اسماعيل أبو البندورة
قالها وزير خارجية ايران في حديث لمحطة "الميادين" الناطقة باسم مشروعه في المنطقة وبالفم الملآن "أن ايران أقوى دولة في المنطقة.. وأن لاحل لمشاكل المنطقة الا بمشاركة ايران!" ثم كرر قوله هذا ثانية ردا على استيضاح محدثه وتابعه، لتكون العبارة مفهومة تماما دون أي التباس.
وتلك عبارة تقول الكثير بالنسبة لنا اذ أن فيها الغطرسة الايرانية المتجددة والمتصاعدة، واستمرارية النغمة الاستكبارية القديمة، التي نعرفها وخبرناها منذ مجيء نظام خميني والملالي الى الحكم، وهي التي قادت الى الاعتداء على العراق عام 1980 والامعان في استمرار العدوان لمدة ثمانية أعوام. وقتها ايضا قالوا القول نفسه (نحن الأقوى بعد انتصارنا على الشاه.. وأن المنطقة اصبحت تحت سيطرتنا، ومن يتكلم "والخطاب موجه الى العرب دوما" مصيره الانسحاق تحت حوافر خيلنا واندفاعة أبطالنا المبشرين بالجنة وحملة مفاتيحها).
هذه "أي لغة وزير الخارجية الناعمة التدليسية" "لمن لايعرف" هي لغة ايران الافتراسية المتربصة المبطنة حينا والظاهرة حينا آخر، والموزعة باحكام بين قادة المؤسسات والاجهزة المتعددة، وعلينا أن نبقيها دائما أمام عقلنا وخيالنا لكي نعرف أي سياسة وأي برنامج ومشروع يجري حبكه واعداده للقادم من الأيام، وخصوصا أن اصحاب البرنامج وكما قال قائلهم لايستعجلون الأمر، فالحصاد سيأتي ان عاجلا أو آجلا في ظل هذا الانحسار العربي، وفوضى والتباس الفهم والادراك والاستقبال لدى العرب أو لدى بعضهم، والقبول الأعمى بأقوال ايران واطروحاتها التقيوية المتناقضة دون النظر الى أفعالها، وتحت عناوين تضليلية تارة تكون اسلاموية وتارة اخرى تأخذ ناحية المقاومة والممانعة للشيطان الأكبر (وخصوصا بعد أن هزم هذا الشيطان من قبل أبناء العراق الأشم، وتركت لهم امريكا العراق نهبا وعلى طبق من ذهب!).
ايران الآن آمنة مطمئنة وبيدها حقا كافة الاوراق الضرورية للمساومة والمقايضة والنفوذ، والمحاصصة، وهي الاوراق المستلة من رصيد ضعف العرب، والقائمة أصلا على استهداف العرب وتفتيت دولهم ومساومة القوى الاستعمارية والصهيونية والتفاوض معها باسمهم، وعلى حسابهم للحصول على المكانة الدولية والمكاسب المادية والمصلحية، واحتيازالقوة النووية في ظل هذه اللحظة الاستثنائية المواتية، ولها الحق بالقول أنها القوة الأكبر والقوة صاحبة القول واليد الطولى والوصاية، فهذا تحصيل حاصل غفلة العرب وانطلاء الأزعومات الايرانية عليهم، وفعالية التسميم الفكري الذي تقوم به ايران في المنطقة بالصوت، والصوره، بعد أن أقامت لها دولا راسخة موازية في معظم الدول العربية وجيوبا وجيوشا وميليشيات ومعازل طائفية في كل الاصقاع، واصبح تفكيك هذه الدول الطائفية الموازية من الافعال الصعبة اذا لم نقل والمستحيلة.
الامة الآن تواجه هذه الدول "داخل الدول" التي أنشأتها ايران داخل الوطن العربي وفي معظم أقطاره، لتكون امتدادا لها ولولاية الفقيه، وذراعا عسكرية مؤثرة لحسابها، للتحرش والتعرض، وتنفيذ الخطط وفقا لرؤية الولي الفقيه العمياء والمعادية للأمة العربية، وأبواقا ومكبرات صوت لتصدير الثورة وترتيل أطروحات الخميني وبعده الخامنئي السوداء والصفراء في آن واحد (وعلينا هنا أن نلاحظ المحطات التلفازية والصحف والمجلات الطائفية المتعددة المنتشرة في كل الامكنة، والمؤتمرات المشبوهة والمدعومة من ايران والتي اختارت " المقاوم الجلبي " يوما في بيروت، ليكون احد رموزها، بعد أن قاموا بطرد ممثل المقاومة العراقية من المؤتمر. ولابد أن يرى كل لبيب وقومي عربي الدلالات والمعاني التضليلية في هذه المؤتمرات. (وياما تشاجر ابناء الامة العربية وفي مناسبات متعددة مع ممثلي ايران وأذنابهم في حوارات ومؤتمرات كان موضوعها الدفاع عن الامة والقومية العربية، وعروبة الخليج واسم الخليج، والمقاومة العراقية الباسلة، والنظام الوطني في العراق بقيادة الشهيد صدام حسين).
وبهذه الوسائل التي ذكرنا بعض الأمثلة عليها، فان المشروع الايراني الوصائي الجديد على الوطن العربي يتحدث عن نفسه جهارا، ويعلن مقاصده بلا حرج وامام كل عقل سليم، ولم تعد فيه جوانب خافية. فبعد أن كوّن الدول والدويلات الموازية والمخالب والمليشيات الطائفية المدججة، هاهو يفرض نفسه بالتدخل العسكري المسلح لحماية المراقد كأول الحجج والخطوات، ومن ثم لحماية أدواته التاريخية في المنطقة التي دعمته في عدوانه على العراق عام 1980 وبعدها ليكون اللاعب الأول في المنطقة بازاء القوى الاخرى المتناطحة والمتنافسة فيها. انه يقول الآن، وبراحه تامة : أنا الأقوى في المنطقة.. أنا الوصيّ على المنطقة.. وأنا الناطق باسمها.. ومن يريد النزال فلينازل هنا على أرض العرب، ومن يريد المقايضة والمساومة فليساوم هنا على ارض العرب، فأنا بانتظاركم على الطاولة، أوعلى رأس الطاولة اذا شئتم أو ارغمتم!!