عقيل ميرزا
عندما يصبح النائب مختبئاً في جحر بعمق محيط، ويكون بعيداً عن أهم واجباته البرلمانية التشريعية أو الرقابية التي أوكلها إليه الدستور، حينها فقط يمكنك أن تسمع له نميماً بين الحين والآخر، ولا تفهم من هذا النميم إلا سفسفات، وهرطقات، لا تدُلُّك على أي معنى من معاني الوطنية.
الممارسات في موسم عاشوراء والتي وصفها البعض بـ «الغريبة» يمكن لها أن تكون غريبة فعلاً ولكن على من هم غريبون عن هذا الوطن، فممارسة الشعائر الحسينية في البحرين، لا تحتاج إلى عناء لكي تؤرخ عراقتها، فهي شعائر لا تخص طائفة دون أخرى، وقد كان إحياؤها مثالاً صارخاً للتعايش الديني بين أبناء هذا البلد الطيب، ولم تكن هذه الحالة شعبية فقط، وإنما كانت الدولة بمختلف مؤسساتها ولعقود من الزمن تبذل جهوداً للإعداد والاستعداد لهذه المناسبة، وقد كانت أيادي الطيبين من الطائفتين دائماً ما تتزاحم على مائدة الحسين (ع).
أتفهَّم ويتفهَّم العقلاء أن حديثي العهد بهذه البلد غير ملمين بتفاصيل هذه الصورة الناصعة من التعايش، وقد يغيب عن أنظارهم الكثير من هذا التاريخ الذي حُفظَ في صدور أبناء هذا الوطن سنّة وشيعة قبل أن يُحفظ بين دفات الكتب المصفرة العتيقة، ولكن ما لا أتفهّمه ولا يتفهّمه ذوو العقول الراجحة من أهل الرشد أن يحمل أحدهم الراية عالية لإثارة النعرات الطائفية المستوردة من الخارج، والتي لا تجد لها موطئ قدم في وطن تأدب أهله على احترام الآخر، والتعايش مع الآخر، وتقبُّل الآخر.
الخلط بين ما يحدث في الشارع من أحداث، بالشعائر الحسينية، لا يبرر الازدراء بمعتقدات مكون كبير من مكونات هذا الوطن، ويحق لأي نائب أن يبدي رأيه في ما يشاء من أحداث، ولكن لا يحق له أن ينسب حدثاً ما لطائفة كاملة، ويعتبر ذلك الحدث مبرراً له ليوجه سهامه لمعتقدات هذه الطائفة أو تلك.
الطامة الكبرى أن بعض النواب لم يفهم من دوره البرلماني سوى تصدير البيانات منتهية الصلاحية التي تستهدف محبة ووحدة أهل هذا الوطن، بينما دورهم الرقابي معطل، ثم أليس الأَوْلى ملاحقة صناعة الفساد بدلاً من ملاحقة معتقدات العباد؟!
ولعلمك الخاص أن الأملاك العامة التي تحولت إلى خاصة، وأوصى مجلس النواب باسترجاعها في العام 2010، لم تُسترجَع بعد، فأرنا شيئاً من همّتك!
وأمّا ازدراء عقائد الناس، فهو محظور دستورياً، إذا كنت مطلعاً على الدستور الذي يقول في مادته (22) «حرية الضمير مطلقة، وتكفل الدولة حرمة دُور العبادة، وحرية القيام بشعائر الأديان والمواكب والاجتماعات الدينية طبقاً للعادات المرعية في البلد».