حسن المدحوب
من كان من البحرينيين متفاجئاً بإعلان قوى المعارضة تعليق حضورها لجلسات الحوار الوطني لأمد مفتوح؟ لا أظن أن أحداً لم يكن أصلاً إلا ويتوقع «فركشة» هذا الحوار، وربما في وقت أبكر مما حدث فيه ذلك.
بغض النظر عن صوابية ما قامت به المعارضة من عدمه، ومن توقيته، ومبرراته، إلا أن الجميع، وأقصد بالجميع، كل البحرينيين بمختلف انتماءاتهم الفكرية والسياسية، وصلوا إلى مرحلة التندر على مجريات هذه الجلسات التي كانت تستغرق ساعات طوال كانت تستثمر في التراشق بين مختلف الأطراف، وبالطبع فإن كل تكاليف هذه الجلسات التي بدأت في العرين، ثم انتقلت إلى مركز عيسى الثقافي كانت تدفع على نفقة الدولة، أي بالعربي الفصيح على نفقة الشعب!
هذا التندر، سبقه بوقت طويل، حالة من الشعور بخيبة الأمل البالغة من المواطنين الذين أدركوا سريعاً أن حواراً تم التخطيط له بهذا الشكل وبهذه السيرورة لن يكون قادراً على اتخاذ قرار بتوظيف بحريني واحد أو بناء بيت إسكان إضافي، فضلاً عن قدرته على إيجاد حلول جذرية لوقف التمييز والفساد والوصول إلى دولة ديمقراطية تترسخ فيها قيم العدالة والحرية والكرامة لجميع البحرينيين.
الدولة أطلقت في يوليو/ تموز 2011، حوار التوافق الوطني الأول، بعد فترة وجيزة من انتهاء حالة السلامة الوطنية التي مورس فيها الحل الأمني على نطاق واسع، وقد شارك فيه قرابة 300 جهة، لكنه استمر بدون مشاركة فاعلة لقوى المعارضة، ولم يستطع هذا الحوار أن يقدم الكثير للبحرين.
وبعد عام ونصف، عاودت الدولة إطلاق هذا الحوار في نسخته الثانية في (فبراير/ شباط 2013)، غير أنه وبعد سبعة أشهر من بدئه، وأريد له أن يتشكل من أربعة أطراف فقط (الحكومة، جمعيات ائتلاف الفاتح، المعارضة، البرلمان)، لكنه لم يكن بديلاً كافياً لإيقاف تغول الحل الأمني الذي استمر بمنحى متصاعد، فلم يكن البحرينيون يشعرون مطلقاً أن هناك حواراً يجري أصلاً في ظل هيمنة التصعيد اليومي والاعتقالات والمداهمات ومظاهر العنف.
الاتهامات المتبادلة بالتعطيل، والتعويل على الأوراق الإقليمية لا يعني البحرينيين كثيراً، ما يعنيهم أنهم يريدون أن يحيوا في دولة تحترم مواطنتهم وتقدرها، وتنصف تطلعاتهم العادلة والمنصفة في التحول نحو الديمقراطية التي تحقق الكرامة لهم في أرضهم ووطنهم.
نعلم يقيناً أن ليس هناك حل سحري يمكنه انتشال البحرينيين من مشاكلهم في طرفة عين، ولكننا كمواطنين كنا ولانزال نأمل أن نجد نيات صادقة لدى مختلف الأطراف في تحقيق المصالحة الوطنية ووقف حملات الكراهية والحقد التي يراد لها أن تفرق البحرينيين وتقسمهم بحسب طوائفهم ومعتقداتهم وانتماءاتهم السياسية، وذلك ما لا نراه متحققاً للآن.
المنتفعون من تجارة الأزمات يتمنون أن تظل الأمور على حالها، إن لم يكونوا يريدون أن يستفحل التمييز والفساد في بلادنا، لأن ذلك يضمن لهم الكثير من المزايا على حساب آلام غالبية المواطنين، ولكننا ندرك أن هذا الحال لا يمكن أن يستقيم إلى ما نهاية.
من حق هذا الشعب بعد كل التضحيات التي قدمها أن ينعم بالحرية والكرامة والعدالة والأمن للجميع، ونعلم أن واقع الأمور تسير حتى اللحظة بخلاف ذلك ما دام الحل الأمني يراوح مكانه.
نتمنى بصدق أن تنتهي مشاكل كل البحرينيين، ولا نريد أن نسمع بعد عام أو أكثر عن انطلاق «النمرة» الثالثة للحوار دون أن يسفر ذلك عن إيجاد حلول جذرية لكل مشاكل البحرينيين.