سلمان سالم
لا أحد منصف ومطلع على العهدين الدوليين لحقوق الإنسان يصدّق ما حدث لعشرات الطلبة والطالبات من كلية البحرين للمعلمين، منذ أحداث الجامعة في 13 مارس/آذار 2011 وحتى هذه اللحظة.
محاكماتٌ وحرمانٌ من الدراسة وفرض غراماتٍ كبيرةٍ عليهم، وسجن بعضهم سنوات طويلة، وانتهاكات واسعة لحقوقهم الإنسانية والدراسية… وقائمة اتهامات تطول وتزيد دائرتها وتتوسع. وهناك تنفيذ الأحكام القضائية التي صدرت ضد العشرات منهم، ومن أجل وقف تنفيذها طلب من أولياء أمورهم دفع غرامات مالية كبيرة، تصل إلى 5000 دينار، في الوقت الذي تعيش فيه أسرهم في حيرة كبيرة، ولا يدرون ماذا يفعلون؟ وإلى أين يذهبون لإنصافهم؟
تقوم إدارة الجامعة ووزارة التربية والتعليم بإصدار وتنفيذ قرارات الفصل والتوقيف عن الدراسة ضدهم بطائفية بغيضة. أحد آباء الطلبة المتضررين يقول انه في يوم أحداث الجامعة الدامي كان ابنه يتلقى العلاج في مستشفى السلمانية بسبب كسر أصابه في رجله، وعنده التقرير الطبي الذي يثبت صحة كلامه. وبالإضافة إلى وجود شهود من الطلبة يؤكدون غيابه في ذلك اليوم الرهيب، ويقسم بالله العظيم أن ابنه المحكوم عليه قضائياً بثلاث سنوات، وبغرامة تقدر بـ 55 ألف دينار تقريباً، لاتهامه بالمشاركة في أحداث الجامعة التي لم يشهدها، بسبب إصابته الشديدة التي منعته عن الحضور إلى الجامعة في ذلك اليوم الأسود، حين تم السماح بمرأى ومسمع رئيس وأعضاء مجلس إدارة الجامعة وعلم وزارة التربية والتعليم، بدخول عدد كبير من الأفراد إلى أقسام الجامعة، وهم ليسوا من طلبة الجامعة، حاملين بأيديهم قطعاً من الأخشاب وبعض الأسلحة البيضاء، وقد أحدثوا بسبب قسوتهم إصابات توزعت بين البسيطة والمتوسطة والبليغة في صفوف الطلبة، ومن بينهم الطالب الجامعي المتفوق محمد عبدالمهدي الذي تم الاعتداء عليه بفأس، وأصيب بجرح عميق في رأسه، دخل بسببه في غيبوبة استمرت عدة شهور، وأفاق منها بعاهةٍ مستديمةٍ وصعوبةٍ في النطق، وفقدان نسبة كبيرة من ذاكرته. وقد ألحقته أسرته مؤخراً بمركز تعليمي متخصص لتدريبه على نطق الحروف الهجائية التي لم يتذكر الكثير منها، بعد أن كان طالباً جامعياً متميزاً في تحصيله الأكاديمي وفي أخلاقه وسلوكه. والغريب في الأمر أن الشخص الذي قام بهذه الجريمة النكراء مازال طليقاً!
سنكتفي هنا بذكر ثلاثة نماذج من الطلبة الذين تضرّروا من إجراءات إدارة الجامعة ووزارة التربية والتعليم وديوان الخدمة المدنية القاسية، النموذج الأول طالب حاصل على شهادة تفوق من جامعة البحرين، وأدرج اسمه ضمن قائمة العميد الشرفية في الفصل الدراسي الثاني للعام الجامعي 2011 – 2012، على الرغم من أنه لم يتبق على تخرجه إلا ثلاثة أشهر، قامت إدارة الجامعة بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم بفصله عن الدراسة وتوقيف بعثته الدراسية، ومطالبة والده بدفع 12 ألف دينار، تعويضاً عن المبالغ التي دفعت إلى ابنه طوال سنوات الدراسة الأربع.
النموذج الثاني طالب في السنة الثالثة جامعية بكلية البحرين للمعلمين، تم فصله من الدراسة ومخاطبة والده الذي يعيل 9 أفراد، لدفع جميع مصروفات البعثة التي تقدّر بـ 8874 ديناراً.
النموذج الثالث طالبٌ جامعي على وشك التخرج، حكم عليه مع التنفيذ، وقبل أيامٍ اتصلت وزارة التربية والتعليم بوالده المتقاعد تطلب منه مراجعتها لتسديد المبالغ المترتبة على ابنه المسجون، والتي قدرتها حتى الآن بـ 12 ألف دينار.
إننا لا نستطيع سرد جميع الإجراءات المماثلة التي نفذت ضد أكثر من 90 طالباً وطالبة، والتي كان للجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق بقيادة محمود شريف بسيوني الكثير من الملاحظات القانونية التي تصل إلى بطلان أكثرها. لكن اللافت في هذه القضية أن جميع الطلبة والطالبات الذين تضرّروا هم من مكوّن واحد، ما يجعل المتابعين للشأن الجامعي وكثير من الحقوقيين والقانونيين ومؤسسات المجتمع المدني، أن يضعوا علامات استفهام كبيرة على مجمل الاجراءات التي اتخذت ضد هذا العد الكبير من الطلبة والطالبات. ولا نعجب بعد ذهابهما -ونقصد إدارة جامعة البحرين ووزارة التربية والتعليم- بعيداً عن العدالة والمساواة في تعاملهما مع قضايا الطلبة، إذا ما قالوا عن خطواتهما أنها غير حيادية وطائفية متعمدة لتجهيل أبناء الوطن.