هاني الفردان
صدر تقرير منظمة العفو الدولية الذي اتهم بصراحة حكومة البحرين بـ«تعذيب الأطفال المعتقلين» وتناقلته وكالات الأنباء العالمية والقنوات الفضائية، ولم يصدُر أي تعليق رسمي بعدُ بخصوص ذلك الحديث، ولم تنفِ السلطة أو تؤكد صحة ما ورد في التقرير.
من الوهلة الأولى نعلم أن الرد سيكون كالآتي: «كل ما جاء في تقرير ما تسمى بـ «أمنستي» أو منظمة العفو الدولية عارٍ عن الصحة ومجافٍ للحقيقة، وينطوي ضمن الحملة التي تشنها منظمات دولية، ودول غربية ضد البحرين»، داعية تلك المنظمات والدول إلى استقاء المعلومات من مصادرها الرسمية الحقيقية، وعدم الاعتماد على مصادر أحادية، هدفها تشويه ما حققته البحرين من إنجازات عالمية على صعيد حقوق الإنسان.
وسبق تقرير منظمة العفو الدولية تقرير آخر لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» في سبتمبر/ أيلول 2013 اتهمت فيه أيضاً السلطات البحرينية بـ «احتجاز الأطفال وبشكل روتيني دون أسباب، وإخضاعهم لإساءة معاملة، يمكن أن ترقى إلى مصافِّ التعذيب»، وذلك بناءً على تقارير من الضحايا وأفراد عائلاتهم ونشطاء في مجال الحقوق القانونية.
الحديث عن سجن الأطفال أمر مؤلم في هذه المملكة الصغيرة، فهذا الحديث لم يتوقف منذ سنوات، على رغم كل النداءات، والمناشدات المحلية والدولية.
المشهد الأخير، هو مشهد الطفل جهاد السميع البالغ من العمر 10 سنين فقط، والذي بُثت له صور وهو يبكي في مركز شرطة بعد صدور أمر بحبسه أسبوعاً على ذمة قضية الاعتداء على دورية أمنية مع زميله يوسف عبدالله، البالغ هو الآخر من العمر 13 سنة فقط. ولحق ذلك بيوم، تجديد حبس الطفلين سيدتميم ماجد وسيدهاشم علوي لمدة أسبوع بتهمة حرق إطارات.
هذه القصة، ليست جديدة على المشهد السياسي البحريني، ففي (28 أغسطس/ آب 2012) شهدت قاعة المحكمة حدثاً مشابهاً لتلك الأحداث، وهو تجديد حبس حدثين (12 و13 عاماً) لمدة 7 أيام في قضية حرق جنائي، وهو التحفظ الثالث لهما، إذ إن سبب التجديد هو تقصير جهات رسمية في عدم تقديم تقرير الباحثة الاجتماعية عن حالة الحدثين بحسب ما كشفت عنه المحامية، ذلك التقصير «المتعمد» تحمّل تبعته طفلان صغيران قبعا في مركز الأحداث أسبوعاً إضافيّاً.
المشهد المؤلم في القصة، هو سقوط أم أحد الحدثين مغشيّاً عليها، وصراخ وبكاء الحدث ذي 12 عاماً، ومطالبته من أهله بألا يغادروا المحكمة من دونه.
وفي ظل توقيف الأطفال وحبسهم، على ذمم قضايا كالحرق الجنائي، أو الاعتداء على دوريات أمنية وغيرها نشهد إصراراً من نوع آخر في قضايا مختلفة يكون فيها المتهمون من منتسبي رجال الأمن في قضايا قتل مواطنين لا يتم توقيفهم على ذمة تلك القضايا.
ويبقى السؤال، ما هو الخطر الذي سيسببه الأطفال المعتقلون على الأمن الوطني؟ ولماذا لم يطلب من الأهل تسلمه وتقديم جميع التعهدات التي توفر للجهات الرسمية ضمان الحفاظ عليه وتسلمه متى ما طُلب منهم ذلك؟ ما هو الفرق بين هذين الحدثين، وغيرهما من الأطفال الذين يقبعون في السجون بتهم التجمهر والشغب، وبين منتسبي الأجهزة الأمنية المتهمين من قبل السلطة بقتل مواطنين؟ لماذا يتم التحفظ على الأطفال خوفاً منهم على الأمن الوطني، فيما يتم إخلاء سبيل المتهمين في قضايا الانتهاكات التي يصل بعضها إلى القتل، كما وثق ذلك تقرير بسيوني.
قضايا اعتقال الأطفال لا تتوقف، ومازلنا نتذكر قضية الطفل ياسين الذي أسميناه بـ «هرقل» بعد اتهامه بتمزيق قميص شرطي وضربه أيضاً، إذ استطاع طفل صغير ضرب شرطي!
قضايا الأطفال متكررة، فقبل أحداث فبراير/ شباط 2011، كانت قضايا الأحداث محل جدل كبير. فمازلت أذكر قضية الطفلين أيمن جعفر حسن عباس ومحمد علي حسن عباس وكلاهما من مواليد العام 1998، (أي عمرهما 13 عاماً)، الموقوفان في أغسطس/ آب 2010، وحُكم عليهما بالسجن ستة أشهر، وهما ضمن 65 طفلاً احتجزتهم الجهات الأمنية بتهم أمنية لا يفقهون التهم التي وُجّهت إليهم.
لست ضد تجديد الحبس لأحد، إذا ما كانت الأدلة واضحةً، لكن ضد أن يحاسب طفل يعتقل أسابيع، يمنع عن أهله، ويحرم من مواصلة دراسته، فيما أشخاص وجهت إليهم السلطة ذاتها تهم القتل العمد، في منازلهم نائمون، يحضر بعضهم محاكماتهم بكامل أناقتهم، ويغادرون قاعة المحكمة عبر سياراتهم ليتوجهوا إلى منازلهم وأعمالهم.
ما هو الفرق بين هذا الطفل، وذلك الشرطي؟
الفرق كبير في حجم الجناية، وتحمل المسئولية، والإدراك العقلي، والتفريق بين الصواب والخطأ… أضف إلى ذلك الصلاحيات القانونية.
قضايا اعتقال الأطفال لم ولن تقف في ظل تعمد السلطة إيجاد قانونين، الأول: «قانون الطفل» للبهرجة الإعلامية الخارجية وهو يحدد سن الطفل بـ18 عاماً، والثاني قانون الأحداث الذي يرى أن الطفل هو الذي لم يتجاوز 15 عاماً، في تناقض رهيب مع اتفاقية الطفل التي صادقت عليها البحرين.
ولذلك ليس غريباً أن تؤكد منظمات دولية كـ«أمنستي» و«هيومن رايتس ووتش» وجود «تعذيب لأطفال معتقلين في البحرين»، وأن «هناك ما لا يقل عن 110 أطفال، تتراوح أعمارهم بين 16 عاماً و18 عاماً، محتجزون على ذمة التحقيق أو المحاكمة في سجن الحوض الجاف، وهو سجن للبالغين يقع في جزيرة المحرَّق».