د. قيس ألنوري
عقد المؤتمر القومي العربي دورته الرابعة والعشرين في الفترة 1 و2 حزيران (يونيو) 2013، في القاهرة عاصمة مصر العروبة التي تشهد هذه الأيام صراعا مريرا محتدما بين حكام مصر الجدد وبين القوى التي ما برحت تناضل من أجل أن تبقى مصر عربية التوجه، ملتصقة بعروبتها ودورها العربي، في حين تتوالى قرارات وسلوكيات الحكام الجدد في النأي بمصر بعيدا إلى حد الاغتراب بمصر عن بيئتها القومية.. في ظل هكذا أجواء أنعقد المؤتمر، ورغم هذه الأجواء الملبدة بسحب سوداء، كان المؤتمر والمتحدثين فيه قد أصروا على هويته القومية العربية من خلال كلماتهم ومداخلاتهم (مسجلة بالصورة والصوت) ولم يحظى أي توجه خلاف هذا بأبسط التعابير، حتى أن وفد حماس عندما أغضبته كلمات معبرة أدانت علنا التوجه الرسمي المصري وقرر الانسحاب، وأنسحب فعلا مقاطعا جلسات المؤتمر، مثل انسحابهم ارتياحا واضحا من لدن المشاركين، وقد علق أحد المشاركين من القطر الجزائري الشقيق، أن انسحابهم أراحنا وريحنا من طرحهم وموقفهم الغريب على حد تعبيره..
فيما يخص قضية ومحنة العراق فقد أتاح لي المؤتمر تقديم مداخلة، لاقت استحسان الحاضرين وتصفيقهم الحار تعبيرا عن تضامنهم مع العراق وشعبه وللتوثيق أدرج نص المداخلة : (نلتقي مجددا للنغمر في هموم الأمة، نحاول أن نكتشف مستقبلنا ومستقبل الأجيال القادمة رغم السحب السوداء التي تغطي سماء العرب..
أيها الأخوة
بلدكم العراق يعيش أقسى محنة عرفها في تاريخه المعاصر، محنة تشابكت فيها كل عناصر السوء، وكلها تعمل ليس من أجل تغييبه فقط، وإنما لإعدامه..
نعم.. أن ما يجري في العراق الآن أنما هو عملية إعدام شاملة ومقصودة، إعدام لإمكاناته لغرض أخراجه نهائيا من التأثير في بيئته العربية..
لقد أدرك الصهاينة وبوقت مبكر أن مشروعهم التوسعي الاستيطاني لا يمكن أن ينمو على حساب العرب مع وجود عراق قوي مستقر، ومن هنا تحديدا يمكن فهم هذا التغول والإيغال في محاولة الإجهاز على العراق..
مع الأسف أن هذا الاستهداف قد تلاقى، من حيث الهدف، مع قوى ظلامية متخلفة كانت التوجهات الإيرانية في الطليعة منها، فبدلا من أن تكون إيران عمقا إسلاميا للعرب، تحولت إلى أداة من أدوات الدخل المتوحش والمؤذي في الشأن العراقي، فولدت أحزابا طائفية مسلحة بميليشيات تقتل على الهوية..
أيها الأخوة
أننا ندين وبشدة كل أنواع وأشكال التطرف، خاصة منه المدعوم من أنظمة كرست نفسها للمنهج الطائفي المدمر الذي يلتقي من حيث النتائج مع الأهداف الصهيونية المعادية للأمة..
أيها الأخوة
أن المقاومة العراقية الباسلة، تقاتل على أكثر من جبهة بعد أن تداخلت الخنادق، فهي تقاتل بقايا وذيول الاحتلال الأميركي البغيض ومن بينها هذا التلاقي في الأهداف الأميركية ـ الصهيونية ـ الإيرانية..
الكل كان يأمل أن تصطف إيران مع الحق العربي في الحرية والأنعتاق وليس العكس.. لكنه في نهاية الأمر لا يعدو إلا مجرد تمني، فالتوجهات الإيرانية قد انغمرت تماما في مناهضة المشروع القومي العربي، بل اصطفت مع المشروع الصهيوني في استهداف العرب وفي المقدمة منهم عراقكم الجريح)
أن من يعرف المؤتمر القومي العربي، يدرك أنه يضم شخصيات متباينة المواقف والانتماءات تمثل في حقيقتها تجميع للرؤى، يصل بعضها حد التناقض، لذلك لا نتوقع أو نأمل من المؤتمر أن يخرج ببيان ختامي أكثر مما خرج به، وهو على العموم بيان تناول القضايا العربية الساخنة ومنها قضية العراق حيث عبر عنها بفهم تلاقي الأهداف الصهيونية ـ الأميركية، رغم أنه (البيان) لم يشر إلى إيران صراحة باعتبارها شريك في الاستهداف، مستخدما تعبير (القوى الإقليمية) بدلا من التشخيص الدقيق لأسباب مفهوم ومعروفة، منها سيطرة حزب الله على الساحة اللبنانية، مقر المؤتمر.
أن الوضع المأساوي الذي تعاني منه القوى القومية العربية نتيجة الهيمنة الأميركية وأدواتها العربية عبر عن استحقاقاته من حيث التضييق على حرية التعبير، لكن هذا لا يعني أن المؤتمر القومي العربي خرج عن توجهاته العامة الملتصقة بقضايا الأمة.
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.