هاني الفردان
شهدت البحرين فجر أمس الثلثاء، وعلى مدى ساعتين تقريباً، تساقط كميات من الأمطار لا تقارن بما يحدث في أماكن كثيرة بالعالم، ولا يصل لجزء بسيط جداً مما شهدته العاصمة السعودية (الرياض) قبل أيام من سيولٍ جارفة، أودت بحياة فتاة ودمّرت طرقات وسيارات، وأغرقت أنفاقاً.
أمطار البحرين التي تساقطت فجر أمس عرّت حقيقة واحدة وهي ضعف البنية التحتية غير القادرة على تحمل أمطار خفيفة، فبمجرد سقوط كميات بسيطة أغلق كل ذلك الكم الكبير من الطرقات وحوّلت منازل إلى برك سباحة، وعطلت الدراسة في مدرسة واحدة على أقل تقدير.
الفضيحة المدوية في البحرين، ما أعلنت عنه حكومة البحرين ممثلة في وزارة الأشغال رداً على مجلس النواب، واستباقاً لموسم الأمطار في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 عندما أكدت أن «إنشاء شبكات تصريف الأمطار ليس أولوية في خطّة الحكومة ووزارتها الموقرة»، وأن البديل لذلك هو عمليات «الشفط»، وذلك لندرة الأمطار.
الحكومة الموقرة تؤكد أن «شبكات تصريف الأمطار ليست أولوية» لندرة هطول الأمطار، وهي أساساً «لم تبرز كمشكلة كبيرة تستوجب تخصيص ميزانيات ضخمة لها والتعامل من خلال العمليات التشغيلية بالشفط بالتعاون مع وزارة شئون البلديات».
في بلدان فقيرة في شرق آسيا كتايلند، وكذلك في مصر مثلاً، الأمطار تتساقط بكميات غزيرة ولمدد طويلة جداً، إلا أنه مع انتهاء هطول الأمطار لن تجد مياهاً في الطرقات، ولا مستنقعات أو مسطحات مائية، ولن تجد منازل تساقطت أو أسراً تشرّدت؛ لوجود بنية تحتية عالية الجودة رغم قدمها وفقر دولها.
في البحرين المملكة الخليجية والنفطية، شوارعنا وكما تدعي السلطة «تأتي ضمن أفضل المقاييس والمعايير الدولية»، ولأنها تحقق أفضل المعايير الدولية فهي بلا شبكات تصريف لمياه الأمطار! ولأنها بين الأفضل عالمياً فلمجرد سقوط أمطار بسيطة، تتحوّل إلى أنهار! وتنتظر تكرّم وزارتي البلديات والأشغال بإرسال سيارات شفط المياه لمختلف المناطق.
شوارعنا ذات معايير عالمية، ومع ذلك كلما سقطت علينا كميات الأمطار «النادرة» تغرق، وذلك كله بفضل ديمقراطيتنا المختلفة عن الآخرين، والتي تعكس على طبيعة شوارعنا الأفضل عالمياً بلا شبكات تصريف للأمطار!
بين التاسع من نوفمبر والسابع عشر من الشهر ذاته سبعة أيام فقط. في التاسع كانت الحكومة تتحدث عن أن شبكات تصريف الأمطار ليست أولوية وستعتمد على عمليات الشفط، وفي السابع عشر تحدثت الحكومة عن «التزام كبير لتطبيق المعايير الدولية ضمن البنية التحتية وأن شوارع البحرين من بين الأفضل عالمياً»، وبين الأمرين فارق كبير وفضيحة مدوية عرتها ساعتان من الأمطار الخفيفة أمس.
في مملكتنا النفطية الغنية بخيراتها وثرواتها التي جاءت عبر طفرات نوعية نقلت البلد من الفقر إلى الغنى، لم نستطع مواجهة زخات مطر متفرقة هنا وهناك، باتت الأمطار تهديداً لمسيرة الحياة الطبيعية، ونقمة بدلاً من أن تكون نعمة، بسبب سياسات خاطئة وفسادٍ مستشرٍ.
فلا بنية تحتية يمكن أن تعكس حقيقة المملكة النفطية، ولا فرق تدخل سريعة قادرة على مساعدة المواطنين وحمايتهم من آثار تساقط الأمطار، فشبكة الطرقات تصبح من القرون الوسطى، ومضخات شفط المياه تعد على أصابع اليد الواحدة، ومجالس بلدية بلا موازنات قادرة على وضع الحلول لمثل هذه الظروف العاجلة، وحكومة كل ما لديها «بهرجة إعلامية» عن تطور وتنمية لا يمكن تلمسهما على أرض الواقع.
حكومتنا توجه دائماً لسرعة وضع الحلول ولكن حلول ترقيعية لا جذرية كعادتها كل عام مع موسم تساقط الأمطار. حلول لا ترتقي لأن تكون حلولاً استراتيجية لمواجهة أزمة تتكرّر كل عام وفي مناطق مختلفة، لأنها وكما اعترفت، ليست «أولوية»، فالحلّ الاستراتيجي يكون عبر شبكات متطورة لتصريف مياه الأمطار، والحلول الترقيعية هي الاعتماد على عمليات سيارات شفط الأمطار.
هذه هي حقيقة ديمقراطيتنا المتطورة والمختلفة عن الديمقراطيات الأخرى، ولأنها كذلك، فشوارعنا الراقية والمتطورة مختلفة عن شوارع الآخرين، فهي ليست بحاجة أصلاً لشبكات تصريف مياه الأمطار، وإذا سقطت الأمطار النادرة غرقت!
ولأن الأمطار في البحرين نادرة، فلم أفهم لماذا شغل مجلس الوزراء نفسه في جلسته الأخيرة بتوجيه كلٍّ من وزارة شئون البلديات والتخطيط العمراني ووزارة الأشغال بمضاعفة الجهود وزيادة التنسيق مع المجالس البلدية بما يضمن التعامل السريع والفعّال مع أية تداعيات وآثار محتملة بسبب موسم الأمطار على الطرقات العامة والأماكن الحيوية.
ربما صدقت المتحدث الرسمي باسم الحكومة عندما أكّدت بأن «البحرين بحمد الله لا تشهد الكوارث والفيضانات التي تحدث في بعض البلدان وينتج عنها إزهاق للأرواح بسبب سوء البنية التحتية». إلا أنها نست أن البحرين كل عام تشهد فضائح بسبب سقوط أمطار قليلة ونادرة تربك حركتها المرورية، وتغلق شوارعها وتغرق منازل الفقراء فيها، وتعري حقيقة المملكة المتطورة.