جعفر خليل
الأمين المساعد لشئون الإعلام، الاتحاد العام لنقابات البحرين
جئتكم من الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، الممثل الشرعي لعمال البحرين، الناطق باسمهم والحامل آمالهم وآلامهم والوريث لأجيال من المناضلين الشجعان من مختلف أطياف شعبنا الحبيب من أجل حرية التنظيم النقابي منذ أيام العمل النقابي السري وصولاً إلى إطلاق قانون النقابات رقم 33 لسنة 2002 في إطار المشروع الإصلاحي وميثاق العمل الوطني الذي ولد مع مجيء جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة إلى قيادة مملكتنا العزيزة في مطلع القرن الواحد والعشرين.
جئتكم من اتحاد وليد من حيث فترة التأسيس الزمنية قبل تسع سنوات فقط، في العام 2004، لكنه عريق من حيث الفكرة والبذرة المكوّنة لوجوده منذ اكتشاف النفط في البحرين وتشكل الخلايا الأولى للنضال النقابي في ثلاثينيات القرن الماضي.
جئتكم من الاتحاد الذي حمل على صدره بفخر واعتزاز عبء الدفاع عن عمال البحرين بمختلف انتماءاتهم وأطيافهم بما فيهم العمال المهاجرين منطلقاً من معايير العمل الدولية ومعايير حقوق الإنسان والعهدين الدوليين واتفاقيات منظمة العمل الدولية وتوصياتها. جئتكم من الاتحاد الأكثر والأصدق تمثيلا، الذي شاركت قياداته قاعدته في محنة الفصل المكارثي القائم على التمييز، فكما فصل 4600 عامل وعاملة من واقع نحو 40 ألف عامل بحريني، أي ما يعادل 10% من القوى العاملة الوطنية، فقد فصل تسعةٌ من بين خمسة عشر عضواً من الأمانة العامة في العام 2011، أي ما يعادل 60% من قيادة الاتحاد العام، فلم يتنعم قياديو هذا الاتحاد بينما تشقى القواعد النقابية العمالية، بل ذقنا معهم ألم الفصل ومرارة الجوع ومحنة البطالة سواءً بسواء.
لذلك حين يتحدّث أحدٌ عن تقدير ما أنجز من ملف المفصولين بعودة نسبة مئوية ما زادت أو قلت إلى أعمالهم فلا يزايد علينا أحد في الاحتفاء بتقدير كل من أسهم في عودة مفصول، وليس من المنطق القول بأننا نقلل من هذا الانجاز وكيف نقلل منه ونحن جزء أصيل منه وصُنّاعه مع أطراف الانتاج. فمن يقلل من تقدير الانجاز ومن يضيره الاعتراف بتحقيق تقدم في هذا الملف بتوجيه من جلالة الملك حفظه الله وبدعم ثابت وقوي ومشكور ومصدر اعتزاز لا ينكره إلا الجاحدون، حصلنا عليه من منظمة العمل الدولية ومن الاتحاد الدولي للنقابات، من يضيره تقدير الانجاز هو غيرنا.
وكيف أصبح الدفاع عن تطبيق توصيات بسيوني التي قبلها جلالة الملك في 23 نوفمبر 2011 وأمر بتطبيقها والدفاع عن قيم ومعايير العمل الدولية والإصرار على استمرار عملية الإرجاع دون توقف والإصرار على أجور المفصولين وحقوقهم ومكانتهم الوظيفية تسييساً، فلئن كان هذا هو التسييس فمرحى به ثم مرحى، فلن يخسر العمال غير قيودهم كما يقول فلاسفة الفكر العمالي.
السادة والسيدات… جئتكم من الاتحاد الذي حمل شرف جائزة جورج ميني كيركلاند الممنوحة في سبتمبر/أيلول 2012 تقديراً لدوره في الدفاع عن الحقوق العمالية في إطار حركة ما يعرف بالربيع العربي، وهي مناسبةٌ لنتساءل ترى ما الذي فجّر حركة الربيع العربي.
اسمحوا لي أن أشحذ ذاكرتكم قليلاً فقط بالعودة إلى دورة مؤتمرنا هذا السابعة والثلاثين التي عقدت في عاصمة مملكتنا العزيزة المنامة في مارس/آذار 2010، وهي الدورة التي سبقت اندلاع حركة الربيع العربي بعام واحد فقط. يومها قدّم المدير العام تقريره الذي لا زلنا نذكره عن البطالة، مطالباً بجعل العقد القادم هو عقد التشغيل ومكافحة الفقر والبطالة، في حدس مبكر وتنبؤ ذكي تبنّاه مؤتمرنا هذا بما سيأتي من عواصف خلقها غياب الحوار الاجتماعي والعدالة الاجتماعية لتجتاح وطننا من المحيط إلى الخليج.
لقد كان غياب ثقافة الحوار الاجتماعي، وإيجاد الأرضية الصلبة لبناء هذا الحوار، أحد مسببات الأزمات التي مرت بها العديد من الدول، وبالتأكيد لا أنسى بلدي البحرين، حينما خرج الشباب في 14 فبراير 2011 مطالبين بإصلاحات سياسية واقتصادية، تجعل من المواطن ركناً رئيسياً من أركان صياغة المستقبل، مشدّداً على أن اتحادنا يتمنى كل النجاح لحوار التوافق الوطني في جولته الثانية الذي دعا إليه جلالة الملك لإخراج البلاد من أزمتها. في جميع تلك المشاهد التي مرّت بها أقطار عربية عزيزة على قلوبنا، كان العمال واتحاداتهم النقابية الحيّة، جزءاً رئيسياً في هذا التحوّل الديمقراطي.
وفي الإطار ذاته، لعب الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، ومنذ أول أيام الأزمة التي مرّت بها بلادي، ولازلنا نعيش إرهاصاتها إلى اليوم، وقف موقفاً وطنياً يتسق والدور النضالي لعمال البحرين الممتد من الثلاثينيات من القرن الماضي، وقف مع مطالب الحوار بين السلطة والقوى السياسية في البلاد، ووجّه في أكثر من دعوة وبيان موثقين باليوم والتاريخ، جميع الأطراف إلى اعتبار الحوار، وليس غير الحوار، سبيلاً لحل الإشكاليات في البلاد، إلا أن القوى المضادة للإصلاح أجهضت كل الدعوات والمحاولات الصادقة لعبور الأزمة بأقل قدر من الخسائر، فما كان نتيجة هذا الموقف المبدئي للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، إلا أن يُشهـّر بقياداته على شاشة التلفزيون الرسمي، وفي الصحافة، وأن يفصل أكثر من 4 آلاف عامل، وأكثر من 25 من القيادات النقابية، لازال الكثير منهم، وبعد العديد من التأكيدات الرسمية بإعادتهم إلى أعمالهم ، خارج مواقع عملهم.
وإننا سنواصل في الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، إصرارنا على تنفيذ توجيهات جلالة الملك بتنفيذ توصيات بسيوني من خلال إرجاع المفصولين بكل حقوقهم وإيجاد أرضية حقيقية للحوار الاجتماعي والدفاع عن حق كل المواطنين، دون تمييز بينهم بسبب المعتقد الديني أو السياسي أو العرق أو الأصل، في الحصول على العمل اللائق الحافظ لكرامة الإنسان، مدعومين بقواعدنا العمالية والنقابية، غير آبهين بمن يصف كل ذلك بأنه تسييس، فإن كان هذا تسييساً كما يدعون فأهلا بهذا التسييس الذي نفخر به ولا نتبرأ منه.