منصور الجمري
الحوار الوطني الذي بدأ في 10 فبراير/ شباط 2013 افتقد عنصراً أساسياً لإنجاحه، وهو المتمثل في ضرورة «بناء الثقة» بين الأطراف السياسية. وعليه فإن الحديث عن استمرار الحوار أو عدم استمراره لا يؤثر كثيراً إذا كانت الثقة غير موجودة.
الثقة تُعتبر أحد العناصر الأساسية لتحقيق الإصلاح والمصالحة، ولإيجاد حلول لردم الفجوة السياسية التي ازدادت أكثر منذ بدء عملية الحوار الحالية.
إن التنوع والاختلاف أمر طبيعي، والنجاح يكمن في مدى التقارب، وهو ما عبّرت عنه الآية الكريمة «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا» (الحجرات: 13)، والجماعات والفئات تحتاج إلى الثقة لكي تتعارف فيما بينها، أمّا إذا ازدادت الفرقة فإن ذلك يشير إلى خلل جوهري في العملية المتبعة.
إن تدابير بناء الثقة تتطلب، مثلاً، عدم التصعيد في الأعمال والإجراءات والنشاطات غير المرغوب فيها من أجل تخفيف حدة التوتر وتجنب التصعيد العرضي، وتخفيض درجة الشكوك المتبادلة، واتخاذ خطوات أولية بهدف التوصل إلى حل سياسي في نهاية المطاف، وأن يتم حصر الخلافات في إطار منهجي واضح.
الحوار الوطني المطلوب في البحرين هو ذلك الحوار الذي تنتج عنه عملية سياسية دستورية تؤسس لاستقرار سياسي قابل للحياة على مدى طويل. ومثل هذه الأهداف لا تقوم إلا من خلال الثقة المتبادلة التي تحتاج – فيما تحتاج – إلى بيئة إعلامية وتوجيه من كل المعنيين نحو تعزيز الوئام الاجتماعي وتقليل مسببات الفروقات التي تتسبب في إثارة النعرات القبلية والطائفية والإثنية.
الحوار الوطني ليس بالكلام والتصريحات والاستعراضات والتحرشات والاستفزازات، وإنما يحتاج من أجل إنجاحه إلى خبرات متوافرة حالياً لجميع من يسعى إليها، وهذه الخبرات تساعد من لديه الجدية في الإصلاح والمصالحة في خلق حالة التفاهم والثقة المطلوبة.
كما أن إدارة هذه العملية تحتاج إلى من يتمسكون بالحياد لكسب ثقة الأطراف المتحاورة، وللوصول إلى فهم مشترك حول جذور المشكلات. وفي حين أن توجيه اتهامات أثناء التحاور أمر مقبول، إلا أن العملية الناجحة هي التي توصل المتحاورين إلى مرحلة التسامح وجبر الضرر، وبالتالي تمهد الطريق للوصول إلى المصالحة الوطنية.
ولعلّ أن جميع ما يقال عن هذا الموضوع ليس غريباً أو جديداً، ولكن الغريب هو أن أيّاً من ذلك ليس له أثر على ما يحدث في واقع الأمر، وهذا يشير ربما إلى عدم وجود الجدية الكافية في إجراء الحوار منذ البداية. ونعود لنؤكد، أن العملة الصعبة التي يحتاجها أي حوار جاد هي «بناء الثقة»… أولاً.