ريم خليفة
منذ أن عصفت رياح التغيير السياسي بالمنطقة العربية مطلع العام 2011 وكل بلد عربي يتحول إلى منحىً معين. إما يستسلم لهذا التغيير كليّاً مثل تونس ومصر، وإما أن يحظى بدعم دولي للتخلص مما هو قائم من نظام سياسي عبر تسليح المعارضة وتشكيل تكتلات سياسية مدعومة مثل سورية وقبلها ليبيا، أو يقاوم التغيير بحلول مؤقتة ومعالجات أمنية كما في بعض دول الخليج. أو أن يتفادى ذلك بحزمة من الإصلاحات ترضي على الأقل شريحة الأحزاب السياسية المعارضة مثل المغرب، أو يعيش إضرابات واحتجاجات يومية تعالج بالحلول الأمنية مع استمرار ممارسات الإقصاء مثل البحرين.
هذا هو المشهد السياسي العربي الذي تعيشه البلدان العربية اليوم، ومن يقول عكس ذلك بحسب أكثر من مراقب؛ فإنه بلاشك ينكر واقع المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها الشعوب العربية التوّاقة إلى الحرية والتغيير. هذا التغيير الذي يحقق لها مفهوم الدولة المدنية ومعاملة الفرد على أساس المواطنة الحقيقية من دون النظر إلى أية اعتبارات أخرى، مثل الدين والعرق والاثنية والجنس والمذهب… والقائمة تطول.
والبحرين على مدى عامين تعيش احتجاجات سياسية بصورة شبه يومية في أكثر المناطق، وعلى رغم تقسيم المناطق إلى عوالم تعيش هذه الاضطرابات وعوالم أخرى تعيش أجواء البرامج الثقافية والسياحية والأنشطة الأخرى؛ فإن ذلك لا يغيّر من شيء سوى مزيد من الانقسام والاضطراب الذي هو امتداد لصراع طويل يعود إلى العشرينات، وهو ما يعني أن البحرينيين مازالوا غير راضين بوضعهم الحالي بسبب غياب الأصوات الأخرى وعدم الاعتراف بالتعددية التي تميّز مجتمع البحرين عن دول الجوار. بمعنى آخر، الآلة الإعلامية الرسمية مازالت تتكلم بلغة الصوت والفئة والمذهب الواحد، وذلك يؤثر على وحدة المجتمع البحريني ويُغرس مفاهيم التفرقة والكراهية التي نحن في غنى عنها؛ لأنها لن تحقق المرجو منها إلا لفترةٍ زمنيةٍ محدودة، تنتهي مع زوال العوامل الداعمة لمثل هذه الممارسات، وقد تترتب عليها محاسبة في مرحلة لاحقة، كما حدث في الدول العربية وغير العربية التي شهدت تغييرات ومحاسبات لمن اقترف جرائم بحق الإنسانية وحرية التعبير.
الحديث عن البحرين يطول وهو مؤثر؛ لأن الحل ليس بيد طرف واحد في المجتمع ولابد من الاعتراف بالمشكلة السياسية بدلاً من الإفلات منها، كما هو حاصل مع موضوع الإفلات من العقاب للمتهمين بالقتل، بما في ذلك شهادة تقرير بسيوني، وهم لم يحاسبوا؛ لأنهم يعتبرون فوق القانون.
الكثير مما حدث في البحرين، أصبح حقيقة موثّقة في تقرير السيد بسيوني، على رغم أن حتى هذا التقرير تم مسحه من كل المواقع في البحرين، وهو أمرٌ لن يغيّر الحقيقة؛ لأنه سيبقى شاهداً على ما جرى من انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان في العام 2011، ومازالت تلك الممارسات مستمرةً، فمثلاً الانتهاك في مجال حرية التعبير والتظاهر السلمي عبر وسائل مختلفة يبقى أسير القانون الذي لا يعترف بحرية التعبير، فتصدر أقسى الأحكام لوقف المطالبة بذلك.
المؤسف حقّاً أنه في خضم ما جاء ذكره؛ فإننا عندما نسمع أجانب مقيمين في البحرين يسألونك قبل محادثتك: هل أنت سني أم شيعي؟ فإذا أجبتهم بأنك سني قالوا إنك الأفضل وإن الشيعة هم الأسوأ، وعندما تقول إنك شيعي فينظرون إليك بريبة وشك ويسألونك أسئلة كما أنك في قفص الاتهام.
منذ حلول الأزمة ومثل هذا السؤال يتكرر ليحدد كيف ستكون المعاملة من قبل المقيم الأجنبي في أية مؤسسة أو أي مكان، وعندما تجيب بأنك بحريني فقط؛ يجبك: نعم، لكن من أي طرف؟ وهذه هي التفرقة العنصرية التي عزّزتها الآلة الإعلامية الرسمية بما فيها صحافتها الناطقة باللغة الانجليزية، التي لا تكفُّ عن الإساءة إلى شريحة كبيرة من المجتمع البحريني. فمتى يتم الاستيعاب بأن التعددية واحترامها جزءٌ من تركيبة وتاريخ الشعب البحريني تماماً مع حرية الرأي والتعبير والتظاهر السلمي؟