ما دورها القومي؟! وأي سمات كفاحية تميزها؟!
أ.عبدالعزيز أمين عرار/ باحث ومشرف تاريخ
ولد تنظيم جبهة التحرير العربية بمبادرة بعثية بادرت لها القيادة القومية الشرعية المؤسسة للبعث بقيادة الأستاذ أحمد ميشيل عفلق وأعلن عن انطلاقتها في السابع من نيسان عام 1969 والتي جاءت بعد مرور 22 عاما من انطلاقة حزب البعث العربي الاشتراكي. وقد شملت قيادتها الأولى عربا من فلسطين والأردن والعراق وسوريا ولبنان تجسيدا لهوية حزب البعث القومية.
وتعريف هذا الفصيل أنه قومي عربي وحدوي اشتراكي ويمثل القوة الفاعلة في حزب البعث على الساحة العربية، وليس ذراعا عسكريا لحزب البعث في العراق.
جاءت الحاجة اليه بينما كانت فصائل (م.ت.ف) تتصارع فكريا وسياسيا حول شعار أيهما أولا: العودة طريق لتحرير فلسطين أم الوحدة الثورية طريق لتحرير فلسطين أما الجبهة العربية فقد قالت" أن تحرير فلسطين يعيد للعرب وحدتهم وكرامتهم مثلما أن تحقيق الوحدة العربية الثورية يحرر فلسطين ويعيد كرامتها ".
وحتى لا يكون هذا الربط مجرد ربط ميكانيكي فقد عملت جبهة التحرير العربية بمنظور قومي وحدوي جسدته في ساحات العمل والمعارك الثورية في الأردن ولبنان وفلسطين، بحيث كانت تحرص على وحدة البندقية والقتال والمشترك في معارك الثورة الفلسطينية، لهذا كانت تنفذ عمليات مشتركة مع فصائل (م.ت.ف) اليسارية منها واليمينية، وحتى تنظيم الصاعقة الموالي لسوريا، وتم تنفيذ عدة عمليات استطلاعية وقتالية في غور الأردن وجنوب لبنان ولكنها منعت من النزول في ساحة الجولان من سوريا بسبب عداء النظام السوري لها واعتبارها محسوبة على النظام في بغداد.
ومن منطلق إيمان الجبهة العربية بقومية المعركة وإنسانية وعالمية الثورة الفلسطينية، فقد اختارت عربا ومسلمين من غير العرب في مجموعاتها الثورية العاملة في الأراضي المحتلة وهكذا تجلت قومية المعركة وعالميتها في عمليات جرت في معركة طبريا وكفار يوفال وكفار جلعادي وليس غريبا أنها اختارت الشاب المصري يسري أبو عبيد رئيسا لمجموعتها الثورية في عملية كفار جلعادي ومعه باكستاني عام 1980، كما أن أول أمين سر للجبهة العربية كان الأمين العام زيد حيدر من البعثيين في القطر العربي السوري، وكان للجبهة العربية عدة شهداء من أبناء العراق آل جبور وغيرهم في معركة الكركار الشمالي في غور الأردن.
وقد غلب على الجبهة العربية المظهر القومي بين عامي 1969 – 1980 فكان فيها عدد كبير من المقاتلين العراقيين واللبنانيين من تنظيمات الحزب في القطرين، وقد تشرفت الجبهة برعاية نخبة من القوميين أمثال نعم بشور وبشارة مرهج وبرز دور الشباب البعثي العراقي الملتحق بالثورة الفلسطينية ملتحقين بجبهتهم والذين كانوا في خط الدفاع الأول عن الثورة الفلسطينية عام 1976 يوم أن تدخل النظام الأسدي لخدمة القوى اللبنانية المارونية وحصل على اذن أميركي بشرط عدم تجاوز خط نهر الليطاني، وبحسب شهادة هلينا كوبلنيان، فقد دخل باسم جبهة التحرير العربية أكثر من 700 مقاتل، وقد برزت هذه الجبهة في دفاعها عن الثورة الفلسطينية منذ عام 1969 وعن اتفاقية القاهرة التي عقدتها مصر عبدالناصر بين الثورة الفلسطينية والحكومة اللبنانية كما أن الجبهة العربية دافعت دفاع المستميت عن الثورة في لبنان أمام دخول الصهاينة على جنوب لبنان وسقط لها في ساحات النضال الفلسطيني ما مجموعه 500 شهيدا سقط غالبيتهم في هذا القطر.
وخاضت معارك في جنوب لبنان سجلت بأحرف من نور ومنها: معركة الهريبة وحلتا في الجنوب اللبناني وكانت معاركها الثورية قريبة الشبه بحرب الكرامة كما وصفتها الصحافة المصرية عام 1972 وقاتلت في لبنان وهي تجسد وحدة البندقية بين حركة فتح وجبهة التحرير العربية وشباب البعث اللبناني.
اذن بقيت الجبهة حلقة الوصل بين فلسطينية الثورة وعروبتها مجسدة العمق العربي، وذلك بفضل مبادئ وروح البعث القومية الأصيلة والتي جسدتها القيادة القومية في بغداد ـ وعلى سبيل المثال ـ نشر البعث بلسان الأمين العام ميشيل عفلق رسالة وتعميما يهيب فيه أن يهب البعثيون للدفاع عن الثورة الفلسطينية في الأردن عام 1970، وقد عانى رفاق الجبهة من المذابح والجرائم ومما جسدته أخلاق قياداتها وأمناء الجبهة طلب العون والمساعدة للثورة الفلسطينية من قيادة قطر العراق عام 1982 وكان العراق يخوض حربا مع إيران يدافع فيها عن الأمة العربية في وجه الرياح الفارسية المجوسية الصفراء، وهي أيضا قيادة ملتزمة قوميا بمعركة فلسطين وتعتبرها القضية القومية المركزية ولا ينقصها التضحية في سبيل فلسطين حرة عربية. كما نطق بها الشهيد صدام حسين على حبل المشنقة، وهي رسالتها للأجيال القادمة.
ومع أن الجبهة العربية لا تؤمن بالحل السياسي وترى فيه ما يتناقض مع الثورة الحقيقية ومشروع الأمة القومي في الوحدة والحرية والاشتراكية وأن الحل الحقيقي لا يأتي لليهود إلا في إطار المجتمع العربي الاشتراكي الموحد وليس في استيطان فلسطين وبما يجسد إنسانية القومية العربية (أي أنها ليست مع خيار فلسطين ديمقراطية علمانية) وشعارها أن حل مشكلة اليهود ليس على حساب الفلسطينيين بل على حساب الأمة العربية والعالم وهذا يشمل يهود البلاد العربية فقط. إلا أن الجبهة كانت دوما تحافظ على ديمومة الوحدة وجسور العلاقة مع قيادة (م.ت.ف) المتنفذة ودون أن تسمح لنفسها بممارسة الحرب الكلامية والاحتراب وهي تنصح وتظهر موقفها وتصدق في عرضها ولكن دون فتح باب الاحتراب فهي لم تختر أن تكون عضوا في جبهة الانقاذ وغيرها.
وكانت أصدق مواقف قيادة الجبهة في توزيع منحة الرئيس الشهيد صدام حسين لذوي للشهداء والتي وزعها الرفاق البعثيون في مدن وقرى فلسطين برعاية أمين سر الجبهة العربية الأستاذ ركاد سالم "أبو محمود" بصدق وأمانة ودون أن يمدوا أيديهم لمال اليتامى وتطبيقا لروح الأسلام من كان غنيا فليستعفف ورغم الحصار كان بعث العراق غنيا بروح وهمة قياداته وعلى رأسهم الشهيد صدام حسين.
غلب على الجبهة عدم رغبتها في الاستعراض السياسي والإعلامي وكانت حريصة على عدم ممارسة أنشطة إعلامية في ظل سلطة الاحتلال الصهيوني وهو ما جعل شعبيتها أقل من غيرها كالعمل على إصدار صحف في الأرض المحتلة أو نشاط لجان قومية في العمل الاجتماعي والعمل في مجالس الطلبة واختارت في حينه العمل الثوري فقط.
تميزت الجبهة العربية بموقفها من المعارك القومية فهي تدرب شباب أرتيري في قواعدها في العراق جنبا إلى جنب الشعب الفلسطيني وآخرين من أرض الأحواز السليبة وهي تحرص على تضمين خريطة الوطن العربي الأقطار العربية المسلوبة في الأحواز وأرتيريا والاسكندرونة وسبتة ومليلة، وهي تقاتل في الحرب العراقية جنبا لجنب مع العراق من منطلق الإيمان بوحدة المعارك والخنادق في فلسطين والعراق وخاصة العراقيين منهم الذين تطوعوا في هذه الحرب بعد عام 1980.
يبقى أن نشير أن الجبهة العربية تأثرت بمجمل المجريات والتطورات التي مر بها العراق بعد عام 1980 وعام 1991 و2003 وقد خسرت بسقوط دولة العراق القومية حليفا استراتيجيا كان له تأثير على مسيرة الجبهة العربية ورغم ذلك فان قيادة الجبهة وأعضاء التنظيم البعثي الفلسطيني يواصلون إيمانهم متحدين الصعاب مدركين أن طريق البعث ليست طريقا مفروشة بالرياحين وأن دورهم ووظيفتهم الثورية أن يزرعوا قبل أن يحصدوا وأن يخلعوا الأشواك قبل أن يشتموا الرياحين ولهذا تحتاج الجبهة والحزب إلى نوع خاص من الرجال، ومع أن المثل والقيم لا تسير عند بني البشر في خط واحد ونسبة واحدة فقد عانت الجبهة أحيانا في تاريخها من بعض الفئات النفعية أو المتسلقة أو المريضة والتي أثرت نفسيا في بعض رفاق الحزب والجبهة ولكنها لا تمثل القاعدة العامة للجبهة والحزب.
وفي الختام لا يسعنا الا أن نهنئ القائد المجاهد الرمز الرفيق عزة ابراهيم بطل الجهاد والتحرير… والى الرفيق العام ركاد سالم الصابر وجميع رفاق الحزب والجبهة في السجون والمعتقلات العربية والصهيونية تهنئة من الأعماق والى سجناء الحرية العرب وشهداء الأمة إننا حتما لعائدون ومنتصرون.
7/4/2013
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.