عقيل ميرزا
من منّا لم تصله على «الواتساب» أو «تويتر» أو «الانستغرام» نكتة طريفة عن أسعار الطماطم؟!
أعتقد أن الجميع قرأ أكثر من نكتة بنكهة الطماطم، فخلال الأيام الثلاثة الماضية اكتظت وسائل التواصل الاجتماعي بهذه النكات، واستطاعت «الطماطية» أن تُكوّن لها شخصية مرموقة ذات كاريزما عالية تفوقت على كل أصناف الخضراوات الأخرى، وصارت كل الأنظار متوجهة إليها فقط ومن دون منازع.
بالتأكيد أن هذه الحملة الكبرى على الطماطم، هي ليست حملة مدعومة من الخارج، أو حملة رَوَّجت لها جماعة إرهابية، أو حرَّضت عليها خلية سرية، وهي بالتأكيد ليست أمراً دُبر بليل، أو مخططاً سرياً خطيراً يستهدف أمن سوق الخضراوات واستقراره، وإنما هي حملة عفوية أرادت أن تعبِّر عن غضبها واستيائها الشديدين حيال ارتفاع سلعة استهلاكية مهمة كان سعرها مئتي فلس فقط للكيلوغرام الواحد، وارتفع على حين غرة إلى دينار ومئتي فلس.
والمستهلك البحريني لم يجد له ناصراً على مواجهة تضاعف السعر مرات عديدة غير وسائل التواصل الاجتماعي، التي تتمتع بسعة صدرها الذي كان مفتوحاً، لكل النكات التي أبدع فيها البحرينيون، بمختلف الفنون صوراً وشعراً ونثراً.
أعلم أن كمية الضحك في حملة «تخييس الطماطة» كانت كبيرة جداً، ولعلها كانت فرصة غير مقصودة للناس للتنفيس عن همهم السياسي، الذي يضغط على مختلف نواحي حياتهم، ولكن السخرية التي رافقت هذه الحملة لا تعني خلوها من مضامين تستحق التوقف عندها، وأولها أن الناس أصبحوا اليوم أكثر قدرة على التعبير عن رأيهم حيال قضية ما، بالوسائل العصرية المتاحة إليهم، وأن الأسلوب الساخر الذي اختاره الناس من دون تنسيق مسبق بينهم استطاع أن يكبح جماح غرور الطماطم، وأن يجبره في اليوم الثاني على التراجع ليقترب من سعره كما كان في سابق عهده، فإما أن يقبل بسعره الحقيقي وإلا فحاويات القمامة تنتظره.
حرية التعبير ليست بعبعاً يدعو للخوف، بل وسيلة حضارية يجب أن تبعث على الارتياح، فحرية التعبير دائماً يمكن لها أن تعين الحكومات على فهم احتياجات الشعوب، ويمكن لها أن تصحِّح كثيراً من المسارات الخاطئة، التي قد تنتهي بالجميع للهاوية، ويمكنها أيضاً أن تضمن مشاركة حقيقية للناس في وضع حلول ناجعة لمختلف القضايا، ليست السياسية فحسب بل الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، لأنها تتيح فرصة حقيقية لعقل المجتمع، وتشجعه على التفكير والمشاركة في القرارات المصيرية أحياناً.
أما النفر الذين يبذلون جهداً جهيداً في تخويف الحكومات من حرية التعبير، ويطالبونها بالتضييق على الشعوب، والحد من حريتهم، إنما هم نفر لا يريدون لهذه الحكومات أن تسمع لغيرهم، وإنما يريدونها أن تستمع لهم فقط حتى تبقى فواتيرهم مدفوعة إلى الأبد، وليست لديهم أدنى مشكلة في أن يرتفع سعر الطماطم خمسة أضعاف أو عشرة، لأن الفاتورة مدفوعة.