العبرة ليست في النصوص الدستورية عن الصحافة بل في التطبيق دون تمييز
حسين محمد البحارنة
استطراداً لما طرحناه في الحلقة السابقة، نقول إن صياغة المادة 20 من هذا القانون لا تختلف عن صياغة المادة 19، إلا أنها تتعلق بصورة خاصة بالمطبوعات الصادرة من خارج البحرين. ذلك أنها تجيز لوزير الإعلام بقرار صادر منه، «منع أية مطبوعات صادرة في الخارج من الدخول والتداول في المملكة وذلك محافظة على النظام العام أو الآداب أو الأديان أو لاعتبارات أخرى تتعلق بالصالح العام». وهذه أيضاً عبارات مرسلة وفضفاضة تعطي لوزير الاعلام سلطة تعسفية – وبدون رقابة القضاء – في منع أية مطبوعات صادرة في الخارج من الدخول والتداول في المملكة للأسباب السالف بيانها، الأمر الذي يحرم الجمهور حرية الاطلاع على هذه المطبوعات لمدة غير محددة، وذلك بانتظار صدور قرار وزير الاعلام بهذا المنع من التداول أو بالموافقة على تداول هذا المطبوع في البحرين.
وهذا أمر يتناقض مع مبدأ عدم حرمان المواطن من الاطلاع، بشفافية تامة، على المعلومات والأخبار التي يجب أن تكون ميسرة لكل مواطن كمبدأ أساسي من مبادئ حقوق الإنسان الدولية. وإذا أردنا أن نحتكم إلى ما يجري عليه العمل في الديمقراطيات العريقة، فإن مثل هذه المطبوعات التي تجري طباعتها، سواءً في داخل البلاد أو خارجها، يمكن تداولها في هذه الدول الديمقراطية دون قيود أو معوقات قانونية أو تشريعية. ولكل ذي شأن، بما في ذلك الدولة المعنية، إقامة دعاوى جنائية أو مدنية ضد مؤلف أو ناشر هذا المطبوع أمام محاكم هذه الدولة المعنية لإصدار حكمها الجنائي أو المدني، مع حق أحد طرفي الدعوى – الذي يصدر الحكم لصالحه – بالمطالبة بالتعويض المجزي والمجبر للضرر. وحيث أن مثل هذه الإجراءات الديمقراطية التي تقدّس حرية المواطن في الاطلاع، بكل شفافية، على المعلومات وقراءة المطبوعات بكل حرية، يصعب تطبيقها عموماً في محيط الدول العربية بخاصة، فإنه لذلك، يمكن تقديم الاقتراح التالي:
نرى تشكيل لجنة عليا حيادية ومستقلة لمراجعة المطبوعات الصادرة في الداخل أو الخارج المقدمة لوزارة الإعلام للاطلاع عليها قبل تداولها. ويكون اختصاص هذه اللجنة العليا مراجعة كل المطبوعات والمنشورات التي تدخل تحت طائلة قانون الصحافة والطباعة والنشر، سواءً وفقاً للقانون الحالي، أو لمشروع القانون الجديد الذي ستعرضه الحكومة على مجلس النواب قريباً. ويجب تشكيل هذه اللجنة العليا بمرسوم. ويتكون أعضاء هذه اللجنة من شخصيات أدبية وثقافية وقانونية وشرعية مستقلة ومحايدة، وتكون ملحقة بوزارة الإعلام، على أن تكون قراراتها بشأن منع المطبوع المعترض عليه من قبل الوزارة أو السماح له بالتداول، ذات حجية قانونية. ولكن يبقى، مع ذلك، حق كل من الوزارة وذوي الشأن قائماً في الاعتراض على قرارات هذه اللجنة وذلك باللجوء إلى المحكمة المختصة، طالبين منها النظر في الطعون المقدمة ضد قرارات هذه اللجنة، سواءً فيما يتعلق بمنع المطبوع أو السماح له بالتداول. وعند صدور حكم القضاء النهائي في هذا الطعن، سيكون هذا الحكم ملزماً للكافة وحاسماً للموضوع.
أما الفقرة الثانية من المادة 20، فيما يتعلق بالسماح لذوي الشأن الطعن في قرار المنع أمام المحكمة الكبرى، فتعليقنا السابق على المادة 19، يسري على هذه الفقرة وذلك فيما يتعلق بعدم تحديد مدة لصدور قرار وزير الإعلام بالمنع من تداول المطبوع الذي قد يطول لعدة أشهر، وكذلك فيما يتعلق بموضوع الطعن في القرار أمام المحكمة المختصة «من تاريخ صدور قرار وزير الاعلام، أو العلم به»، الأمر الذي قد يؤدي إلى إطالة مدة «علم المتظلم بهذا القرار» الذي يستوجب أن يوجه إلى المتظلم (الطابع أو الناشر أو المؤلف) شخصياً ليتم علمه اليقيني بقرار المنع المذكور.
أما المادة 22 من القانون فتفرض عقوبة حبس وغرامة شديدتين على نشر أو تداول مطبوعات لم يؤذن في تداولها أو صدر قرار بمنع تداولها وذلك بالرغم من أن المادة المطبوعة أو المتداولة قد لا تستحق هذه العقوبة الشديدة. لذلك نرى أن مشروع القانون الجديد للصحافة والطباعة والنشر يجب أن يلغي عقوبة الحبس غير المبررة في هذه المادة، إلا إذا تضمنت المادة المطبوعة قذفاً صريحاً مجرماً جنائياً وفقاً لقانون العقوبات، ففي هذه الحالة يجب اللجوء إلى القضاء للنظر في محتوى المادة التي يتضمنها المطبوع وإصدار الأحكام في القضايا المرفوعة من ذوي الشأن الذين تضرّروا فعلاَ من المادة المطبوعة.
4 – يتضمن الفصل الثالث من الباب الثاني، المواد 23-26 بشأن موضوع مراقبة الأفلام السينمائية والمطبوعات المسجلة:
ونعلق هنا على «لجنة مراقبة الأفلام السينمائية والمطبوعات» المشكلة وفقاً للمادة 24، بقولنا إنها تنقصها الاستقلالية والحيادية لأنها مشكّلة كلياً من موظفي الوزارة. بينما يجب أن تشكل بمرسوم وأن تضم أعضاء مستقلين وحياديين، يُختارون من بين جمعيات المجتمع المدني، بما في ذلك الفنانين والمخرجين السينمائيين والأدباء المتخصصين في كتابة الفن القصصي السينمائي، على أن تكون قرارات هذه اللجنة خاضعة للطعن عليها أمام القضاء. أما فيما يتعلق بالمادة 25، فإنه يجب إعادة صياغتها بحيث تتضمن صدور قرار الوزير – الموجّه لطالب الترخيص – في حالتي كل من رفض منح الترخيص للفيلم السينمائي، أو الموافقة على عرضه، مع تجنب عبارة «أو اعتبار طلبه مرفوضاً بمضي مدة الخمسة عشر يوماً المشار إليها دون البتّ في طلب الترخيص بعرض الفيلم». ذلك أن هذه العبارة تُصادر حقّ طالب الترخيص في الحصول على قرار وزاري موجّه إليه شخصياَ برفض طلب الترخيص خلال المدة المقرّرة، ليتمكن بذلك من اللجوء إلى القضاء لغرض الطعن في «قرار رفض طلب الترخيص» المذكور.
5 – يتضمن الفصلان الأول والثاني من الباب الثالث المواد 27-43 بشأن مبادئ حرية الصحافة وحقوق الصحافيين:
يتعلق هذا الفصلان بحرية الصحافة وحقوق وواجبات الصحافيين التي أكدتها أحكام الدستور. ولا توجد لنا اعتراضات على هذه المواد التي هي خير ما يتضمنه هذا القانون. ولكننا نوصي بتطبيقها على أرض الواقع. ذلك أن العبرة في النصوص الدستورية والقوانين التي تتعلق بضمان ممارسة الحقوق والحريات العامة للمواطنين، دون تفريق أو تمييز بينهم، هي ليست في تسطيرها حبراً على ورق، سواءً في الدستور أو في القانون، بل إن العبرة في ضمان تطبيقها حقيقةً على أرض الواقع من قبل السلطات المنفذة لأحكام كل من الدستور والقوانين.
6 – يتضمن الفصل الثالث من الباب الثالث المواد من 44 – 59 بشأن إصدار الصحف:
وتتضمن المادة 50 من الفصل الثالث، بصورة خاصة، حكماً تعجيزياً لإصدار صحيفة، يترتب عليه تقييد حرية إصدار الصحف من المواطنين دون تفريق بينهم في ممارسة هذا الحق، ما يدعو إلى تقييد حرية التعبير والحرية الفكرية عموماً. وتشترط هذه المادة لمن يرغب في إصدار صحيفة بأن «لا يقل رأس المال المدفوع للشركة التي ترغب في إصدار الصحيفة عن مليون دينار بحريني، إن كانت الصحيفة يومية، وعن مئتين وخمسين ألف دينار بحريني بالنسبة للصحيفة غير اليومية».
وطبيعي أنه ليس بمقدور عدد كبير جداً من المواطنين المؤهلين في المهنة الصحافية أن يكونوا شركة مساهمة برأسمال قدره مليون دينار كشرط أساسي لإصدار صحيفة يومية. ومع ذلك، فإن هذا النص المتشدد لم يعُق الحكومة من تشجيع صدور ما لا يقل عن ست صحف سياسية يومية وصحيفة أسبوعية ناطقة بوجهة النظر الحكومية الرسمية، وذلك بإمدادها بالرأسمال اللازم والمساعدات المادية الشهرية كدفع مرتبات موظفي الصحيفة وذلك في الوقت الذي لا تحتمل البحرين لصغرها ولقلة عدد قارئي مثل هذه الصحف التي تعتمد أساساً على التقارير الحكومية وعلى الدفاع عن القرارات السياسية للحكومة. كما تقف هذه الصحف موقفاً متشدداً من المطالب السياسية الإصلاحية التي تتبناها الجمعيات السياسية المعارضة في البلاد. ناهيك عن تركيز هذه الصحف، المسندة مالياً من الحكومة، على كتابة المقالات والأعمدة التي تتضمن انتقاداً، بل وهجوماً مستمراً، على البيانات التي تصدرها الجمعيات السياسية التي تمثل المعارضة أو جمعيات حقوق الانسان، سواءً في البحرين أو في الخارج، وذلك عندما تكون تلك البيانات السياسية أو الحقوقية معارضة لوجهات نظر الحكومة. وكان يقابل هذه الصحف في السابق صحيفتان مستقلتان (هما «الوسط» و»الوقت»). وقد عُرف عن هاتين الصحيفتين الحيادية والشفافية في طريقة نقل الأخبار والتعليقات وآراء الكتاب بحيادية، كما يبدو في أكثر الأحيان، ما يفسح المجال للجمعيات السياسية التي تمثل المعارضة بأن تعبّر عن آرائها وأفكارها من خلال هاتين الصحيفتين بحرية واستقلالية في بعض الأحيان، وليس في كل الأحيان. ذلك أن رئيس التحرير في الصحف السياسية اليومية عموماً، يتدخل عادةً بشكل مباشر في الحذف والاختصار لبعض المقالات والأفكار التي يقدّمها المساهمون من الكتاب الأفراد، ومن الجمعيات السياسية المعارضة، خوفاً وتحرّزاً من اعتراضات وزارة الإعلام على المقالات والأفكار المحظور نشرها، وذلك على افتراض تفويض رئيس التحرير بالرقابة الذاتية المسبقة على المواد المنشورة في صحيفته. وفي هذا الشأن، جاء في تقرير وزارة الخارجية الأميركية لسنة 2012 عن حقوق الإنسان – الذي خصّص 48 صفحة لتسليط الضوء على أوضاع حقوق الإنسان في البحرين – عند الكلام عن الرقابة والقيود الرسمية على الإعلام في البحرين ما يلي: «على صعيد حرية التعبير والصحافة، أكّد التقرير أن الصحافيين يمارسون الرقابة الذاتية على نطاق واسع، وأنه وفقاً لبعض أعضاء وسائل الإعلام، فإن المسئولين الحكوميين يتصلون مباشرة بالمحررين ويطلبون منهم التوقف عن الكتابة في موضوعات معينة أو عدم نشر بيان صحافي أو خبر معين»، (انظر صحيفة «الوسط» بتاريخ 12/4/2013 ص5). وفيما عدا صحيفة «الوسط» المستقلة، تتمادى الصحف الأخرى – أو بعضها – في نشر الأخبار والتصريحات والقرارات الحكومية، بينما تمتنع عن نشر أخبار وأنشطة الجمعيات السياسية المعارضة، كما تمتنع عن نشر المقالات والتصريحات السياسية المقدمة للنشر في صحفها من قبل هذه الجمعيات المعارضة نظراً لأنها تتضمن مطالب سياسية لا تقرها هذه الصحف التي تنتهج النهج السياسي للحكومة. وبالمقارنة، فان صحيفة «الوسط» – ومن قبلها صحيفة «الوقت» المستقلة – كانت كل منهما تنقل التقارير والبيانات الحكومية ووجهات نظر وتصريحات وتقارير وزارات الدولة ومؤسساتها العامة، بنفس الحرية والحيادية التي كانت تعامل بها تصريحات وأنشطة وتقارير الجمعيات المعارضة. ولاتزال صحيفة «الوسط» تتبع هذه السياسة الحيادية والمستقلة، وهذا هو المطلوب من الصحافة الحرة والمستقلة في أي بلد يؤمن بحرية الصحافة وبحرية الرأي والتعبير، دون وضع أية قيود غير دستورية على هذه الحريات.
وفي هذا المجال، جاء في الفقرة 1588 من تقرير لجنة تقصي الحقائق لسنة 2011 ما يلي: «تتألف وسائل الإعلام المطبوعة من سبع صحف يومية… ولا توجد صحف تصنف باعتبارها من صحف المعارضة من بين الصحف السبع سوى صحيفة واحدة هي صحيفة «الوسط»…. حيث يمكن تصنيف الصحف الست الأخرى باعتبارها صحفاً موالية للحكومة ومملوكة لشخصيات تربطها علاقات وطيدة بحكومة البحرين». (يتبع).