قاسم حسين
شهد يوم الجمعة الماضي خروج مسيرة جماهيرية حاشدة على شارع البديع، ذات شعارات ومطالب سياسية واضحة.
المسيرة نظمتها الجمعيات المعارضة الخمس (الوفاق، وعد، الوحدوي، القومي، الإخاء)، وهي ائتلافٌ من جمعيات وطنية ذات مشارب فكرية مختلفة، إسلامية وقومية ويسارية. ولأكثر هذه الجمعيات امتداد تاريخي يصل بعضها إلى عدة عقود، وقد ظلت صوتاً مهماً في الساحة بعد انطلاق أحداث فبراير 2011.
في أعقاب فرض حالة السلامة الوطنية، استمرت هذه الجمعيات في نشاطها بالحد الأدنى الممكن، وبعد رفع حالة الطوارئ عادت إلى التجمّع والحشد، من مسيرات وتجمعات ومهرجانات، في المناطق ذات الأغلبية المعارضة. وهي أنشطةٌ كانت تقبلها السلطة على مضضٍ، لحسابات خارجية وإعلامية، في وضع يلعب فيها الإعلام دوراً محورياً ضاغطاً على الحكومات في هذه الفترة من التاريخ.
في الأشهر الأخيرة، ومنذ بداية العام، كانت السلطات تستغل أيّ حدث أمني لمنع أية مسيرات سلمية، رغم علمها التام بنهج الجمعيات، وإصدارها «وثيقة المنامة»، وإعلانها الالتزام بالخط السلمي بكل وضوح.
المسيرة الأخيرة جاءت بعد توقف فعاليات المعارضة لمدة شهر ونصف الشهر، إذ كان آخرها الاعتصام في المقشع في 12 يوليو/ تموز 2013، للتنديد بالتعذيب الذي يتعرض له المعتقلون والمواطنون، حيث تشكّل هذه المسألة قضيةً ضاغطةً على الضمير. كما تمثل انتهاكاً مستمراً لحقوق الإنسان، الذي تدّعي الدولة بالتزامها بأعلى درجاتها ومعاييرها، وتدفع لتكثير الجمعيات «الحقوقية» الرسمية لتبييض السجّل المثقل بالانتهاكات.
المسيرة الأخيرة جاءت أيضاً بعد أربعة أسابيع من انعقاد جلسة المجلس الوطني الاستثنائية في 28 يوليو الماضي، والتي أثارت الكثير من الانتقادات والتساؤلات، سواءً من حيث تقصير النواب في أداء دورهم التشريعي والرقابي المفترض، أو التبعية للسلطة التنفيذية، وإسراعهم الغريب في تحقيق كل رغباتها بأقصى درجة من الطاعة والانقياد.
في هذه الجلسة، ذهب بعض النواب إلى المزايدة على الحكومة نفسها، وطالب بأكثر مما كانت تتمنّاه، فبالإضافة إلى تشديد الخناق على الفئات المعارضة وتغليظ العقوبات على أنشطتها، طالب البعض بتجريد من الجنسية، في ضربٍ فاضحٍ لمبدأ المواطنة وأبسط حقوق الإنسان. وهي سابقةٌ غير مشرّفة، تُسجّل لأعضاء البرلمان الحالي في تجاوز المبادئ والحقوق، سيذكرها التاريخ حتماً كمثالٍ فاضحٍ على القصور والتقصير معاً. فكل برلمانات العالم تسعى لتحصين الحقوق، وتوسيع هامش الحريات وحفظها، أما البرلمان الحالي فسعى في الاتجاه المعاكس تماماً، حيث ذهب بعض أعضائه في تطرفهم إلى المطالبة بمنع كافة المسيرات!
مثل هذا الانزلاق في المحظور، دفع المشاركين في المسيرة الأخيرة، إلى رفع شعارات أكّدت على الحق في التظاهر «في أي مكان من البحرين»، وأخرى للمطالبة بـ «الديمقراطية»، والتنديد باستمرار الانتهاكات.
في البيان الختامي للمسيرة، أكّدت الجمعيات المعارضة على «حق شعب البحرين بكل مكوّناته وتوجهاته في أن يكون هو المصدر الوحيد للسلطات لن يندثر باستخدام القوة لإسكات صوت المطالبين بالحرية والكرامة»، وهي تستند في ذلك إلى الدستور البحريني الذي ينص على أن «الشعب هو مصدر السلطات جميعاً».
إنه الصوت الآخر في البحرين، الذي يطالب بواقع ديمقراطي حقيقي، بعد ثلاثين شهراً من النزيف، بسبب سياسات الإقصاء والاستعداء والتحريض والتهميش.