هاني الفردان
انشغلت وسائل الإعلام العالمية خلال الأيام القليلة الماضية بخبر «رفض» أو تأجيل الحكومة البحرينية زيارة المقرر الخاص المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة خوان منديز إلى البلاد.
وتناقلت وسائل الإعلام العالمية، بيان مقرر التعذيب، الذي كشف من خلاله حقيقة «التأجيل» وأسبابه، وكيف أعلن بشكل واضح وصريح «تعاطفه مع الشعب البحريني الذي كان يتوقع زيارته، وضحايا التعذيب وسوء المعاملة وعائلاتهم».
في المقابل، فضلت الحكومة «الصمت»، ورفضت وزارة شئون حقوق الإنسان «التعليق» (بحسب الـ CNN) على كل ما يدور حول القضية.
أسئلة منطقية، نطرحها على وزير شئون حقوق الإنسان صلاح علي بشأن تصريحه «الغامض» والمتعلق بطلب حكومة البحرين تأجيل زيارة المقرر الخاص المعني بالتعذيب، فقد صدر عن الوزير بيان مقتضب يؤكد طلب الحكومة تأجيل الزيارة دون الكشف عن الأسباب الحقيقية من ذلك، أو المدة الزمنية.
سعادة الوزير، بصراحة، هل الحكومة خائفة من الزيارة؟ وما الذي جرى في «اللقاء الاستثنائي» الذي تم بينك والمقرر الخاص وممثلين من مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في واشنطن دي سي حيث سلمت للمقرر الخاص خطاباً رسمياً من الحكومة يوضح فيه طلب التأجيل ومسبباته؟ وما هي المسببات؟
سعادة الوزير ألسنا في بلد يتعامل مع شعبها بشفافية؟ فلماذا الغموض في بيانك؟ أم أن هذا الشعب «غير راشد» كما يدّعي البعض، وبالتالي لن يفهم أسبابكم ومبرراتكم لطلب التأجيل المتكرر لهذه الزيارة.
أليس من المخجل والمعيب أن يعرف الشعب البحريني عن أسباب تأجيل أو إلغاء الزيارة عن طريق الأمم المتحدة في بيان يعد فضيحة كبرى للدبلوماسية الرسمية، فيما تمارس وزارتك سياسة التعتيم والتضليل وعدم الصراحة والشفافية مع الشعب؟
الغريب، أن لوزير شئون حقوق الإنسان تصريحاً قبل 12 يوماً (صدر في 10 أبريل/ نيسان 2013) من بيان «إعلان الحكومة تأجيل الزيارة» تحدث فيه الوزير بجرأة وصراحة من أن الحكومة لا تخشى من زيارة مقرر التعذيب وأن أبواب البحرين مفتوحة له، فهل مازالت أبواب البحرين مفتوحة له، أم أسدل الستار على الزيارة؟
قبل أسبوعين كانت الحكومة ترحب بالزيارة، وتعد لها من خلال اجتماع عدة وزارات ومؤسسات، وذلك نتيجة ما قاله وزير شئون حقوق الإنسان من «سياسة الأبواب المفتوحة أمام زيارة الشخصيات والجهات الحقوقية الدولية المرموقة للاطلاع على حقيقة الإنجازات الحقوقية والمكتسبات الحضارية والتي تحققت بفضل الإرادة الجادة من قبل القيادة السياسية الحكيمة وتضافر الجهود الحكومية والبرلمانية في سبيل إرساء مبادئ حقوق الإنسان وصون كرامته وتحديث المنظومة التشريعية وبخاصة فيما يتصل بمواءمة التشريعات الوطنية مع المواثيق والمبادئ والاتفاقيات الأممية ذات الصلة بحقوق الإنسان».
سعادة الوزير هل تبخرت كل تلك الأمور، ولذلك طلبتم تأجيل الزيارة؟ هل الوضع الحقوقي في البحرين بلغ من السوء ما لا يمكن التستر عليه أمام مقرر التعذيب، ولذلك بات ضرورة عدم السماح له بالزيارة في هذه الفترة أو أي وقت آخر؟
سعادة الوزير، قلت في 10 أبريل إن «البحرين ترحب بزيارة المقرر الخاص المعني بمناهضة التعذيب وستقوم بالتعاون معه وتسهيل مهمته وأنه لا يوجد ما نخفيه أو نخشاه ونحن واثقون من مسيرتنا الديمقراطية والإنجازات الحقوقية المتلاحقة التي تحققت على أرض الواقع»، فما الذي تغير لتطلب الحكومة تأجيل الزيارة؟ فهل أصبح المقرر غير مرحب به؟ أم أصبحتم غير واثقين من المسيرة الديمقراطية، أو الإنجازات الحقوقية، أم أن فرص التعاون مع المقرر قد لا تتحقق من قبل الحكومة؟ أم أن «الصفحة المضيئة» التي تحدثت عنها انطفأت؟
12 يوماً فقط بين ترحيبكم للزيارة، وطلب التأجيل، 12 يوماً حملت الكثير مما قد تخشون منه في مجال حقوق الإنسان، 12 يوماً تثبت مدى الإرباك الذي تعيشه السلطة في أروقتها.
سعادة الوزير، ذكر بيان مقرر التعذيب أن أسباب تأجيل الحكومة البحرينية لزيارته، هو رغبتكم الموقرة في عدم «الإضرار بفرص نجاح الحوار»، فهل شرحتم لنا، ما هي الأضرار التي ستلحقها زيارة مقرر التعذيب بالحوار؟
أي عاقل سعادة الوزير، يمكنه أن يتقبل فكرة «الصفحة المضيئة» لحقوق الإنسان التي تفتخر بها حكومة البحرين وتأجيل الزيارة خوفاً من «الإضرار بفرص نجاح الحوار»، إلا إذا كان هناك أمور «تخشونها» وقد يكشفها المقرر، ومن ثم قد تربك طاولة الحوار لفداحتها، وتنفي حديثكم عن «الصفحة المضيئة».
سعادة الوزير، أنت والحكومة ونحن نعلم أن مجرد زيارة مقرر التعذيب التابع للأمم المتحدة لأي بلد، فهو بحد ذاته «أمرٌ جلل»، وأن رفض أي بلد لهذه الزيارة يعد «فضيحة» حتى لو حملت عناوين «التأجيل» في كل مرة.
سعادة الوزير، أنت والحكومة ونحن نعلم أن الأمم المتحدة تعلم وتؤمن بوجود التعذيب في البحرين، وأن الزيارة بحد ذاتها إثبات، وأن إعلان المقرر تعاطفه مع ضحايا التعذيب وسوء المعاملة وعائلاتهم تأكيد.
سعادة الوزير، ليس عيباً أن تعترف السلطة للشعب بخشيتها من الزيارة، وليس عيباً أن تخبرهم بالأسباب الحقيقية وراء التأجيل، وليس عيباً أن تقولها صراحة بأن صفحة «التعذيب» في البحرين لم تطوَ بعد، ولذلك وجب التأجيل.
سعادة الوزير، المخجل «صمت الوزارة» وعدم تعليقها على بيان مقرر التعذيب الذي اتهمكم بـ «التهرب من المسئولية»، وتأكيده بأن الحكومة البحرينية «ألغتها بصورة فعلية».
المخجل سعادة الوزير ليس في حق المقرر، ولا الأمم المتحدة، بل في حق الشعب البحريني الذي حاولتم استغفاله ببيانكم «الغامض».