اسماعيل أبو البندوره
المقدمة : هذه قراءة لعفلق ونصوصه وبعض اشكاليات فكره، وكل قراءة لها مناسبة واحتياج ودوافع ومبررات، وخصوصا بعد أن شهدنا عام 2003 ملاحقة البرابرة لفكره وضريحه في بغداد عند غزوها، فأنشأ ذلك سؤالا مشروعا وجديدا : لماذا يريد الامريكان والصهاينة اجتثاث الشخص والفكرة معا، بعد أن هدموا بلد الحضارة والكتابة والمعرفة؟. وهذه قراءة تنتمي الى الفكر الذي طرحه عفلق، ولا تقرأه قراءة برانية، وعليه فهي قراءة لها هوى وتنطق عن هوى في ضرورة قراءته ومشروعيتها المعرفية، ولكنها تأتلف معه وتختلف اذ أنها قراءة نقدية تصر على فكر المراجعة والسؤال، مراجعة المفاهيم واستنطاق الدلالات، وهي بهذا تتسق وتتلاقى مع تيار عالمي وعربي كبير يسعى الى النقد ورفع الحصانات عن الفكر، ومساءلة مسلماته وبديهياته، وهدم الاسيجة الدوغماتية التي تريد محاصرة حرية الفكر التي هي فضاؤه الاوسع والاكثر اطلاقا. وبهذه المثابة فهي قراءة مغايرة غير تبجيلية، وغير تكرارية، وتسعى الى فتح أفق جديد وحقول جديدة في مجال القراءات التحليلية النقدية، وهي قراءة قد تكون اوليه لها مابعدها، اذ أن القراءة لابد أن تستولد قراءات اخرى، وعليه فهي محاولة قد تستوفي متطلباتها وشروطها المعرفية، أو تكون مجرد اضافة كلام على الكلام لاغير.
1- بدأ الاستاذ ميشيل عفلق حياته الفكرية أديبا رهيف المشاعر والأحاسيس، يتلمس مشاعر وأحاسيس أبناء امته، ويعبر عنها في نصوصه الادبية الاولى، ويطرح آلام ابناء شعبه في صياغات ادبية راقية جعلته يحتل مكانا مميزا في الدوائر الادبية في تلك الفتره، كما استهوت واستقطبت فئة الشباب الباحثة عن اجوبة عن الوجود والمستقبل، وعبر من خلالها الى وعي وشرح المأساة الوجودية والتاريخية التي يواجهها العرب، وهي النقلة التي اخذته من الادب الى السياسة، وجعلته في فترة لاحقة يطمس ويتحفظ على قدراته الادبية وخصوصا عندما بدأ بتحويلها الى حقل آخر مختلف يتغيا تقديم رؤية فكرية شاملة عن الوجود العربي، وعن تحديات الحاضر والمستقبل.
وعندما انتقل من الادب الى السياسة، حمل معه مفردات الأدب، وأخيلته الى الحقل السياسي، فجاءت تأملاته الاولى، وكتاباته ايضا، ذات صياغات ادبية، تضفي على الفكر لمسات مثالية صوفية، ورومانسية، ولا تقدمه كصياغات نظرية جامدة ومجردة تخلو من الحس والشعور، والانفعال والانغمار بالواقع.
وبقدر ما كان الاستاذ يتبرأ من كونه اديبا محترفا، كان يتبرأ لاحقا من كونه مفكرا مجردا حرفته هندسة الافكار وتنسيقها، ذلك أنه كان ومنذ بداياته يقدم تحقيق الافكار على تنسيقها.
2- رأى الاستاذ عفلق أن مهمته الاولى في صياغة مشروعه النظري والسياسي وفكرته الاحيائية الانبعاثية لابد أن تتحدد بالاستقلال الفكري، لابمعنى الانغلاق، أو التميز الاستعلائي على الفكر والمفكرين، وانما في محاورة الفكر محاورة نقدية، وتبيان ملامح الخصوصية والاستقلالية في طرح قضايا الوطن العربي وطرق التعبير الواقعي العقلاني عنها.
وآمن الاستاذ بضرورة استنبات حقول جديدة في الفكر العربي، بمعنى زراعة الشجرة، وليس الاتيان بشجرة اصطناعية والتي قد يوحي اخضرارها بالحياة، ولكنها تبقى غرسا اصطناعيا وطارئا، وربط الفكر بالواقع ربطا عضويا، واستمداد الحقائق والافكار والرؤى من معطيات الواقع العربي وقضاياه واشكالياته، ولذلك بدا فكره في لحظة ما اشكاليا، وسجاليا، وحدثانيا يرتبط بالاحداث والمراحل.
ولم يعمد لصياغة نظرية، وانما قدم رؤى شاملة ونظرات عميقة عما يدور في عقل وواقع الامة العربية، وكان الهدف الأساس لديه " تغيير الواقع أكثر من تفسيره " وفقا لمقولة ماركس في احدى اطروحاته عن فيورباخ.
3- تعامل الاستاذ فكريا مع اشكاليات مختلفة، وقدم حولها تصورات عمومية وكلية، واستعمل مفردات التباسية في بعض الاحيان، وكانت تحمل اكثر من معنى، أو كانت حمالة اوجه، ولذلك اسيء فهم بعض تعبيراته، أو أن البعض قد عمد الى ملاحقة الفاظه لضبطها بجرم معرفي مشهود وكانت تلك من بعض سقطات نقاده عند محاولتهم "تسطيح فكره وترذيله".
قدم الاستاذ رؤية نقدية للواقع العربي، وساجل كل الافكار السائدة في المراحل التاريخية المختلفة، وكانت له ريادات في هذا المجال، اذ بدأ نقده للذات والشخصية العربية من اجل استنهاضها، ثم تناول بالنقد الواقع العربي وقضاياه والافكار المهيمنة في اطاره، وانتقد الايديولوجيات المهيمنة في الفكر العالمي. واستخرج من كل ذلك رؤيته النقدية التي توالدت وتتابعت في كل ماكتب وفكر.
4 – دأب الاستاذ ميشيل عفلق في معظم احاديثه على جعل الخصوصية القومية باعثاً على تأكيد الذات القومية واطلاق رؤية تاريخية حولها من خلال القدرة على فهم خصوصيات الامة ومكوناتها وتفاعلاً مع العصر والعالم, ولم تكن الخصوصية بالنسبة له شعاراً ظفراوياً, او نرجسياً يضخم الذات ويتمحور حولها او دعوة للانغلاق دون الامم والافكار الاخرى, ونجح في بلورة حقل جديد في الحياة السياسية والفكرية العربية يقوم على تحليل الواقع العربي بأدوات ومناهج تراعي معطياته وتستمد حقائقها منه واشتقاق الخلاصات والنتائج والعناصر المؤثرة فيه وطرق تفسيره وتحريكه وتغييره.
ولم يسع الاستاذ الى طرح نظرية وافكار متكاملة وكلية حول الواقع العربي وانما جعل هذا الواقع يعبر عن متطلباته ويطرح اسئلته واستحقاقاته واطلق للفكر حرية التفكير بهذه المتطلبات لكي يكون الجواب من طينة الواقع ومطابقاً له باعتباره الساحة التي تنشأ فيها الظواهر والاسئلة الملحة.
لقد سعى الاستاذ الى وعي مطابق يستجيب لمتطلبات الواقع العربي ولم يرغب باسقاط نظري عليه او جعله ميداناً للتجريب واختبار النظريات السائدة في هذا الميدان.
وهكذا اصبحت فكرة البعث تنطلق من الواقع وتعود اليه في حركة جدلية وابداعية تفسر الواقع وتدرس معانيه ونقائضه لكي تستخرج منها المسارات والدروب الممكنة للانتقال الى صعد جديدة، وتغيير عناصره السلبية وازالة العراقيل من دروبه وفتح الآفاق امامه للتطلع ورؤية المستقبل.
وكانت "مؤسسة الحزب" وفقاً لرؤية الاستاذ هي الاداة التي انيط بها تحقيق الافكار بعد تنسيقها ولذلك تم التركيز عليها باعتبارها اداة ووسيلة لتحقيق وتجسيد الغايات وليس الغاية ذاتها، وانشأ الاستاذ بسلوكه وتعاليمه ما يمكن ان يسمى "مؤسسة الضمير" القومي الذي يجب ان يحكم السلوك في مؤسسة الحزب, فاذا تناقضت مؤسسة الحزب مع مؤسسة الضمير, تقدم الضمير القومي على المؤسساتية والهياكل السياسية, ولذلك وشح الاستاذ افكاره بمثاليات ومناقب واخلاقيات ارادها ان تتقدم على الهياكل وكل فكر سياسي يومي براجماتي, وعلى ضرورات العمل السياسي التي يقال عنها انها تبيح المحظورات, لقد قدم الاستاذ خيارات المبادئ على ضرورات العمل السياسي المرحلي وهذا ما جعله يبدو مثالياً في نظر البعض كلما حاول وسعى لربط السياسة بالاخلاق.
اما الاستقلال الفكري لدى الاستاذ عفلق فقد كان يقوم اساساً وابتداءاً على فكرة وضرورة القراءة القومية الاستقلالية للظواهر العربية المرتبطة بظواهر العصر وتراثاته والمفتوحة على هموم اكبر واشمل من هموم الساحة القومية, ولم يكن يتضمن دعوة للفرادة والانعزال والانغلاق, ولذلك سعى الى اجتراح قراءة تعبر عن الهموم القومية وتفصح عن الخصوصيات المرتبطة بها وكان في ذلك مجتهداً اكثر منه اتباعياً او مستسلماً لكل ما يطرح حول واقع الامة العربية.
وانشأ بذلك منهجاً استقلالياً إبداعياً في التفكير ولم ينشئ نسقاً مغلقاً او سياقاً متعالياً واستعلائياً, وأسهم بذلك في وضع قواعد منهجية واضحة ولافتة تعبر عن كيفية قراءة ظواهر الحياة العربية واشكالياتها دون الانفصال عن التاريخ العالمي وافكاره الكبرى ولم يكن الاستقلال بالنسبة له ابتداع "مركزية عربية" استعلائية ترى نفسها فوق الامم والشعوب او الانغلاق داخل"نرجسية قومية" عقيمة.
كذلك اسهم الاستاذ عفلق في توضيح مفهوم الاستقلال والخصوصية بما يتجاوز ما كان مطروحاً في ساحات الفكر العربي من افكار تدعو الى الانعزال والانغلاق بحجة المحافظة على تراث الامة من هجوم ما سمي في حينه "بالافكار الهدامة!!", وقدم رؤية مغايرة لهذه الاشكالية بما شكل اختراقاً وتغييراً لنمط القراءات ومناهجها، فالأمة لا تصان بالانغلاق والتحجر ورفض الرؤى الاخرى, وانما بمقاربة الافكار والنظريات وكشف حقائقها وعيوبها وهذا مما يحصن فكر الامة ولا يجعلها عرضة للانسياق والانسحاق امام موجات الفكر الاخرى او الاستسلام العلمي لمعطياتها.
5 – لم يكن من بين أهداف مؤسس البعث في البدايات إنشاء نظرية عقائدية مكتملة وشمولية تحصر العقل والممارسة في إطاراتها وحدودها، وتجردها من إمكانية الإبداع والخلق المتواصل، وإنما سعى إلى تقديم قراءة وإطار نظري ومنظور حضاري ومنهج في كيفية تحليل قضايا الواقع العربي الإشكالية وفتح آفاق الإبداع للإضافة والاستزادة والاجتهاد في كل مرحلة تتطلب فيها معطيات الواقع العربي والعمل النضالي وضوحا في الرؤية والمنطلقات، أو تحديدات نظرية تحول دون الممارسة والتحرك في الفراغ والاختلاط والفوضى، أو تكون تحت تأثير النظريات والرؤى الأخرى أو صدى وترديدا لها.
وإذا كان البعض قد عاب على عفلق وساءله في مرحلة ما من المراحل عن نظريته، أو عن عدم اكتمال وشمولية نظريته في عصر سواد الايدولوجيات الكلية والشمولية وظهور الامميات المختلفة، فان جوابه المنحاز لحرية الفكر واتساع أفاقه كان بأنه وبما يطرحه من أفكار أولية حول بعث الأمة العربية، يريد أن يزرع شجرة حقيقية تتطور بالإضافات النضالية المكمّلة، ولا يريد أن يأتي بشجرة اصطناعية قد يوحي منظرها بالحياة والاخضرار ولكنها تظل زرعا غريبا طارئا في بيئة وظروف مغايرة تجعلها دائما محكومة بمنشئها وظروفها وبيئتها، وكأنه أراد من ذلك القول انه لابد أولا
وأخيرا لأي نظرية أو تجربة الانطلاق من ارض الواقع العربي باعتباره مساحة للتفكير والإبداع والتحليل والتعبير، وكانت تلك نقطة البداية التأسيسية والتكوينية الهامة في بناء قراءته ومنهجه ألانبعاثي، فالتجربة الناجحة الصادقة الأصيلة هي تلك التي تنطلق انطلاقا طبيعيا ولا تكون صدى للأفكار والنظريات، أو تطبيقا أعمى لها ودون مراعاة الظروف والمتطلبات التاريخية والثقافية والأفاق التي تتحرك من خلالها، وجاءت قناعات عفلق بهذا المبدأ والمنهج وهذا النمط من المنطلقات النظرية بعد قراءة وافية وناضجة للنظريات والأفكار والرؤى السائدة وصور تطبيقاتها وتجسداتها على ارض الواقع وبعد استيعاب لكل تراث الحركات والثورات التي هزت العالم وغيرت سياقاته التاريخية، وقد ساعدته تلك القراءات في كيفية ابتداع منهج وقراءة عقلانية موضوعية جديدة لواقعنا العربي، أي أن استقلاليته الفكرية كانت نتاجا واعيا للتمعن والإلمام بالنظريات المعاصرة له ولم تكن غائبة عن عقله وتفكيره وهو يشرع في اجتراح قراءته البعثية الجديدة، إلا أن ما ميزه وميّز قراءته انه لم يقرا النظريات باستسلام علمي لها، أو وقوعا تحت تأثيراتها، وإنما هو حاورها لكي يشتق منها ما يمكن أن يسهم في فهم الواقع العربي واشكالياته وفي علاقاته وتشابكاته مع قضايا العصر، فمؤسس البعث لم يكن منغلقا على الأفكار الأخرى السائدة وإنما كان محاورا لها وأراد لها أن تكون جزءا من الثقافة السياسية القومية لا بديلا عنها، وأفقا لحركة تريد أن تغير الواقع العربي وتتقدم به إلى الأمام، وتقدم لديه تحقيق الأفكار على تنسيق الأفكار. وقد وسم الأستاذ عفلق حركة البعث بميسمه الاستقلالي المؤتلف والمختلف في آن واحد والمتصل والمنفصل مع التراث النظري العالمي الساعي إلى الإبداع والرافض للإتباع، الخلاق المعادي للجمود، وقدم للحزب منهجا خلاقا في الرؤية والتحليل يقوم على الواقعية والموضوعية ومحاورة الواقع أكثر مما قدم من النظريات والأفكار الصماء المجردة التي قد يفضي الانغلاق داخل سياجاتها إلى عصبية مقيتة أو دوجماتية عقائدية أو عصبوية هائجة في العمل السياسي تدّعي امتلاك الحقيقة المطلقة والاكتمال وتكتم وتميت الإبداع والاجتهاد، وكأنه أدرك الأزمة الفكرية التي يؤدي إليها الإيمان باليوتوبيات السياسية المطلقة والأفكار القداسية التي قد تعجز عن رؤية الظواهر في حالاتها المتغيرة فتجد ذاتها وقد اشتطت ونأت عن الواقع وتحولت إلى قوالب نظرية فارغة وقد جاءت التحولات والمتغيرات التي حدثت نهاية القرن الماضي وبداية هذا القرن
لكي تؤكد صحة منطلقات هذا المنهج وتحوطاته، عندما وقف العالم أمام نهاية متسارعة للإيديولوجيات الشمولية التي أنشأت في سياقات تجاربها وتطبيقاتها يوتوبيا مثالية سرعان ما تهاوت أمام معطيات واقع متغير، وهو الأمر الذي حاول عفلق أن يجنب حركة البعث معاناة نتائجه، أي بأن تصبح يوما خارج الواقع وحركة التاريخ، أو تتحول إلى كلمات ومقولات فارغة لا معنى لها، ولذلك سعى عفلق أثناء حياته وقيادته للبعث أن يجدد طرائق النظر وان يدع الأفكار تتلاقح وتبدع وتجتهد في إطار مؤسسة الحزب حتى تتمكن من مواجهة الأزمات والانحباس الذي ينشأ في سياقات الممارسة،
ولذلك لم تستطع حملة الاجتثاث الأخيرة التي جرت منذ عام 2003 في العراق أن تحقق غاياتها لان الحزب وعلى هدي أفكار مؤسسه، وجد نفسه أمام حالة صراع وامتحان جديد سرعان ما تغلب عليها بالانتقال السهل إلى المقاومة المسلحة ومواجهة التحدي ولم الصفوف، وعاد الحزب إلى سياقاته النضالية المتجددة في عملية إبداعية جديدة واجهت الاجتثاث بالانبعاث وحولت الأزمة أو الهزيمة إلى انتصار على الذات والواقع، وتصدى لأشرس وأخطر وأحقر حملة استعمارية في التاريخ المعاصر وكانت الروح التي رسم ملامحها مؤسس البعث وكل معانيها وصورها حاضرة في هذا التجدد البعثي الذي واجه به حملة الاجتثاث الفاشية بانطلاقة جديدة مغايرة ونوعية.
إن البعثيين في كل أنحاء الوطن العربي وعندما يستذكرون مؤسس حزبهم الأستاذ ميشيل عفلق، وعندما يراجعون أفكاره، أواعادة بناء نصوصه، يستنهضون أسئلة وأجوبة جديدة ولا يطرحون في هذه المرحلة موقفا افتخاريا يجرد قضيتهم من أهدافها الكبرى، أو يبقيها حبيسة نرجسية حزبية ضيقة، وإنما يريدون من هذا الاستذكار والمراجعة، الاستبصار والانفتاح على أفاق جديدة في العمل القومي، وأول ما يتذكره البعثيون في هذا المجال هو البعد والمنهج النقدي الذي رسم خطوطه الكبرى الأستاذ عفلق وجعله الطريق الحقيقي لمراجعة الذات البعثية ونظرية العمل البعثية إذ انه آمن إيمانا راسخا بأن التجارب الأصيلة لا تنمو إلا بالمراجعة
الدائمة ونقد الحالات المختلفة، وان النقد والنقد الذاتي هو الذي يؤكد مشروعية التجارب وراهنيتها، وخصوصا عند ظهور المنعطفات والمتغيرات الحادة، فالنقد والنقد الذاتي كان في تجربة البعث من بين المبادئ الكبرى التي آمن بها لكي يتمكن من رؤية أخطائه وتصحيح مسيرته. وإذا كان البعث قد مرّ بظروف قاسية وصعبة حالت بينه وبين هذا المبدأ في نقد تجربته، فانه الآن يقوم بصدق وإلحاح على إجراء المراجعة والنقد وبطرائق مختلفة لعل منها ما يظهر كثيرا أو قليلا في أحاديث قادة الحزب، وما يظهر في الكتابات والأدبيات السياسية الحديثة لبعض رموز البعث في
الوطن العربي يدفعهم في كل ذلك المنهج النقدي الذي وضعه الأستاذ عفلق بين أيديهم والذي يقوم على الصدق والشفافية والمكاشفة ونقد الذات والانتصار عليها.
*نص المحاضرة التي القيت في رابطة الكتاب الاردنيين