أحمد العريض
من لا يعرف قراقوش هو بهاء الدين قراقوش خادم صلاح الدين الأيوبي، وقد ولاه على بعض الأمصار… وقد أتوا لقراقوش بحدّاد وينعل حوافر الفرس في مسألة، فحكم عليه بالشنق، فقال له مستشاروه إن شنقته انقطعت عنه ولن تجد من ينعل لك فرسك، فنظر قراقوش قبالة بابه لرجل قفّاص (أي صانع أقفاص)، فقال: ليس لنا بهذا القفّاص حاجة، فأتوا به فقال: اشنقوا القفاص وسيبوا الركبدار الحداد الذي ينعل لنا الفرس. فخسرت المدينة قفّاصها فهامت الدجاج والديكة بلا أقفاص.
والأحداث المؤلمة التي مرت على البحرين خلال السنتين الماضيتين، أظهرت إلى إدارة مجمع السلمانية الطبي وخصوصاً الجهاز التمريضي والإداري للأسف، رؤساء قراقوشيين، مارسوا الإدارة بأسلوب قراقوش، فقد فوجئنا نحن الأطباء الاستشاريين ورؤساء الأقسام في الأجنحة المختلفة والبرامج العلاجية، بقرار تدوير وإبعاد الممرضين المؤهلين وذوي الخبرة بحجة التعليم المستمر وتنمية الخبرات لدى هؤلاء المبعدين عن دوائرهم. وعليكم أن تتصوّروا أن رئيس أو نائب رئيس تمريض وصلت بعض أعمارهم فوق الخمسين ويعملون كطاقمٍ متكاملٍ في غرف العمليات أو وحدة العناية القصوى لأمراض القلب أو أمراض السرطان أو غرف الإنعاش في العناية المركزية أو في مراكز الديلزه (البريتونية أو الدموية)، ماذا سيستفيد هؤلاء من التدوير والإقصاء لأعمال أخرى، وعند تحويلهم إلى مستشفى كبار السن العجزة في المحرق أو مستشفى الأمراض النفسية أو مركز كانو للعناية بمرضى السكلر؟ فكل هذه المراكز والمستشفيات لها طواقم متخصصة للعناية بهذه الأمراض والمرضى، ولكن خسارة المرضى والجراحين والاستشاريين في بقية الأقسام وخصوصاً غرف العمليات ومراكز الديلزة ووحدة العناية القصوى ستكون خسارةً كارثيةً. وهو ما دعانا للاعتراض على مثل هذه القرارات وإرسالنا عدة مذكرات احتجاجاً على هذا النقل المتعسف للطواقم التمريضية… ولكن دون جواب.
لقد أضرت مثل هذه القرارات ضرراً شديداً، في عملنا كأطباء في هذه المراكز المختلفة في مجمع السلمانية الطبي… ونتج عنه تدني الخدمات الصحية والتمريضية خاصة للمرضى، ما نتج عنه عزوف المرضى عن تلقي العلاج في مجمع السلمانية والتوجه للعلاج في المستشفيات الخاصة.
إن تدنّي الخدمات الطبية المختلفة في مجمع السلمانية الطبي هو نتيجةٌ طبيعيةٌ لتطبيق سياسة التدوير والإبعاد للطواقم التمريضية ذات الخبرة في مجالات العلاج المختلفة.
كذلك فإن نقل هؤلاء العاملين الصحيين إلى مواقعهم الجديدة لن يضيف أي تطوير لها. ولن يقدّم أي جديد أو تطور في العمل المنوط به تقديمه. وتدوير وإبعاد هؤلاء الممرضين والعاملين الصحيين المتخصصين من أماكن عملهم مورس فقط كأسلوب عقاب لمجرد ممارستهم حقّهم الدستوري في التعبير عن الرأي، وهذه هي المرة الأولى في تاريخ الطب في البحرين يُستخدم هذا الأسلوب القراقوشي في معالجة الأمور.
إني أناشد سعادة وكيل الوزارة عائشة بوعنق، وكذلك الوكيل المساعد للمستشفيات أمين الساعاتي، ورئيس الأطباء في مجمع السلمانية الطبي محمد أمين العوضي… وهم أطباء عملوا سابقاً ويعملون حالياً ويعلمون قيمة التخصص والخبرة لهؤلاء كل في مجال تخصصه… أناشدهم بتصحيح هذا الوضع وإرجاع هؤلاء الممرّضين كل في تخصصه ليتمكنوا من تقديم خدماتهم وخبراتهم في النهوض بالخدمات التي يقدّمها مجمع السلمانية الطبي.
وكلنا أمل بحكمة القائمين على إدارة هذا الصرح الحضاري الصحي الذي ساهم في النهوض بتقديم خدماته أجيالٌ من الوزراء والوكلاء والوكلاء المساعدين والأطباء وهيئات تمريضية وعاملين صحيين خلال العقود الماضية… والدعوة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
أما من يستحق الإبعاد والتدوير يا سعادة الوزير، فهم هؤلاء المسئولون الذين اتخذوا مثل هذه القرارات القراقوشية، التي أضعفت بذلك تقديم الخدمات الصحية في جميع مفاصل وزارة الصحة.
وختاما،ً هل إبعاد الكوادر الطبية المتخصصة هو في صالح السياسة التي يسعى لها سعادة الوزير أو الوكيل والوكلاء المساعدون لإنجاح برنامج زراعة الأعضاء حيث استبعد الطبيب الذي باشر بإنجاح هذا المشروع منذ عام 2000 وهو الطبيب الاستشاري الذي أجرى أول عملية زراعة كلى من متوفى دماغياً في البحرين والطبيب الذي بدأ التنسيق مع المركز السعودي لزراعة الأعضاء في تبادل الأعضاء من المتوفين دماغياً في دول مجلس التعاون الخليجي.
هذا الطبيب أبعد عن حضور الاجتماع الأخير والذي جرى في مجمع السلمانية الطبي مع فريق زراعة الأعضاء في مستشفى الملك فهد والذي عقد أخيراً في مجمع السلمانية الطبي بتاريخ 16 مايو 2013 وهو حكم قراقوشن آخر لمن يهمه الأمر.