيار الوحيد الذي يمكن أن يختل لصالح العدو في الكثير من اللحظات، وانما آمن بالصراع الدائم الذي هو في متناول الأمة العربية عندما ترفض الانهزام وتعظم الارادة وترى الأفق مفتوحا لحل الصراع لصالحها، وبهذا الأفق من التفكير رفض الحزب الواقعية السياسية الانهزامية التي دعى اليها البعض، ورفض فكر التسوية بمجموعه وفي كل تلاوينه وتفسيراته ومبرراته، ودعى الى واقعية تفتش عن الحلول في صفوف الأمة وليس في أروقة الخنوع والخيانة والاستسلام، وبالاضافة لذلك رفض الفكرة والأطروحة الانهزامية التي تقوم على فقدان البديل أو انعدامة لتبرير الاستسلام وتزيين التراجع، واعتبرها فكرة ضارة أيضا تؤدي في مآلاتها الى الخنوع والاحباط والقبول بعروض الاستسلام وهوانها وأخطارها على الأمة.
وعلى ضوء هذا الفهم دعى الحزب الى دعم وتعزيز المشروع الوطني الفلسطيني بأبعاده القومية الداعية الى مقاومة الكيان الصهيوني، ووحدة الارض الفلسطينية التاريخية، وعدم القبول بتشطيرها، ووحدة الشعب واكتماله وتواصله في الداخل والشتات، واجتماعه على فكرة التحرير والعودة، وترميم ماانجرح فيه من تشتت ومتاهة ليعود ملتحما بقضيته متمسكا بحقه، ومارس الحزب هذا الفهم على أرض الواقع من خلال احترام الشعب العربي الفلسطيني في الأقطار االعربية التي انتقل اليها، واحترام قراره وارادته وخياراته الوطنية، وعدم التضييق عليه لأسباب سياسية وديموغرافية أو غيرها من الأسباب الواهية، لأن في ذلك مايعزله عن الأمه ويوهن عزمه على النضال والتحرير.
ومن خلال هذه الرؤية القومية الصافية انطلق الحزب بقيادة الشهيد صدام حسين ورفاقه في التأسيس للرد على هزيمة الخامس من حزيران من خلال تقديم تعريف واضح ومتجدد للعدو وكيانه العنصري، وطبيعة الصراع القومية مع المشروع الصهيوني، بالاضافة الى تقديم معنى قومي وانساني متجدد للقضية الفلسطينية بجعلها مرآة للمعاناة العربية من الاستعمار وتطبيقاته، ومن خلال ممارسات تعطي الاولوية للقضية الفلسطينية وتدرك الابعاد الداخلية والخارجية التي تحيط بها، وتدرك القدرات النووية والتقانية لكيان العدو. ولكل ذلك عمل الحزب أثناء فترة الحكم الوطني في العراق وبقيادة الشهيد صدام حسين ورفاقه الى اقامة القاعدة التقانية المطلوبة للمواجهة، وخلق الظروف لاقامة توازن حقيقيي على صعيد القدرات والامكانات، وتأسيس قاعدة ردع حقيقية من خلال تطوير القدرات النووية للأمة، وشارك في كل المواجهات التي جرت بين العرب والكيان الصهيوني والتي تتوجت بالقاء الصواريخ على الكيان واختراق نظرية الأمن الصهيوني التي روجت لفترات طويلة واستغلها البعض للتراجع والانهزام أمام المشروع الصهيوني.
وعندما حوصر العراق بعد العدوان الثلاثيني عليه لم يتوان العراق والحزب عن تقديم كل ألوان الدعم والمؤازرة للشعب العربي في فلسطين فقرأ الشهيد ورفاقة الفاتحة على أرواح شهداء فلسطين عندما تكالبت الظروف الصعبة عليهم، وافتقدت المروءة، وصمتت الأنظمة صمت القبور عما يجري في فلسطين من بشاعات – وكان ذلك أضعف الايمان أو المقاومة الصامتة في الزمن الخؤون -. وقدم لعائلات الشهداء الدعم من القدر العراقي الطافح بالعزّ والكرم والرجولة، كما وقف الشهيد بمبدئية عالية عندما راودوه على التفريط بفلسطين أيام حصار الحصارات وبقي على هذا الموقف الى أن وضع الأنذال الحبل حول عنقه فلم يقدر الا أن يقول "عاشت فلسطين حرة عربية" وصعد بهذا الوجد والضمير الى العلى ومعه فلسطين!!
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.