تغطية: مكي حسن
بمناسبة ذكرى رحيل المفكر الأستاذ ميشيل عفلق في الأسبوع الماضي، نظمت جمعية التجمع القومي الديمقراطي ندوة حول حياته وأعماله وأقواله بالإضافة إلى تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي مع رفيق دربه الأستاذ صلاح الدين البيطار، تحدث فيها جمال السلمان عضو الأمانة العامة للتجمع مساء الاثنين الماضي بمبنى التجمع بالزنج عن حياة ميشيل عفلق والمراحل التي مر بها، وخاصة فيما يتعلق بالفكر والسياسة وتأسيس حزب البعث.
استهل المتحدث عن حياة عفلق بالقول: «ان الحديث عن عفلق ليس بالسهولة لكونه يتطلب الغوص في تاريخ الفكر العربي القومي وانطلاقاته من جهة، ويقتضي أيضا الرجوع إلى محاضراته وأقواله وكتاباته من جهة ثانية»، ولد عفلق في دمشق في حي الميدان سنة 1910، وحي الميدان هو من المناطق المعروفة التي لا تنام وتعج بالمفكرين وتضم مسلمين ومسيحيين وغيرهم من الانتماءات المتآلفة.
تعلم في مدرسة الثانوية الارثوديكسية، درس في جامعة السوربون في فرنسا لحصوله مع رفيقه صلاح الدين البيطار على بعثة للدراسة هناك لكونهما من أوائل الطلبة في المرحلة الثانوية من عام 1928 إلى 1935، تعرفا هناك على قضايا الفكر والفلسفة والتاريخ، وعملا في التدريس حال عودتهما إلى سوريا لغاية مطلع أربعينيات القرن الماضي، ثم استقالا ليتفرغا للكتابة والعمل والنضال ضد المستعمر الفرنسي.
عهد البطولة
وأوضح ان أول كتاباته كانت بعنوان: «عهد البطولة» عام 1935، وتمثل تجسيدا حيا لواقع الأمة وهمومها، والآمال المعقودة على النشء الجديد من أبناء الأمة العربية في صناعة المستقبل، جاء فيها (الآن تنطوي صفحة من تاريخ نهضتنا العربية وصفحة جديدة تبدأ، تنطوي صفحة الضعفاء الذين يقابلون مصائب الوطن بالبكاء، وتبدأ صفحة جديدة، صفحة الذين يجابهون المعضلات) ببرودة العقل ولهيب الإيمان، هؤلاء هم الذين يفتتحون عهد البطولة ).
وفي عام 1940، كتب حول القومية، قائلا: «القومية حب قبل كل شيء، وإذا كان الحب هو التربة التي تتغذى قوميتكم منها، فلا يبقى مجال للاختلاف على تعريفها وتحديدها» مشيرا من جهة أخرى أنه أسس مع صلاح الدين البيطار حركة داعمة لرشيد على الكيلاني في العراق ضد الاحتلال البريطاني وأسماها «حركة الإحياء العربي» في نفس السنة تحت عنوان: «كيف ندعم العراق»؟، وذكر المتحدث ان هذا المنحى كشف عن توجهات كل من عفلق والبيطار القومية ولعروبية.
العروبة والإسلام
وقال، تلاها ألقى محاضرة في ذكرى الرسول العربي في سنة 1943أكد فيها على وجود إستعداد دائم في الأمة العربية للتفاعل مع الإسلام شرط فهم الإسلام على حقيقته، وأوضح أن اختيار الله العرب لتبليغ الإسلام يميط اللثام عن وجود ارتباط وثيق بين العروبة والإسلام، تلاها مرحلة جديدة هي تأسيس حزب البعث في دمشق في مقهى الرشيد في السابع من (أبريل) عام 1947 بمشاركة أساسية من صلاح الدين البيطار ومدحت البيطار ولمع في مسيرة الحزب في تلك الفترة وما تلاها كل من صلاح جديد وأمين الحافظ وأكرم الحوراني وغيرهم من المدنيين والعسكريين في مرحلة الخمسينيات معلنين ان البعث هي منظمة قومية سياسية، أهدافها تتمثل في الوحدة والحرية والاشتراكية أي تطمح إلى توحيد الدول العربية وتحريرها من المستعمر الاجنبي، وان توافر للأمة العربية نظام اقتصادي عادل تعيش تحت مظلته.
وفي هذا الخضم من تاريخ الحزب، أكد جمال السلمان ان حياة ميشيل عفلق ارتبطت بمسيرة الحزب وما قبل مرحلة التأسيس، أي منذ عام 1940 وحتى وفاته علم 1989 وتدرج من دعم الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958 وقبوله بحل الحزب حينها من أجل الوحدة، وكشف ان حل الحزب، كان قرارا خاطئا بعد انفصال الوحدة عام 1961 كما جاء في وثائق الحزب.
الحزب في العراق
كما تطرق إلى تاريخ الحزب ومسيرته في العراق بداء من 1963 وتعاونه مع (القوميين) واستلم الحكم حينها ثم الانقلاب عليه بعد مضي 8 أشهر، وهكذا واصل الحزب مشواره إلى ان حقق ثورة 17 عام 1968 في العراق، وتسلم الحكم هناك بقيادة المرحوم أحمد حسن البكر والشهيد صدام حسين إلا ان عفلق لم يستقر في بغداد إلا في عام 1974 حيث كان يتنقل بين عواصم عربية وأجنبية وخاصة باريس.
ثم قال المتحدث عن حياة عفلق بندوة التجمع القومي بالزنج: «بهذه التنقلات والكتابات تمكن الأستاذ ميشيل من جذب الشباب العربي في الجامعات بأقواله وكتاباته المبنية إلى فكر البعث وأهدافه»، وتابع، صحيح ان البعث تأثر بتعريفات القومية ومقوماتها حينها مثل كتابات ساطع الحصري وكذلك تأثره بمفهوم القومية في الغرب، إلا ان أقوال وكتابات عفلق عن القومية العربية والفكر العربي تختلف عن أطروحات هؤلاء، لقد كانت لحظة تاريخية أسماها بـ «سلامة الاختيار»، ولم تكن ثورة ضد ثورة أو يسارا ضد يسار أو اشتراكية ضد اشتراكية أو بين مادة وروح بقدر كلمة واحدة تنبع من الأصالة في الأزمات، تجعل الأفكار مبدعة وصانعة للتاريخ.
مفهوم الحرية
ومن جانب آخر، تطرق المتحدث إلى الحرية ومفهومها في فكر عفلق، وأفاد، قائلا: «الحرية في فهم وفكر عفلق ليست شيئا كماليا في حياة الأمة يمكن الاستغناء عنه بل أنها أساس هذه الحياة وجوهرها ومعناها، كما أن الحرية لا تتجزأ»، وهذا المفهوم هو نفسه الذي ورد في كتابات منيف الرزاز وإلياس فرح وسعدون حمادي من كبار مفكري الحزب وذلك على اعتبار ان مرجعيتهم هو عفلق وما كتبه في هذا الصدد على أساس أن «الحرية لا تعني ان نثور على الاستعمار الأجنبي، ثم نسكت عن الاستبداد والفساد بالداخل».
وفي سياق مفهوم الحرية، أكد أهمية الديمقراطية والوحدة مشيرا إلى ان الديمقراطية منقذ للأمة من حالات التداعي والضياع، كما ان كتابات ميشيل عفلق حول الإسلام والعلمانية بدت واضحة في كتابات قيادات إٍسلامية منهم: ليث شبيلات ومحمد عمارة منوهين إلى أٌقوال عفلق التي تؤكد ان مبادئ الإسلام الانسانية وقيمه الأخلاقية والحضارية هي روح العروبة ومصدر إلهامها الدائم المتجدد، والبعث هو حب للعروبة وللإسلام.
واختتم المتحدث جمال السلمان في تناوله حياة عفلق بعرض بعض مواد دستور حزب البعث حين أسس عام 1947، حيث جاء فيه: «نظام الحكم في الدولة العربية هو نظام نيابي، والسلطة التنفيذية مسئولة أمام السلطة التشريعية، مع التأكيد على إلغاء النظم العشائرية من جهة، وتأكيد من جهة أخرى ان الرابطة القومية هي بوتقة للانصهار، وهي مضادة للعنصرية والطائفية، ولا تدخل في عقائد الناس».
توفي ميتشل عفلق عام 1989 في بغداد ودفن في مقر القيادة القومية لحزب البعث، إلا أن قوى الاحتلال والمتعاونين معهم قد نبشوا القبر بعد الغزو الأمريكي البريطاني للعراق عام 2003، مشيرا إلى أن هذا عمل منبوذ حيث من المعروف تجريم نبش القبور في العقائد السماوية والوضعية.
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.