د. نيفين مسعد
منذ وصل الإخوان للحكم في مصر وهم يقودون حملة لشيطنة التيار القومي، ويتخذون من الرمز التاريخي الأبرز لهذا التيار أي جمال عبدالناصر هدفا للتصويب، فإن أحسن الإخوان صنعا تباهوا بأنهم ليسوا عبدالناصر وإن أساءوا صنعا برروا بأنهم يقلدون عبدالناصر.
ولم يكن أوضح دلالة على هذه الطاقة العدائية تجاه الرجل والتيار الذي يمثله من عبارات التشفي الغريبة التي قرأناها قبل أيام في ذكرى نكسة 67، حيث وُصف عبدالناصر بزعيم النكسة، واعتبر البعض هزيمة 67 عقابا إلهيا للرجل على إعدام سيد قطب فيما اعتبرها آخرون (د. عصام العريان تحديدا) وليدة «الاستبداد والفساد وإسناد الأمر إلى غير أهله وتغليب المحاصة السياسية على الكفاءات العلمية وذوي الخبرة» (هكذا!!). وبلغ الأمر حدا من الفجاجة دعا بعض رموز التيار السلفي إلى تنبيه الإخوان إلى أن الهزيمة كانت هزيمة وطن، وأن أحدا لا يعقل أن يفرح لها إلا إسرائيل.
*****
قبل نحو عشرين عاما، وبالتحديد في عام 1994 انعقد الاجتماع التأسيسى للمؤتمر القومي الإسلامي، وهذا المؤتمر هو عبارة عن إطار فضفاض يجمع شخصيات غير رسمية تنتمي للتيارين القومي والإسلامي وتبحث عن نقاط الاتفاق فيما بينها من منطلق التمييز بين التناقضات الرئيسية والتناقضات الفرعية. وللتذكرِة فقط فإن فكرة المؤتمر انبثقت من مدير مركز دراسات الوحدة العربية دكتور خير الدين حسيب الذي كان قد سبق له تكوين المؤتمر القومي العربي في عام 1990، والذي رعى التقريب بين التيارين القومي العربي في عام 1990، وعقد ندوة خصيصا لهذا الغرض بالقاهرة عام 1989 تحت عنوان «الحوار الديني». وقتها لم يمانع الإسلاميون، والإخوان في القلب منهم، لم يمانعوا في شراكة مع القوميين، فالشراكة كانت في المعارضة لأن أيا من التيارين لم يكن له ممثلون في نظم الحكم العربية آنذاك، فإن وجدوا في اليمن والأردن والسودان فهو الاستثناء الذين لا يكسر القاعدة. أما الآن وبعد أن حملت الثورات العربية الإخوان إلى السلطة فإنهم يتعالون على تلك الشراكة ويتعاملون مع القوميين وغير القوميين من منظور الإقصاء والاستبعاد، ويمشون بممحاة على ذلك الشطر من نص المادة الأولى من الدستور الذي يشير إلى عمل مصر على تحقيق الوحدة العربية الشاملة.
خيَم هذا التغير في علاقة الإسلاميين بالقوميين على أعمال المؤتمر القومي العربي الرابع والعشرين الذي انعقد في القاهرة يومي 1 و2 يونيو الجاري، وشوهد منذ جلسة الإفتتاح نفسها، سواء بتحذير المنصة من الإسراف في نقد التيارات الموجودة في السلطة (مقصود الإسلاميين)، أو بالدعوة لتجديد الحوار بين الإسلاميين والقوميين دونما «لفلفة الخلافات»، حتى إذا ما صعد محمود بدر مؤسس حركة تمرد إلى المنصة انفجر الموقف. جاء اختيار محمود من قِبل شباب التيار القومي لتمثيلهم، وبدأ الشاب بتعريف نفسه بأنه ممن يدافعون عن دولة فلسطين من البحر إلى النهر وممن شاركوا في إنزال العلم من فوق السفارة الإسرائيلية بالجيزة، ومن هذا المنطلق انتقد الرئيس المصري نقدا مريرا لأنه اعتبر نفسه صديقا وفيا للرئيس الإسرائيلي وتمنى الخير لدولته التي قامت على الأرض الفلسطينية، ولأنه لم يفعل شيئا لتعديل معاهدة كامب ديفيد رغم تقييدها السيادة المصرية. وعند هذا الحد انسحب وفد حماس من القاعة.
حين ضغط ممثلو المؤتمر على الحمساويين للعودة، صعد أسامة حمدان أحد قيادييهم إلى المنصة وذكرنا أنه حين «قبِل» عضوية المؤتمر القومي العربي فعلى أساس أن تقترن حرية التعبير مع «الأدب»، ثم كررها مرتين قبل أن يستدرك ويقول إنه تشرف بقبول هذه العضوية. وحين نزل من المنصة تهافت عليه الصحفيون فاعترضتُ طريقه قائلة «بمثل تصرفك يا أستاذ أسامة تفقد حماس مزيدا من الشعبية بين المصريين العاديين، وأخشى أن يأتي اليوم الذي لا يفرق فيه المصريون بين حماس والقضية الفلسطينية». تفاجأ الرجل بتعليقي فسألني كيف؟. رددت من الناحيتين القومية والفلسطينية فإن محمود بدر يجب أن يُحمل على الأعناق لأنه يرفض التطبيع ويدافع عن دولة فلسطينية على كامل التراب الفلسطيني، أما من الزاوية الإخوانية فإن الشاب واجب الإدانة والتعنيف لأنه تجرأ وانتقد أحد قيادات الجماعة، وهكذا بدلا من أن يشيد وفد حماس بعروبة بدر انسحب احتجاجا على لا «إخوانيته»!. دافع الرجل عن موقفه دفاعا ضعيفا بالقول إنه لم ينسحب بسبب نقد محمد مرسي، فلماذا انسحب إذن؟
*****
هكذا فرقت السلطة بين الإسلاميين والقوميين، وربما حتى صارت ذكرى المؤتمر القومي الإسلامي عبئا على الفصيل الإخواني في داخله. ثم بعد ذلك ينتقد عصام سلطان (بزعم منع الغنوشي من الكلام في مؤتمر القوميين، وهذا غير صحيح) قائلا إنهم إما يرون الإسلاميين خلف السجون أو خارجها بشرط التجرد التام من الحقوق الإنسانية وأهمها الحق في التعبير، فهل فعل محمود بدر الشاب القومي العربي أكثر من ممارسة حقه في التعبير؟ سؤال موجه لحماس، ومن ورائها الإخوان.