مزهر النوري
مقدمة: العودة إلى ينابيع البعث الفكرية والتنظيمية ومواقفه النضالية والسياسية وتناولها في دراسات تحليله وقراءات منهجية تأخذ بنظر الاعتبار الظروف الزمانية والمكانية،والظروف الذاتية والموضوعية نكون قد حققنا الاستفادة في :استخلاص القوانين التي مكنت الحزب في الاضطلاع بمهام ناجحة عبر مسيرة طويلة من النضال.استخلاص الدروس والعبر من المحطات التاريخية التي مر بها البعث في جانبيها الايجابي والسلبي.ترشدنا في الدلالة والمعنى أي قيادة مناضلة تمكن البعث تنظيميا ونضاليا لمواصلة المهام وتتحمل المسؤولية أمام المؤتمرات التي انتخبتها.تشكل ارتكاز للانطلاق نحو مرحلة جديدة على الطريق الذي يهتدي بفكر الحزب كبوصلة لضمان سلامة وحدته الفكرية والتنظيمية من خلال الممارسة من جهة. ولتمتين علاقته بمعينه وأوساطه الشعبية الجماهيرية من جهة أخرى،لاسيما وان البعث اختار طريقا صعبه، سلامة السير فيها تضيئها شعاراته وأفكاره في حيز التطبيق، وثقافته السليمة المؤثرة في يقظة وجدان الجماهير.
في قراءة لمقالات: عهد البطولة عام 1935 ومقالة ثروة الحياة عام 1936 ولكلمة الافتتاح التي تضمنتها أوراق المؤتمر التأسيسي للحزب عام 1947م نرتكز مجددا إلى الرؤية الصادقة نحو المستقبل بمستوى الوعي لفكر ونظرية حزب البعث العربي الاشتراكي التي حملها الرفاق الرواد الأوائل الزاهدين، الذين توجوا نضالهم وكفاحهم نحو تطلعات وأهداف ومعيشة الشعب العربي وأمنه الوطني القومي، وقوة الإيمان بالفكرة التي شكلت رؤيته وقدرته على ألانطلاقه النضالية، وامتلاكه لمعايير مكنته من اجتاز الامتحانات الصعبة على دروب النضال والتي اتسم بها الرفاق من صلابة وحصانة فكرية وعقائدية في مواجهة الذات من جهة وفي مواجهة العدو من جهة أخرى لما أنتجته حواراته الداخلية من حقائق تنظميه وفكرية،وما أنتجته حواراته مع المجتمع من حقائق جماهيريه واجتماعية وتعبوية، وأظهرت مقاربات أغنت سمته في الاستيعاب والتطور فكريا وتنظيميا، وعندما نرى الحقائق نكون قد حققنا اعلي درجات الوعي والتطبيق لها في مسارات ويوميات الحزب التي أخذت بمفهوميه النص ومدى التطبيق على مستوى المقارنة وعلى مستوى القرب والبعد.على مستوى الالتزام المستوعب والارتجال العفوي أو الذي اضر في مسيرة وتجارب البعث. عندما نمتحن هذه الحالات بضوء مبادي وأفكار وعقيدة حزب البعث العربي الاشتراكي نكون قد ساهمنا على مستوى الفعل النضالي في ان تستمر فكرة البعث ايجابيه.. إشارة لمقتبس من مقالة قضية الدين في البعث العربي الموثقة في الجزء الثاني من كتاب في سبيل البعث التي أمعن الرفيق ميشيل عفلق رؤيته فيها عندما قال..(فكرتنا إيجابية تنتهي دوماً إلى تقرير الحقائق الإيجابية).
حقائق:
صعوبة النشأة والبداية :لقد واجه البعث خلال نشأته صعوبات لها وصفها المختلف عما واجهته الأحزاب والحركات السياسية التي سبقته أو التي زامنته بسبب اختلاط المفاهيم والتباس القيم في مستويات البيئة الاجتماعية السياسية التي ترشح منها البعث نظيفا نزيها متحديا الاستعمار وبراثنه وإفرازاته والرجعية وتنفيذيتها السلبية داخل المجتمعات العربية، وكانت المواجهة بالمستوى الفكري الصادق لما تميز فيه رفاق البعث بالصدق والصبر المتحرك وبالإرادة والتفاؤل في قبول التحديات لأنهم يعرفون أنفسهم ويدركون ان عملهم الفكري النضالي يتطلب صفة نضالية من نوع خاص لاجتياز المرحلة التاسيسة بنجاح لمواجهة الصعوبات والمعاناة اللاحقة إيمانا بتفاعلية العلاقة النضالية بالمعاناة، فعندما عقد المؤتمر التأسيسي الأول عام 1947 أشارت كلمة الافتتاح إلى مستويات الصعوبات التي واجهت النشأة والبداية،(لم يلاق حزب(1) من الأحزاب العربية ما لاقاه "البعث العربي" من صعوبة النشأة والبداية…..) ولكن امتلاك رفاق البعث الأوائل لرؤية المستقبل في طريق البعث كطريق منقذ امتحنت كفاءتهم الفكرية بالإيمان وكانت النتيجة التي تجسدت من خلال إيمانهم العميق في إيصال الرسالة وتحمل نضالية المشروع النهضوي الحضاري العربي باختيار الطريق الصعب ولما يحمله من عظم الأهداف في مواجهة التحديات الخارجية والداخلية واستطاع ان يدخل قلوب من سمع وقرأ منشورا أو مقالة أو حضر حديثا لرفاق البعث في حوارات الناس للفكرة الصادقة، حتى بلغ الشعب وعيا ان في كسب الفكرة مستوعبا صدق الرسالة التي يحملها البعثيون في مواجهة رواسب البيئة الاجتماعية وامتدادات الاستعمار والاستبداد في بطن الأمة.. (.. لأن الشعب أخذ ينظر إلى وجود "البعث العربي" كضرورة وطنية. فاتخذ الحزب لنفسه نادياً. وبعد عام من ذلك سمح له بإصدار صحيفة… ان نوع الصعوبة التي يلقاها حزبنا مختلف عما هو معروف عن صعوبات العمل السياسي، فهي ليست صعوبة التضييق على الحرية وتحمل الاضطهاد والسجن والاعتقال_وان كنا قد عرفنا شيئاً من هذا كله_وهي ليست كذلك ما يلقاه المناضلون من آلام الحرمان والأعباء، ولكنها صعوبة الصدق. صدق التفكير وصدق العمل، في مجتمع اختلطت فيه المفاهيم والتبست القيم. وليس أدل على وجود هذا الالتباس وذلك الاختلاط من أن يكون حزبنا الذي يدعو إلى وحدة العرب وحريتهم، ويعمل في سبيل رقيهم ونهضتهم، مقاوماً في بلاد أعدت لتكون أخصب تربة لنمو الحركات العربية السليمة، لولا ابتلاؤها بطبقة زيفت حقيقتها، وباعدت بينها وبين مهمتها الأساسية).
ألقدرة على التمييز: استطاعت الصفوة النضالية التي تمثلت في أوائل الرفاق في التمهيد والتأسيس التي أعطت أنموذجا في القيم والأخلاق الثورية والايجابية العالية عن الآخرين لاسيما وان التشابه الحركي السياسي الحزبي مع حركتنا موجودا في تلك الفترة ولكن نموذجية الفكرة والحركة المنقذة التي مثلها رفاق البعث سهلت وضوح طابع وجوهر البعث عن الآخرين أحزابا وحركات وشخصيات وقد تجلى ذلك بالذي اجاد فيه مؤسس الحزب بقوله..(ولكن صعوبة التمييز بين نوعين من الحركات المتشابهة في العنوان المتباينة في الجوهر، هي التي ضمنت لحزبنا ان يتألف من هذا النوع المتين المتفوق من الرجال الذين لم يقدروا على ذلك التمييز العسير والتفريق الدقيق إلا لأنهم اختصوا بقدر كبير من سلامة الطبع ونفاذ النظر وحرارة الإيمان بأمتهم، وصدق الغيرة على مصلحتها. هؤلاء الرجال الذين جاءوا إلى "البعث العربي" كانوا مؤهلين لأن يدركوا ان مشكلة العرب لم تعد في الاختلاف على إرادة الاستقلال والوحدة والنهضة بل على سلوك الطريق المؤدي إلى بلوغ هذه الأهداف. أي على نوع عقلية الفئة التي ترسم للأمة طريقها، وتتقدمها في هذه الطريق وعلى مدى تجردها وتحررها من كل ما يعوقها عن متابعة السير والاستقامة فيه. وبكلمة مختصرة كان رجال "البعث العربي" مؤهلين لأن يدركوا ان مشكلة العرب الأساسية هي مشكلة القيادة القومية(.
المعرفة والدراية: الحزب متمثلا برفاقه يعرف بما هية العمل النضالي الاجتماعي، والبعث ظاهرة اجتماعية تجاهر بحقيقتها ونموذجيتها النضالية والكفاحية على صعيد المجتمع والسياسية ولأهداف تاريخية فكان الفكر من خلال نضالية رفاق البعث يعمل وفقا للاستقراء الكلي فهو يعمل بشمولية عالية بعد ان هيئ أسس الانطلاق مؤمنا على المقدمات الصحيحة في الجوانب الروحية والفكرية والأداة التنظيمية باتجاه الممارسة أو التطبيق ألزم حياته الداخلية وفي علاقاته الاجتماعية السياسية ان لا يرتجل وان لايصطنع بل يستوعب ويتطور…(لم يكتف حزبنا بأن هيأ الجو الروحي والفكري والوسط العملي لظهور وتنشئة رجال القيادة الجديدة بل بذل جهداً كبيراً لمقاومة ضغط البيئة القديمة وبرهن على وعي وصلابة برفضه الاندماج مع الهيئات الأخرى ذات الأفكار والأساليب المرتجلة والتركيب المصطنع، كما برهن على حكمة وبعد نظر بإيصاده بابه في وجه الذين لم يقتنع بصدق تبنيهم لفكرته من الانتهازيين والوصوليين).
القوة المعنوية: لقد تناسبت طرديا قوة البعث معنويا مع قوة فكرته في تعميق فكري وعقائدي وتجربة لرفاقه في خلق جيل من القيادات النضالية التي تتحمل مسؤولية مراحل تاريخية من حياة هذا الحزب المقدام..(فهذه القوة المعنوية التي يملكها والتي هي ليست سوى التعبير عن قوة فكرته وقدرتها على صهر معتنقيها، ستسمح له بعد الآن ان يوسع نطاق دعوته، ويخوض ميدان العمل الشعبي الفسيح محققاً بذلك صفة من أثمن الصفات التي يتميز بها ويحرص عليها).
الفكرة الشعبية : البعث هو في حقيقته يمثل الشعب في معاناته وكدحه ونضاله وهو المحامي الملتزم لقضيته بالدفاع عن حقوقه في مواجهة الاستعمار والاستبداد والتسلط لبلوغ الأهداف… (لذلك كانت فكرتنا منذ ولادتها فكرة شعبية تعتبر الشعب أساسا وأصلا في بناء الأمة وفي حمل القضية القومية وتوجيهها وتنظيمها(.
الانقلابية: البعث منذ النشأة والتأسيس والتكوين يغذي الروحية الخلاقة من خلال تجسيد مفهوم الانقلابية على مستوى الذات والمجتمع لتحقيق التغيير الحاسم في مجرى حياة الأمة العربية لذلك البعث منذ البداية شرع بهذه الروحية بهدف التجسيد بدءا من تحقيق التنظيم الانقلابي في الحزب نحو تحقيقه استيعابا وتأثيرا ايجابيا على مستوى المجتمع لإحداث الثورة بكل معانيها وقوانينها ويتوضح ذلك من خلال المقتبس..(يؤمن "البعث العربي" بأن الوقت قد حان للشروع بتحقيق هذا الانقلاب لأن التأجيل يضعف من إمكانيات الانقلاب ويجعل توحيد الجهود القائمة متعذراً يوماً بعد يوم لأن المصالح الإقليمية والتمايز الطبقي ومؤامرات الاستغلال والاستثمار والتكتل الرجعي آخذة في الرسوخ والتقوي إلى حد يزيد في انعزال الشعب عن الحركة القومية ويضعف من إيمانه بمثلها العليا ويقضي على بذور الانقلاب بالذبول والانكماش….ان الجيل الذي شعر بهذه الحاجة في أمته شعوراً أسبق وأعمق وأقوى وأكثر جدية من غيره هو هذا الجيل العربي الجديد الذي استكمل شروطه وتهيأ تماماً لتحقيق الانقلاب المنشود. هذا الجيل الثوري يشق طريقه بالنضال ويلتقي بالشعب التقاء عميقاً ويقف وإياه جنباً إلى جنب في صف المعارضة للأوضاع القائمة والنضال من أجل أهدافه الكبرى في الحرية والوحدة والنهضة)…(للانقلاب شروط على نوعين: شروط ذاتية وشروط موضوعية – شروط ذاتية يجب أن تتحقق في نفوس الانقلابيين، في نفوس أعضاء الحزب وأنصاره، وشروط موضوعية تتعلق بالظروف الخارجية والظروف الداخلية ونمو المجتمع والثروة وشتى النواحي. فلو أهملنا الشروط الذاتية وتوفرت الشروط الموضوعية فلن يكون ثمة انقلاب لأنه لن يكون ثمة من يؤمن بهذا الانقلاب، ومن يعي أهدافه ومن يتصف بأخلاقه وبالإخلاص له حتى يحققه).
وضوح الموقف من الرجعية العربية : البعث فكرا ونضالا وممارسة وطني قومي حضاري تقدمي إنساني، يؤمن بصلة العروبة الإسلام ويؤمن بالجانب الروحي لكل الأديان، يقف ضد الإلحاد، ويفضح الحركات السياسية المغطاة بغطاء الدين وتلبس الرجعية العربية بالدين، ويحارب التدجيل باسم الدين، فهو ثائر على الرجعية العربية بكافة صورها ومضامينها، متوسما بالبعثي المناضل الالتزام بالسلوك الصحيح لخدمة المجتمع بكل اثنياته في إطار الوحدة الوطنية والقومية، وفي حديث للرفيق مؤسس البعث القي على الأعضاء والأنصار في طرابلس عام 1956م الموثق في الجزء الأول من كتاب في سبيل البعث تحت عنوان الموقف من الدين، تتجلى بوضح هذه الحقيقة..(نحن نعتبر أن الرجعية الدينية تؤلف مع الرجعية الاجتماعية معسكراً واحداً يدافع عن مصالح واحدة، وإنها أكبر خطر يهدد الدين. ان هذه الرجعية التي تحمل لواء الدين في يومنا هذا وتتاجر به وتستغله وتحارب كل تحرر باسمه وتدخله في كل صغيرة وكبيرة لكي تعيق الانطلاقة الجديدة، هي أكبر خطر على الدين، وهي التي تهدم مجتمعنا وتشوهه، فلولم نكن نحن ولو لم تكن حركتنا موجودة لتهدد المجتمع العربي بأن يشوهه الإلحاد، إذ أننا بمقاومتنا الرجعية الدينية بدون اعتدال وبدون مسايرة وبمواقفنا الجريئة المؤمنة منها، ننقذ مجتمعنا العربي من تشويه الإلحاد. ولكن هذا شيء والسلوك والتصرف شيء آخر، أو بالأصح يجب علينا أن نعرف كيف نترجم فكرتنا ترجمة عملية وكيف يجب أن يكون تصرفنا العملي مؤدياً إلى الغاية المطلوبة: ان جمهور شعبنا ما زال متأخراً وما زال خاضعاً لمؤثرات رجال الدين من شتى المذاهب والطوائف. فلو إننا ذهبنا إلى جمهور الشعب، وليس لنا غنى عنه إذ بدونه لا نستطيع أن نحقق أي تبديل أساسي في الحياة العربية، لو ذهبنا إليه بأفكار فجة وبأساليب غير محكمة وتصرفنا تصرفات هي أقرب إلى ردود الفعل والنزق والمرض النفسي منها إلى الإيمان بحركة منقذة، فأخذنا نطعن بالدين ونتبجح بالكفر ونتحدى شعور الشعب في ما يعتبره هو مقدسا وثمينا، نكون بدون فائدة وبدون أي مقابل أغلقنا أبواب الشعب في وجه الدعوة وأوجدنا ستارا كثيفا بيننا وبينه حتى لا يعود قابلا أو مستعدا لأن يسمع منا شيئا أو أن يسايرنا في نضالنا ودعوتنا.
فالمناضل ألبعثي يجب أن تتوافر فيه شروط صعبة جدا وتكاد تكون متناقضة، فهو حرب على كل تدجيل باسم الدين والتستر وراءه لمنع التطور والتحرر والإبقاء على الأوضاع الفاسدة والتأخر الاجتماعي، ولكنه في الوقت نفسه يعرف حقيقة الدين وحقيقة النفس الإنسانية التي هي ايجابية قائمة على الإيمان لا تطيق الإنكار والجحود، وان جمهور الشعب ليس هو العدو بل هو الصديق الذي يجب أن نكسب ثقته. صحيح انه مضلل مخدوع ولكننا نحن لا نستطيع أن نكشف له انخداعه إلا إذا فهمناه وتجاوبنا معه وشاركناه في حياته وعواطفه ومفاهيمه، فنحن في كل خطوة تخطوها نحوه نستطيع ان نطمع بخطوة من جانبه يأتي بها إلينا، لذلك يكون المناضل ألبعثي مهددا دوما بالخطر: فهو ان سلك هذا السلوك مهدد بأن يتزمت وان ترجع إليه عقليته الرجعية التي ثار عليها، وهو ان سلك سلوكا آخر معاكسا، إن شهر السيف على المعتقدات الخاطئة مهدد بأن يصبح سلبيا وان يخون ما في فكرة البعث من ايجابية…. أو ان يلتقي مع أي شكل من أشكال التحرر الزائف المقتصر على التظاهر والتبجح. إذن على المناضل ألبعثي، عندما يحارب الرجعية ويصمد أمام هجماتها وافتراءاتها وتهيجاتها وإثارتها، ان يتذكر دوما انه مؤمن بالقيم الايجابية والقيم الروحية وانه إنما يحارب تزييف القيم من قبل الرجعية ولا يحارب القيم نفسها. وانه عندما يساير جمهور الشعب ويتصرف تصرفا حكيماً معه دون أن يجرح عواطفه لكي ينقله تدريجيا إلى مستوى الوعي اللازم، عليه أن يتذكر انه رجل ثائر متحرر لا يقبل لنفسه ولا لأمته مستوى رجعيا رخيصا من الاعتقاد ولا صورة مشوهة للعقيدة الروحية، وان مسايرته للشعب ليست إلا وسيلة مؤقتة لكي يهيئه لأن يفهم الأمور الصعبة. ان ثقة ألبعثي بالإنسان عامة وبالإنسان العربي خاصة يجب أن تغريه دوما بالمزيد من الجرأة في مكافحة المعتقدات الخاطئة الجامدة، وان لا يحسب ان الأمة العربية لا تتحمل هذه الكمية من الثورة والتحرر فهي خصبة عميقة، وهي مختزنة لتجارب مئات السنين من الآلام، مئات السنين من التأخر والظلم، لذلك فهي مهيأة كل التهيؤ لان تتفجر وان تبلغ مستوى روحيا فيه كل الجرأة).
الاستنتاجات: يدرك مناضلوا البعث الجدل بين الثوابت والمتغيرات والجدل الذي يفهم وينطلق من تفاعلية العلاقة بين الأصالة والمعاصرة، ليجسد حالات التفاعل للأبعاد الزمنية بين الماضي والحاضر والمستقبل، بين النص وظرفه ألزماني والمكاني والإبداع وبما يخدم الحاضر وبرؤية للمستقبل،ويمتلك موازنات أساسها ومنطلقها الفكري في تحديد العلاقة بين الثبات والحركة، وإنّ الآيةَ الكريمة: ﴿كلّ يومٍ هو في شأن﴾تشير إلى أنّ السنَّة في التغيير الدائم والمستمرّ في حياة المجتمعات الإنسانية.
البعث مراجعا علميا لتراث الأمة العربية محللا وناقدا بناءا يأخذ بالمجيد ويترك الباقي كموروث يعبر عن فهم بعض المراحل السابقة التاريخية التي مرت بها الأمة، مقدما انموذجا يتبنى تطلعات الشعب ويدعو إلى ثقافة الوحدة والنهوض والعدالة الاجتماعية والى ثقافة الإخلاص والتضحية في مواجهة العدو والمخططات التي تواجهها الأمة،كتابات الرفيق المؤسس تنطلق من الثقة بالنفس وبالأمة وبالفكر الذي يتبناه باعتباره يشكل قوة تاريخية لاتقدر ولما يحمله من أخلاق ثورية وتقاليد وممارسات ثورية أصيله لخدمة الشعب في عصر جديد.
ان التراث الفكري لحزب البعث العربي الاشتراكي يمثل مدخلا لتفسير بعض الحالات والظواهر الاجتماعية والسياسية التي تعيشها الأوضاع الحالية في العراق وفي الأقطار العربية.
الخاتمة: بعد الذي حصل في تجارب الحزب، والمخططات والتحديات الدولية والاقليمة، يتطلب العودة إلى أنفسنا كحركة تحمل فكرا أصيلا يستوعب ويتطور ويتجدد في فهم جدلية الثابت والمتغير، وعلينا ان نعود بأنفسنا بالنقد الذاتي على المستويات الحزبية كافة عبر المؤتمرات والاجتماعات.وان نكون بمستوى الحذر والحيطة كي نتمكن من معالجة كل عالق سلبي وكل خطأ سبب إشكالا ومشكله وفي معالجة الاصطناع والتزييف لان البعث حركة ثورية صادقه..ويحضرنا هنا كلام للرفيق مؤسس البعث لذلك بقوله.. (.. فالحركة الصادقة الحية هي التي تبقى في صراع مستمر مع نفسها كما هي في صراع مستمر مع أعدائها ومع الأوضاع والقيم الفاسدة التي عليها ان تحطمها).
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.