حسن خليل غريب
نار الثورة العراقية تشب في هشيم العملية السياسية
المالكي يقمع الثوار بعقيدة الاحتلال
ذاب ثلج التقية الأميركية والإيرانية فبان مرج العملية السياسية
المقاومة العراقية تقف من جديد وجهاً لوجه ضد الاحتلال
المشهد العراقي اليوم هو مشهد فعل المقاومة الوطنية العراقية بعد أن التفَّت جماهير غفيرة من الشعب العراقي حول مقاومته. بل هو مشهد جديد لم يحسب نوري المالكي وأتباعه من التابعين للمشروعين الأميركي والإيراني، له حساباً لأن المقاومة كانت تركِّز نضالها قبل هذه المرحلة حول (قطع رأس أفعى الاحتلال الأميركي) لأنها الأفعى الأساس التي حاولت ابتلاع العراق. وما أن كادت تسترخي لابتلاع فريستها، عجزت عن ذلك لأن رأسها أخذ يتعرض إلى ضربات شديدة لمنعها من ابتلاع فريسة طالما منَّت نفسها بحرب خاطفة ضد العراق.
في تلك المرحلة لم تضع المقاومة ثقلها من أجل إسقاط أذيال الاحتلال لأن أذيال الأفعى ستفقد تأثيرها إذا ما تعرَّض رأسها للسحق. وهذا ما حصل طوال ما يقارب السنوات العشرة. وبعد أن سحقت المقاومة رأس أفعى الاحتلال، أعدَّت عملياً لمشروع تطهير العراق من الفلول بعد أن كانت قد صاغته نظرياً منذ بداية الاحتلال، خاصة أن أصحاب (العملية السياسية) انتقلوا من حماية الاحتلال الأميركي إلى التحصن تحت خيمة الاحتلال الإيراني.
وبعد أن بلغ منسوب الاحتقان الشعبي مستواه الأعلى كانت المقاومة جاهزة لتحويل تلك الحالة إلى درجة الغليان فدرجة الانفجار فدرجة استعادة المقاومة صلاتها مع جماهيرها، وهذا شبيه بظهور المخلص لإنقاذ العراق من أكبر محنة تعرَّض لها في تاريخه الحديث. كانت نظرية المقاومة التي تعبِّر عن نظرية (خلاص الوطن) التي تجمع حولها كل الوطنيين في مواجهة الاحتلال، وفي سبيل استعادة سيادة الشعب العراقي على أرضه وقراره.
مشهد الساحة العراقية اليوم هو مشهد التفاف الشعب العراقي حول مقاومته، التي تشكل (خشبة خلاص العراق) من محنته الكبرى. لذا كانت المقاومة الشعبية الكبرى الوسيلة الأفضل للخلاص من (المحنة الكبرى). ولما اندلعت الثورة الكبرى في 25 كانون الأول من العام 2012، إنما كانت وسائلها تعتمد على الحراك الشعبي السلمي، مضافاً إليه إعلاناً للمقاومة المسلحة تتعهد فيه أنها لن تلجأ إلى السلاح إلاَّ إذا لجأت حكومة المالكي إلى قمع الحراك بالقوة، فكان إعلانها واضحاً أنها لن تقف على الحياد، بحيث لن تكون البادئة بعسكرة الثورة. وعلَّلت إعلانها بأنها ترفض أن تتحول الثورة المشروعة إلى حرب أهلية يقاتل العراقي أخاه العراقي. والتزمت المقاومة بتعهدها، على الرغم من تهديدات المالكي، واستمرت المقاومة بتعهدها إلى أن أطلقت تلك الحكومة صفارة الإنذار في فجر يوم 23 نيسان من العام 2003، بارتكابها مجزرة في بلدة الحويجة. لقد كانت فظاعة الجريمة تدل على أن المالكي يريد بها أن يزرع الرعب في نفوس المعتصمين في المحافظات الستة. ولكن انقلب السحر على الساحر بعد أن أخذت المقاومة تفي بوعودها في حماية الثورة الشعبية، وقد أعلنت معظم الفصائل والقوى والعشائر أنها ستحول دون تكرار المجزرة في مدن أخرى، لذا شهرت السلاح لحماية الشعب، ولكن على أن لا تكون العسكرة حلاً وحيداً، بل راحت تستخدم السلاح أينما اقتضى الأمر ذلك.
أولاً: المقاومة العراقية بين العسكرة والحراك السلمي
عادة ما يكون الحراك الشعبي السلمي وسيلة رئيسية وضرورية في مواجهة الأنظمة التي تتجاهل مصالح المواطنين، ونادراً ما يكون الصدام المسلح من الوسائل المشروعة في المواجهة بين النظام والشعب، لأن الأجهزة الأمنية للنظام هي من أبناء هذا الشعب، ويُعتبر الصدام المسلح معها بمثابة الاقتتال بين أبناء الوطن الواحد، وهو ما تصح عليه تسمية (الحرب الأهلية). ولكون النظام السياسي قد انقلب على وظيفته الأساسية، وهي المحافظة على مصالح المواطنين، فلن يهتم بالتضحية بأرواح أفراد الأجهزة الأمنية، كما أرواح المواطنين، لذا تصب الحرب الأهلية غالباً لمصلحة النخب التي يمثلها النظام.
ولذا يشكل الاستمرار في الحراك الشعبي السلمي الوسيلة الأساسية لأنه سيأتي يوم تنتفض فيه المؤسسات الأمنية ضد أوامر النظام السياسي، عندما يصر النظام على استخدام وسيلة السلاح في قمع أي حراك سلمي، فمع استمرار الصراع ستنحاز قواعد المؤسسة الأمنية للشعب، لأن تلك القاعدة هي أساساً من رحم الشعب وهي من الطبقات المتضررة من عسف النظام وتجاهله لمصالح المواطنين.
فهل يصح هذا القول كلياً على ما يجري في العراق اليوم؟
ليست المواجهة في العراق اليوم شبيهة بما يجري بين شعب وحكم وطني ولكنه ديكتاتوري فاسد، أي حراك شعبي يطالب بإصلاحات مطلبية فحسب، بل هي أيضاً، قبل أي شيء آخر، مواجهة بين شعب وحكم وريث للاحتلال والاحتلال هو من صنعه، فإسقاطه إذن هو إسقاط للاحتلال. والمواجهة ليست ضد مؤسسات عسكرية وأمنية تلعب دوراً فنياً تحركه أهداف المحافظة على أمن الوطن والمواطن، بل بُنيت هذه المؤسسات من أجل حماية الحكومة المنصَّبَة من قبل الاحتلال، وبالتالي يشكِّل بقاؤها حماية للاحتلال ومصالح الاحتلال. لذا تُعتبر المواجهة معها إذا أصرَّت على مواجهة الحراك الشعبي السلمي بقوة السلاح، شبيهة بالمواجهة مع قوات الاحتلال. وإذا عرفنا هيكلية هذه الأجهزة لزال العجب من الدعوة لمواجهتها بقوة السلاح.
تتألف المؤسسات العسكرية والأمنية العراقية اليوم من جيش حكومي وشرطة حكومية تنتسب الأكثرية فيها إلى تلك المؤسسات بسبب ضرورة العيش. أما الأجهزة الأمنية، من مخابرات ذات وظيفة داخلية أو خارجية، فقد تم تشكيلها على عقيدة الاحتلال وعملائه وهدفها الوحيد ضمان أمن العملية السياسية التي بنيت بالكامل على أسس الولاء للاحتلال. لذا كان من الواجب التمييز بين مؤسسات الجيش والشرطة الحكومية وبين أجهوة الأمن والمخابرات. ولكن ولكي لا تقع عملية الاحتلال السياسية في مطب استخدام الجيش والشرطة الحكومية ضد أي حراك شعبي، قد يؤدي هذا الاستخدام إلى انشقاقات في تلك المؤسسات، فقد ابتكرت قوات الاحتلال مؤسسات بديلة تتلطى تحت خيمة الأجهزة الرسمية، وقد اختصرها بجهازين تم انتخاب المنتسبين إليهما بمواصفات لا تمت إلى الشرعية الأخلاقية والوطنية بأية صلة، يتم تكليفهما بمهمات أطلق عليها الاحتلال اسم (المهمات القذرة). فكانت قوات (سوات)، والشرطة الاتحادية من أهم تلك المؤسسات. وهي القوات المرتبطة مباشرة بنوري المالكي، كونه القائد العام للقوات المسلحة وفقاً للدستور المسخ.
لقد سُلِّطت الأضواء على قوات سوات بعد الكشف عن تكليفها بقمع اعتصام (الحويجة)، بتاريخ 23/ 4/ 2013، والتي راح ضحيتها 125 شهيداً، وأكثر من 400 جريحاً. فما هي قوات سوات؟
1-قوات (سوات)، قوات المهمات القذرة، وعقيدتها أميركية إيرانية:
نقلاً عن عماد الدين الجبوري ــ لندن، جاء ما يلي: بعد دخول القوات الأمريكية إلى بغداد في 9»4»2003، أنشأت قوة عسكرية خاصة بها، بدأت بأقل من ألفي عنصر موالين للمحتل وتساعده في عمليات القمع داخل المناطق الساخنة. وكان زيها ولثامها الأسود وتدريبها وتسليحها لتأدية تلك المهمات الشنيعة بحق أبناء بلدهم من العراقيين. ونظراً لذلك كان الأمريكان يسمونها أيضاً بـ(القوات القذرة). ثم تكاثر عددها في السنتين الأوليين حتى تجاوز الأربعة آلاف عنصر، مدججين بأحدث أنواع الأسلحة الأمريكية المتطورة، ومنها الناظور الليلي. فضلاً على الآليات والعجلات نوع همر وغيرها. وفي العام 2006، لاتفاق لم توضح أسبابه، أجازت قوات الاحتلال الأمريكي لرئيس حكومة الاحتلال الرابعة نوري المالكي أن يصدر بعض الأوامر إلى قوات سوات. وفي العام التالي تم إلحاقها نهائياً بمكتب المالكي. ورغم أن تدريبها وتسليحها يقع على عاتق وزارة الدفاع، لكنها تابعة إلى قانون وزارة الداخلية.
وما أن أصبحت قوات سوات تابعة لمكتب المالكي، حتى تضاعف عددها إلى خمسة عشر ألف عنصر، معظمهم يتم اختيارهم من مناطق محددة في الجنوب والوسط ومن طائفة معينة، وينتشرون في بضع محافظات بغداد، البصرة، نينوى، كركوك، بابل وغيرها. ولقد وصلت ميزانيتهم السنوية إلى مستوى ميزانية وزارة الدفاع العراقية. وأعلى من ميزانية وزارة الداخلية التي ينتمون إليها شكلياً، ولا وجود لهم على صفحات موقع الوزارة الرسمي من حيث سرد المعلومات المتعلقة بمهام أعمالهم وترتيب تشكيلاتهم الخ. ولا احد يأمرهم بالتنفيذ العملي غير المالكي عبر قائد هذه القوات الفريق فاروق الأعرجي المقيم في مطار المثنى، مركز حزب الدعوة في بغداد. كما ولا توجد أي جهة رسمية أمنية أو عسكرية تستطيع محاسبة أو مراقبة جنود وضباط قوات سوات.
هذا ومن بين سلسلة العمليات الكثيرة التي اشتركت فيها قوات سوات هي معركة الفلوجة الأولى، ومعركة النجف في العام 2004، وصولة الفرسان في البصرة 2009، واقتحامهم لكنيسة النجاة في منطقة الكرادة بالعاصمة بغداد عام 2010، وصولاً إلى مجزرة الحويجة الآنفة الذكر. ناهيك عن تدخلاتها الشتى في القضايا والأمور التي تقررها السلطة تجاه خصومها السياسيين في الإقصاء أو الاعتقال أو ترويع المواطنين في المداهمات الليلية، وغيرها من السلبيات.
على أي حال، من الناحيتين القانونية والدستورية لا تمتلك قوات سوات أي غطاء يبرر لها أعمالها الميدانية. وليست لها أصولها الواقعية في العملية السياسية القائمة على المحاصصة أصلاً.
ويشير عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية شوان محمد طه إلى أن هذه القوات لم تراع التوازن الوطني في تشكيلها وتقتصر على الشيعة ولا يوجد أي عنصر فيها من الكرد أو السنة . وأوضح أن قوات سوات خارج الغطاء القانوني.
أما عضو مجلس النواب مها الدوري، عن كتلة الأحرار التابعة للتيار الصدري، فقد كشفت أن هنالك معلومات تشير إلى وجود قواعد أمريكية في مطار بغداد تدرب قوات سوات التي استخدمت القوة بشكل مفرط في ساحة الحويجة وقامت بضرب المتظاهرين بالذخيرة الحية .
اما قائمة متحدون فقد أصدرت بياناً يوم الجمعة الموافق 26»4»2013 جاء فيه إن العمليات العسكرية التي قامت بها هذه القوات سيئة الصيت والتي أنشأها الاحتلال الأمريكي وتلقت تدريباتها في معسكراته على عقيدة المحتل، أثبتت أنها لم تكن إلاَّ ضد أبناء الشعب العراقي، ولم تتورع عن أعمال القتل المروع تجاه العراقيين وبدم بارد. وطالب البيان بإلغاء قوات. وطالب اللجان التحقيقية بتقديم قادتها للمحاكم المختصة عن جرائم القتل المتعمد وغير القانوني التي قامت بها.
2-الشرطة الاتحادية خليط من الميليشيات التي تخدم أحزابها الطائفية
نقلاً عن عماد الدين جبوري/ لندن: تم تأسيس الشرطة الاتحادية، في العام 2004، من قوتين منفصلتين. الأولى هي قوات مغاوير الشرطة تابعة لمكتب المستشار الأمني لوزير الداخلية. والأخرى تسمى قوات حفظ النظام تابعة لمديرية العمليات. وبعد فترة ارتبطت هاتان القوتان تحت قيادة واحدة هي قيادة القوات الخاصة . ثم تغير اسمها لاحقاً إلى قيادة الشرطة الوطنية . ويبدو أن الاسم الأخير جاء للتغطية على كثافة الدمج للعناصر المليشية في هذه القوات، والتي كانت ومازالت تعمل لخدمة أحزابها الطائفية.
الواقع أن الشرطة الاتحادية تمثل ثقلاً آخر من بين قوى وزارة الداخلية. فهي القوة الضاربة التي يرتدي أفرادها واقية الرصاص ويشتركون مع قوات سوات في العمليات التي يستوجب حضورها معهم. فالتدريب والتجهيز والتسليح يجعلها قوة إسناد كبيرة إلى قوات سوات. فضلاً عن العقلية والعقيدة الميليشاوية التي يشتركون فيها في الخدمة والولاء لأحزاب السلطة الحاكمة من حزب الدعوة ومنظمة بدر والمجلس الأعلى وغيرهم.
3-عمليات فصائل المقاومة تطال المجرمين في تلك المؤسسات
وعلى الرغم من ذلك، أعلنت المقاومة أنه لا يجوز إراقة الدم العراقي، وان المجابهة يجب أن تقتصر فقط على الأفراد العسكريين الذين:
-ارتكبوا جرائم القتل بحق المواطنين العراقيين، أو ممن ينفذون الأوامر بالقتل.
-الذين يصرون على قمع المواطنين أو تهديد أمن المقاومين.
لذا كانت مجزرة الحويجة حداً عملياً فاصلاً بين عسكرة الثورة وسلميتها، خاصة أن جلاوزة المالكي أعلنوا أن مجزرة الحويجة ستكون البداية لعمليات أخرى لإنهاء ساحات الاعتصام.
وإذا علمنا أن حكومة المالكي تكلف قوات سوات للقيام بالمجازر، وقوات سوات ذات عقيدة ميليشاوية أميركية وإيرانية، لأصبح من الواضح أنها ستكون المُستَهدَف الأول لسلاح المقاومة.
ثانياً: حكومة المالكي: تطبيق عقيدة الاحتلال في مواجهة الثورة الشعبية
1-مداهمات واعتقال وإغتيال تتماثل مع عقيدة الاحتلال
حكومة المالكي عاجزة عن معالجة الوضع الخدماتي للعراقيين لأنها بالأساس وكيلة حصرية للاحتلال المركَّب، أميركياً وإيرانياً. ومن كانت وظيفته الإذعان لأوامر أسياده وتنفيذ أجنداتهم، سيقوم بتطبيق عقائدهم الموضوعة لخدمة مصالحهم ولو كانت على حساب العراق.
فعلى الصعيد الخدماتي فقد أكدت التقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية والإنسانية مدى تغلغل الفساد والجريمة المنظمة في عراق ما تحت الاحتلال أصالة وما تحت حكم عملائه وكالة. وأصبح غني عن البرهان أن المطالبة بالإصلاح ليست أكثر من محاولات عبثية. فمصالح الآخرين، أميركيين وإيرانيين، لا يمكن أن تسير على خطٍّ متواز، بل لا بدَّ من أن تتغلب مصلحة الآخرين على مصالح الشعب العراقي.
أما على صعيد وسائل مواجهة الثورة الشعبية من قبل حكومة المالكي فهي مستندة إلى سياسة الإرهاب والترويع، كعقيدة (ديموقراطية) للرأسمالية الأميركية، وهي السياسة التي استخدمتها قوات الاحتلال الأميركي فور دخولها للعراق. فاستخدمت وسائل (الصدمة والترويع) في معارك الاحتلال، وأعدت وسائل (الإرهاب والترويع) لتطويع إرادة المقاومة في نفوس العراقيين. وعندما أذعنت قوات الاحتلال وأعلنت هزيمتها مُرغَمة، كانت قد أعدَّت مؤسسات أمنية لها العقيدة نفسها القائمة على أسلوب (الإرهاب والترويع)، وهكذا وُلِدت (قوات سوات) على مقاييس تلك العقيدة، ولإضفاء شرعية (حكومية) على أعمالها، تم تشكيل قوات (الشرطة الفيدرالية) لمشاركة (قوات سوات) في عملياتها.
لم يكن أمن المواطن هو الذي برَّر إنشاء مؤسسات أمنية بعيدة عن أطر الرقابة والمساءلة، بل كانت وظيفتها المحافظة على أمن (العملية السياسية)، وذلك بملاحقة كل مقاوم للاحتلال وأدواته، ولهذا تكاثرت عمليات المداهمات والاعتقالات والتهجير والاغتيالات، ولم تهدأ في أي وقت، ولكن اشتدَّت بشكل واسع بعد أن بدأت الثورة الشعبية، وكانت تزداد وتيرة القمع كلما كانت وتائر الثورة تتصاعد.
لن يشكِّك أحد بواقع أن المؤسسات الأمنية التابعة لـ(حكومة العمالة)، حتى لو كانت تتشكل من عراقيين، فهي تأتمر بأوامر الاحتلال وتنفذها، فهي عراقية بالشكل وتتساوى مع وجود الاحتلال بالجوهر والمضمون، ومواجهتها بالسلاح حق من حقوق المقاومة طالما ظلت تنفِّذ عقيدة الاحتلال.
2-أهداف التفجيرات تعميق الشرخ الاجتماعي بين مكونات الشعب العراقي:
كل تفجير ينال من التجمعات الشعبية هو تفجير مشبوه، خاصة التفجيرات المتنقلة بين مختلف المناطق المتمايزة طائفياً، بحيث يطال أذاها كل أطياف العراقيين، بما يوحي، أو يؤكد بأن تلك التفجيرات تحمل (صواعق التقسيم والتفتيت والفيدرالية).
فليس من عقيدة المقاومة أن تعمل على تعميق الشروخ الطائفية ولا الإثنية لأنها قاتلت الاحتلال، وتقاتل الآن عملاءه، لهدف واحد ثابت هو استعادة وحدة العراق. وليس من المنطقي أن من كانت عقيدته الوحدة يعمل من أجل التفتيت. ولأن التفجيرات متنقلة بين الأطياف الإثنية والطائفية، هدفها التفتيت، إذ من بذل الغالي والنفيس من أجل إقرار دستور يشرِّع الأقاليم على قواعد طائفية وإثنية هو المستفيد من تلك التفجيرات.
ولهذا أشار بيان قيادة قطر العراق، في 20/ 5/ 2013، إلى خطورة هذه الظاهرة، وقال إن (استمرار التفجيرات الإجرامية وتعبيرها الصارخ (لدليل على) إيغال حكومة المالكي العميلة وميليشياتها الإرهابية في سفك دماء أبناء شعبنا وفي مناطق محددة هنا وهناك في بغداد والمحافظات الأخرى وعلى النحو الذي يسعى إلى تأجيج الفتنة الطائفية البغيضة والاقتتال الطائفي المقيت).
3-عمليات التطهير الطائفي والاغتيال تجري على قدم وساق في بغداد:
إلى جانب قوات الشرطة الحكومية تتحرك مجاميع ميليشاوية من القوات الأمنية والمخابراتية الخاصة التي تعمل تحت إشراف من امتهنوا عقيدة الاحتلال المركب، الأميركي – الإيراني، بتعميق الشرخ الطائفي بحيث ترغم عائلات من طيف محدد للهجرة خارج مناطقهم، ظناً من حكومة المالكي أنها تضمن الأمن في تلك المناطق وتضمن إذعان سكانها للوضع الشاذ القائم. وهي غالباً ما تستخدم أسلوب الاغتيال والملاحقات والتشدد بالمراقبة.
4-شعار إقليم الوسط من بعض المحسوبين على الثورة دعوة مشبوهة:
لقد راهنت بعض الأنظمة العربية، في مواجهتها الخطر الإيراني، على تأسيس إقليم (سني) لإحداث التوازن الطائفي في العراق. وهذه الأنظمة لا تدري أنها بمثل مراهنتها إنما تحفر قبر وحدة أقطارها بيديها. فمواجهة الخطر الإيراني لن يكون بأقل من إقفال (البوابة الشرقية) في وجه الزحف الإيراني، ولن تكون هذه البوابة قادرة على صدِّ الخطر الإيراني إذا لم يكن العراق موحداً. وهذا الأمر يحتاج إلى مساندة مشروع المقاومة العراقية القائم على أهداف (وحدة العراق وعروبته).
وإذا كانت بعض تلك الأنظمة مترددة بسبب خوفها من عقوبات أميركية إذا ما قامت بتقديم دعم للمقاومة العراقية، فليعلموا أن الأميركيين هم في حالة تصالح مع الإيرانيين على الساحة العراقية، فاستمرار وجودهما على أرض العراق مرهون بعقد تسوية دائمة بينهما. وهذا ما هو حاصل الآن، كما كان قبل الآن. فالواحد منهما هو أضعف من أن يستطيع الإمساك بالساحة العراقية.
ولقد حذَّر الناطق الرسمي باسم حزب البعث العربي الاشتراكي، في أواسط أيار 2013، من خطورة الدعوة للإقليم (السني)، قائلاً: (إن الدعوة للأقاليم والترويج لها هي مشروع أمريكي ـ صهيوني ـ صفوي لتقسيم العراق… ودعاة الأقاليم اليوم في العراق هم ممن استقبل قوات الاحتلال بالأحضان ورقصوا لها وتعاونوا معها وروّجوا لمشاريع الاحتلال… وهم يعلمون إن الأقاليم هي تقسيم العراق لكنهم متحمسون لتنفيذ هذا المشروع الخطير على العراق وعلى الأمة… وهو خدمة للقوى الكبرى وإيران وهم يساهمون بشكل واضح لإثارة الطائفية في العراق… وهذه التيارات السياسية الدينية معروفة… لذا ندعو العراقيين جميعاً للوقوف ضد هذه الدعوات التي تخدم الأجنبي وتعرّض العراق للفتنة وتسعى إلى تشرذمه وتفتيته من خلال زرع الفتنة والعداء ..).
وكذلك حذَّرت هيئة علماء المسلمين في العراق، بتاريخ 3/ 5/ 2013، من الدعوة لقيام إقليم آخر في العراق، لأن (الأقلمة أو الفدرلة، وحقيقتها التفريط بالقضية العراقية).
وكذلك فعل جيش الطريقة النقشبندية، في بيانه بتاريخ 6/ 5/ 2013: لأن هذه الدعوة (تمثل الخطوة الأولى لتقسيم العراق الذي هو من أهم أهداف الاحتلال).
ثالثاً: تحذير أميركي – إيراني للثورة العراقية
ذاب ثلج التقية الأميركية والإيرانية فبان مرج (العملية السياسية)
غني عن البيان أن الاحتلال الأميركي لم يكن لينجح من دون المرور بـ(البوابة الإيرانية)، والآن لن تبقى البوابة الإيرانية مشرَّعة من دون التنسيق وتوفيق المصالح مع أميركا.
وغني عن البيان أن نيران الثورة العراقية التي تشبُّ الآن في هشيم (العملية السياسية) زرعت القلق في نفوس الإدارتين الأميركية والإيرانية، الأمر الذي يبرهن على أن الإدارتين وإن افترقتا بالمواقف في ساحات عربية أخرى، فإنهما متفقتان تماماً بالمواقف ضد الثورة العراقية.
1-عن ثلج التقية الأميركية، وعن الدكتور خضير المرشدي، قال: جاء في بيان الرئيس الأمريكي (أوباما) قبل عدة أيام، والذي عبر فيه عن المخاوف الأمريكية من أن عدم إعمار العراق ، وعدم إرساء السلام والاستقرار فيه ، يشكل تهديدا (استثنائيا) !!! للأمن القومي الأمريكي ، وللسياسة الخارجية الأمريكية !!! مما يستوجب إعلان حالة الطوارئ ، بل تمديد حالة الطوارئ القائمة منذ ٢٠٠٣ ، هناك (ويقصد العراق ) لمدة سنة ؟؟ لإحلال الاستقرار فيه !!! ولحماية الأمن القومي الأمريكي!!
2-وعن ثلج التقية الإيرانية، وعن عماد الدين الجبوري، نقلاً عن جريدة أخبار روز الإيرانية: صرح العميد ناصر شعباني بعد ثلاثة أيام من مجزرة الحويجة. فقال بكل وضوح إن الحرس الثوري الإيراني نفذ أول عملية أمنية له في العراق بالاشتراك مع الجيش العراقي. وأضاف أن هذه العملية لن تكون الأخيرة. بل إنها بداية لتعاون امني عسكري إيراني عراقي .
وماذا نقرأ من جديد في هذه التصريحات؟
نرى أنه لا جديد فيها، بل جاءت لتؤكد ما تعلن عنه المقاومة العراقية من أن أوباما عندما اتخذ قراره بترك العراق لأهله لم يكن صادقاً، بل كان يمارس التقية والخداع، لأنه عندما سحب القسم الأكبر من قواته منذ سنتين كان ما يزال يمارس عقيدة اليمين الأميركي المتطرف الذي أمر باحتلال العراق ليس ليخرج منه، بل ليحكم السيطرة عليه بواجهات من عملائه، وكان آخرهم حكومة نوري المالكي. وهو بسحب قواته القتالية ظلَّ يراهن على أن وجوده سيكون مدعوماً بعاملين اثنين، وهما:
-أن تقوم حكومة المالكي بتنفيذ مضمون الاتفاقيات الاقتصادية والأمنية والعسكرية التي وقَّعها مع الأميركيين. على أن تحتفظ الولايات المتحدة الأميركية بقواعد عسكرية لتحمي ما تبقى لها من وجود ديبلوماسي وسياسي واقتصادي.
-ضمانة بقاء إيران في العراق يعني له أن مشروع تقسيم العراق والهيمنة على قراره السياسي سيبقى ثابتاً.
أما بالنسبة للنظام الإيراني فقد استغل فرصة دخوله للعراق تحت مظلة الاحتلال الأميركي، ولن تتاح له هذه الفرصة مرة ثانية إذا خرج الآن. وهو، كما الأميركيين، عقد اتفاقيات عسكرية أمنية مع حكومة الاحتلال المالكية. وبتلك الاتفاقيات يحمي الطرفان أحدهما الآخر. إذ يوفِّر النظام الإيراني الحماية الأمنية والعسكرية والسياسية لحكومة المالكي، وهذه بدورها تحمي الوجود الإيراني في العراق بكل ما فيه من فساد ونهب وسرقات لثروات العراقيين، هذا ناهيك عن أن النظام المذكور طالما ظل ممسكاً بالعراق سيؤهله هذا الإمساك لفرض دور وتأثير كبيرين له في الوطن العربي والإقليم المجاور للأمة العربية.
وبهذين الإعلانين، الأميركي والإيراني، لن يبقى شك لدى أي كان إلاَّ من كان لا يريد أن يرى، أن الاحتلال المركب سيقوم بأدوار مباشرة في مواجهة الثورة العراقية.
رابعاً: المقاومة العراقية في مواجهة مباشرة من جديد مع الاحتلال الأميركي والإيراني:
1-مواجهة التدخل الأميركي الآن يمر عبر إضعاف التدخل الإيراني:
مع الأخذ بعين الاعتبار كل هذه الوقائع تدرك المقاومة العراقية حجم المسؤولية التاريخية التي تقع على عاتقها في هذه المرحلة. وندرك نحن حجم هذه المسؤولية إذا ما عدَّدنا عناوينها الكبرى، التي من أهمها:
-مواجهة مباشرة مع النظام الإيراني.
-وإعادة مواجهة مباشرة وجديدة مع الولايات المتحدة الأميركية.
-مواجهة كل التجمعات العراقية العاملة في خدمة هذين المشروعين من ميليشيات وأحزاب ميليشاوية، وأجهزة أمنية وعسكرية عامة وخاصة.
-هذا ناهيك عن غياب الدعم العربي الشعبي والرسمي، هذا الغياب موجود على الرغم من إدراك العرب حجم الخطورة التي يشكلها استمرار الوجود الإيراني على كتف دول الخليج العربي وممالكه وإماراته، إذ تبقى البوابة الشرقية مشرَّعة أمام الغزو الإيراني للتدخل في كل شاردة وواردة في شؤون تلك الإمارات والممالك. وتزداد خطورة تشريع تلك البوابة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار مدى تأثيرها في البوابة الغربية للوطن العربي. والوصول إلى البوابة الغربية بفعالية يتم عبر البوابة الشرقية.
فلكل المراهنين على منع تأثير النظام الإيراني في شؤون الوطن العربي إنما عليهم أن يساعدوا في طرد إيران من العراق أولاً، لأن طرده من بوابات أخرى غير العراق لن يؤدي إلى نتائج ذات قيمة وتأثير طالما ظل هذا الوجود قوياً في العراق، فخاصرة الوطن العربي الرخوة هي البوابة الشرقية التي إذا ما أٌقفلت سيدب الضعف في كل مفاصل التأثير الإيراني في العراق وفي غير العراق.
2-عوامل القوة في مشروع المقاومة العراقية:
ليست الصورة سوداء في وجه المقاومة على الرغم من الحجم الكبير للتحالف الذي يواجهها، وأما السبب فلأن هذا التحالف كان أكبر منذ بداية الاحتلال حتى تاريخ هزيمة الاحتلال الأميركي. فعقيدة المقاومة والتحرير والثأر للكرامة الوطنية واستعادة السيادة على القرار الوطني والأرض والثروات لم تتغير عند المقاومة بل زاد منسوبها بعد إنجاز الحلقات الأهم منها.
وإذا علمنا أن المقاومة العراقية كانت كالأيتام على موائد اللئام من أنظمة أجنبية وإقليمية وعربية، وما كان أكثرهم، ولكنها استمرت وحققت النصر، فأنها كانت تعتمد على إمكانياتها الذاتية، وإيمانها بالنصر. ولم يتغير شيء من العوائق التي كانت تواجهها حينذاك، ولكنها في هذه المرحلة حازت على عاملين إيجابيين كانا شبه غائبين في السنوات العشر التي مرت من عمر الاحتلال، أحدهما عربي والثاني داخلي عراقي:
أ-العامل العربي ظهر في مدى الخوف الذي بدأت معالمه تنتشر وتتسع من خطورة المد الإيراني والعنجهية الإيرانية التي راحت تتصرف وكأنها مالكة لقرار المنطقة، إقليمياً وعربياً.
بـ-وأما العامل الداخلي العراقي فيتمثل بمظهرين، وهما:
-تآكل العملية السياسية من داخلها، فالأطراف المشاركة فيها تتشظى كل يوم أكثر من اليوم الذي يسبقه.
-التفاف شعبي واسع ظهر زخمه الكبير في المحافظات الستة من جهة، ومعالم الاحتقان في المحافظات الأخرى التي تتنامى وتنتظر الانفجار الكبير من جهة أخرى.
ويكفي من أجل إثبات مدى تلاحم الشعب العراقي مع المقاومة أن نعيد قول ما يقوله المالكي وزمرته الحاكمة: إن الشعارات التي يرفعها المعتصمون هي (شعارات بعثية).
وأخيراً، نشد على أيادي أبناء العراق الذين يقفون الآن في خندق إسقاط العملية السياسية بصمود وإصرار، كما نناشد من كاد الاحتقان يفجرهم أن يتفجروا كالبركان الآن وأن لا يتأخروا، فلن تُتاح للعراقيين فرصة أكثر أهمية من هذه الفرصة في الوقت القريب.