محامون: توصيات «تقصي الحقائق» بإسقاط التهم المتعلقة بحرية التعبير لم تنفذ
قال محامون لـ «الوسط» إن «توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق فيما يخص إسقاط الاتهامات المتعلقة بحرية الرأي والتعبير، لم تنفذ بعدُ على أرض الواقع»، مشيرين إلى أن «الاعتقالات والأحكام التي تصدر تبرهن على تحريك دعاوى قضائية تتداخل مع حرية الرأي والتعبير».
وكانت اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق أوصت في فقرتها (1291) بإلغاء الأحكام والعقوبات التي صدرت في حق جميع الأشخاص الذين اتهموا بارتكاب جرائم ذات صلة بالتعبير السياسي، ولا تنطوي على الدعوى إلى العنف، أو بحسب الحالة، بمراجعة الأحكام الصادرة ضدهم، وبإسقاط التهم الموجهة اليهم أو تخفيفها بحسب الحالة.
من جانبها، قالت المحامية جليلة السيد: «بحسب فهمنا لحرية الرأي والتعبير؛ نرى بكل وضوح أن العشرات أو المئات من المعتقلين حاليّاً، هم معتقلو رأي، وعلى رأسهم الشخصيات السياسية المعارضة، ورئيس جمعية المعلمين مهدي أبو ديب والناشط الحقوقي نبيل رجب، إلى جانب جميع من تتم محاكمتهم لمجرد المشاركة في مسيرات سلمية للتعبير عن رأيهم أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي في المسائل المتعلقة بالشأن العام ذات الطابع السياسي أو الحقوقي، وهو تصنيف المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان».
وفيما يخص الاتهامات التي تدخل في إطار حرية الرأي والتعبير، أوضحت السيد أن «تلك التُّهم تتمثل في الترويج لقلب نظام الحكم أو المشاركة في تجمهرات غير مصرح بها، واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي للنيل من الذات الملكية، وفي تقديرنا؛ أن جميع تلك القضايا لم يتم فيها توفير الحماية لحقوق الموقوفين، وعلى رغم ذلك صدرت أحكام تصل إلى السجن المؤبد كما في قضية مجموعة 21، في الوقت الذي لم يتم فيه التحقيق في شكوى التعذيب المرتكب بحقهم، والذي على أساسه تم انتزاع الاعترافات عنوة منهم وتمت إدانتهم عليها، وحتى هذا اليوم لم يصل إلى علمنا اتخاذ اية إجراءات جادة تلتزم المعايير الدولية للتحقيق في شكاوى التعذيب التي تقدموا بها، وخاصة أن لجنة تقصي الحقائق أكدت في توصياتها ضرورة تولي التحقيق جهة محايدة ومستقلة».
وردّاً على سؤال بشأن توصيات لجنة تقصي الحقائق المتعلقة بإسقاط الاتهامات الخاصة بحرية الرأي، أشارت السيد إلى أن «تلك التوصيات لم تطبق على أرض الواقع، بدليل أنه تمت ادانة اطباء بتهمة المشاركة في مسيرات غير مخطر عنها، على رغم تبرئة أطباء آخرين من التهمة ذاتها بسبب مشاركتهم في المسيرة ذاتها، ولم يثبت في أي وقت أن تلك المسيرة اقترنت بأي نشاط عنيف أو ترتب عليها أي إخلال بالأمن أو المساس بالأموال الخاصة أو العامة، وهذا مجرد مثال».
الى ذلك، ذكر المحامي سيد محسن العلوي «إن هناك قضايا استجدت، وتم اسناد تهم وفقاً لنص المادة (179) من قانون العقوبات التي تعاقب الشخص على نيته في إحداث الشغب أثناء التجمهر، وهي المادة التي اشار إليها تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق بأن صياغتها فضفاضة ومخالفة للمعاهدات الدولية وتختلط بحرية التعبير والرأي».
وأضاف العلوي «بعد صدور بيان المحامي العام الأول – النيابة العامة في ديسمبر / كانون الأول 2011 بإسقاط الاتهامات المتعلقة بحرية التعبير التي أشارت اليها لجنة التقصي، أحيل عدد كبير من الناشطين إلى المحاكم، وأسندت إليهم تهم وفقاً لتلك المواد، فعلى سبيل المثال أحيل إلى المحكمة 33 شخصاً بتهمة التجمهر والشغب وحرق مركز شرطة سترة، وقضية راية العز بالنويدرات، وصدر حكم على 139 من طلاب جامعة البحرين، وجميع تلك القضايا أسندت إلى المتهمين اتهامات وفقاً للمادة (179) من قانون العقوبات التي أعابها تقرير لجنة تقصي الحقائق، وقالت النيابة انها تختلط بحرية التعبير».
وأشار الى أن «من الغريب أن النيابة العامة كانت ترسل خطابات الى المحاكم لإسقاط التهم المتعلقة بحرية الرأي والتعبير، وفي الوقت نفسه تحيل قضايا جديدة إلى المحاكم مسندة فيها اتهامات وفقاً لتلك المواد».
ورأى العلوي انه كان على الدولة أن تتقدم بمشروع بقانون للمجلس التشريعي بتعديل قانون العقوبات بإلغاء المواد التي أشار إليها تقرير لجنة تقصي الحقائق، فوجود النص التجريمي يفسح المجال للنيابة العامة أن تحيل أشخاصاً يعبرون عن رأيهم للمحاكم ويدانون وتسلب حرياتهم لذلك».
من جهته، تحدث المحامي محمد المطوع عن أن توجيه الاتهامات على أساس الكتابة في مواقع التواصل الاجتماعي ومن بينها «تويتر»، يُعد استمراراً لتوجيه قضايا على حرية الرأي والتعبير، كما لا يمكن التغاضي عن التهم المتعلقة بالمشاركة في مسيرات غير مرخصة، والتي تعتبر هي الأخرى تضييقاً على حرية الرأي.
ونفى المطوع أن يكون هناك تنفيذ جدي لتوصيات لجنة تقصي الحقائق، وخصوصاً ما يتعلق بقضايا حرية الرأي، وقال: «ما نشهده من إصدار أحكام في قضايا تتعلق بالكتابة في تويتر أو المشاركة في مسيرات غير مرخصة، دليل على أن توصيات اللجنة لم تنفذ بعد».
وبعد اصدار القضاء البحريني نهاية الأسبوع الماضي أحكاماً بالحبس لمدة سنة بحق 5 متهمين لإهانتهم الملك عبر «تويتر» وتبرئة المتهم السادس، صرح رئيس النيابة الكلية نايف يوسف بأن «حرية الرأي والتعبير حق كفله الدستور والقانون والمواثيق والعهود الدولية، إلا أن القيود القانونية التي ترد على هذا الحق تفسر في الإطار الضروري اللازم لمجتمع ديمقراطي، وبما لا يتعارض مع ثوابت المجتمع وتقاليده، وكذلك الثوابت الدستورية المقررة».
وأشار إلى أن حرية الرأي والتعبير المكفولة يجب أن تُمارس بشكل موضوعي منزه عن الإسفاف ومخالفة الآداب، فهي لا تبيح أبداً النيل من الأشخاص أو الإساءة إليهم.
ورأى نشطاء حقوقيون أن الحكم بحبس الناشط الحقوقي نبيل رجب لمدة سنتين، واحداً من أمثلة القضايا المتعلقة بحرية الرأي والتعبير.
وبخصوص القضايا الثلاث المتعلقة بالتجمهر والدعوة إلى المشاركة في المسيرة والمشاركة فيها، فقد حكمت المحكمة في الدعوى الأولى التي اتهم من خلالها رجب في (12 يناير/ كانون الثاني 2012) برفض الاستئناف وتأييد الحكم الصادر عن محكمة درجة أولى والقاضي بحبسه لمدة سنة واحدة وإدانته في تهم الاشتراك في تجمهر لأكثر من 5 أشخاص بغرض الإخلال بالأمن والبقاء متجمهراً بعد صدور الأمر بالتفرق بالاضافة إلى التحريض بالدعوة إلى مسيرة غير مخطر عنها.
أما في القضية الثانية التي اتهم فيها بأنه خلال فبراير/ شباط 2012، والقضية الثالثة التي اتهم فيها رجب بتاريخ (31 مارس/ آذار 2012) فقد قضت المحكمة بتعديل الحكم في القضيتين والقاضي بحبسه 6 أشهر على ذمة كل قضية من القضيتين أي مجموع حبسه سنة بدلاً من حبسه سنتين بتهمتي الدعوة إلى مسيرة غير مخطر عنها والاشتراك فيها، فيما برئ في القضيتين من تهمة الاشتراك في تجمهر لأكثر من 5 أشخاص بغرض الإخلال بالأمن العام، علماً بأن عقوبة الحبس في التهمتين اللتين أدين بهما رجب هي أقصى عقوبة والمتمثلة في الحبس 6 أشهر.
وفي حيثيات حكم المحكمة؛ أفادت المحكمة بأن التجمع السلمي الذي لا يصاحبه عنف أو أخلال بالأمن مكفول وفق العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي انضمت إليه البحرين بموجب القانون رقم 56 للعام 2006 والذي تنص المادة (21) فيه على أن «يكون حق التجمع السلمي معترفاً به ولا يجوز أن توضع القيود لذلك الحق الا تلك التي يفرضها القانون وتشكل تدابير ضرورية في المجتمع الديمقراطي لصيانة الأمن القومي والسلامة العامة وحماية الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم»، وما نص عليه الدستور في المادة (28) والتي تنص على أن الاجتماعات العامة والمواكب مباحة وفقاً للشروط التي يبينها القانون.
وأضافت المحكمة أن الدستور البحريني والعهد الدولي كفلا الحرية الشخصية في التعبير عن الرأي إلا أن ذلك وفقاً للشروط التي يبينها القانون؛ لأن الحرية الشخصية والإعراب عن الفكر شأنه كشأن ممارسة سائر الحريات، ولا يمكن قيامها الا في حدود احترام حريات الغير؛ لذلك فإنه يكون من حق المشرع البحريني أن يعين تلك الحدود حتى لا يكون وراء استعمالها تعد على حريات الغير.
وأشارت المحكمة إلى أنه وبناء على تأكيد العهد الدولي والدستور البحريني على عدم جواز وضع القيود للتجمع السلمي الا التي يفرضها القانون؛ فإن ممارسة هذا الحق تكون مقيدة بموجب نصوص قانون التجمعات الذي يشترط أن يتم تقديم إخطار لرئيس الأمن العام في حال الرغبة في تنظيم التجمعات وفقاً للقانون.