قاسم حسين
ليس احتقاناً سياسيّاً ولا مشكلةً عابرةً، وإنما أزمة عميقة تتعلق بالحاضر وتمتد إلى المستقبل.
قد تختلف الأطراف المحلية على التشخيص، وقد تدخل في جدليات لا تنتهي، لكن كما قال الإعلامي المعروف أسعد طه: «بوسعنا أن نقول لا شيء يجري في البحرين، غير أن ذلك لن يحل المشكلة».
في الأيام الثلاثة الأخيرة، تعطّلت الحياة في مناطق واسعة، قدَّرتْها «الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان» بـ 55 منطقة، وذلك تزامناً مع الذكرى الثانية لدخول قوات درع الجزيرة إلى هذه الجزيرة الصغيرة. وأغلقت المحلات التجارية، فيما فرّقت قوات الأمن عدداً من المسيرات الاحتجاجية باستخدام الغاز المسيل للدموع و«الشوزن» والقنابل الصوتية، ووقعت عشرات الإصابات والاعتقالات ومداهمة بعض المنازل. وقد كان واضحاً الاستنفار الأمني وحصار مداخل القرى ودخول المدرعات لبعضها. إنه مؤشر على وجود خلل، وإن الأمور ليست على ما يرام.
بدأت مظاهر الاحتجاج (إغلاق طرق بمخلفات البناء وجذوع النخل وإشعال إطارات…) في وقت مبكر من صباح الخميس، وبعد الظهر كانت الفضائيات تبث أخبار المصادمات والمواجهات. وقبل المساء كانت ثلاث من بين أكبر خمس وكالات أنباء عالمية، تبث تقاريرها الخبرية عن احتجاجات البحرين، فيما استبقت وزارة خارجية إحدى الدول الشقيقة ذلك بإصدار بيانٍ تحذّر فيه رعاياها من الاقتراب من المناطق التي تشهد إضرابات في مملكة البحرين، في سابقةٍ هي الأولى من نوعها على مستوى الإقليم. حين نعمد إلى نشر أرقام القادمين خلال هذا الأسبوع لن يحل المشكلة، ولن يبعث اطمئناناً لأشقائنا الخليجيين، الذين بدأوا يتساءلون: إلى متى تستمر الأزمة في البحرين؟ وقد تسرّب مؤخراً في الصحف الأجنبية وجود اتصالات خليجية مع كبرى جمعيات المعارضة، نفتها الجهات الرسمية.
الوكالات العالمية بثت أيضاً صوراً من داخل المناطق التي تتعرض لسيلٍ كثيفٍ من الغازات المسيلة للدموع. بعض اللقطات تبدو كالألعاب النارية، وبعضها شبيهٌ بصور حرب غزة (الرصاص المصبوب)، وبعضها لمتظاهرين يحملون لافتات أو زجاجات مولوتوف، أو فتيات ونساء يحملن العلم البحريني أو لافتات بها شعارات سياسية. من الصعب أن يتجاهل المراقب الخارجي هذه المشاهد، أو يصدّق أن هؤلاء ليست لهم مطالب معيّنة قد تكون محقة فعلاً.
هذه الصور تهتم الصحف الأجنبية بنشرها وإبرازها، لما فيها من جمالية وحرفية عالية تجذب النظر. وسائل التواصل الاجتماعي تنشر صوراً أخرى، من داخل المنازل أو ملتقطة من شرفاتها، وفي أكثرها رصدٌ لانتهاكات وتجاوزات. لقد باتت وسائل التواصل الاجتماعي طريقاً سريعاً لتبادل المعلومات.
حين تمر بشوارع هذه القرى المنكوبة، لن تخطئ عيناك وجود كميات كبيرة من عبوات مسيلات الدموع. هذه الروائح الخانقة تبقى عالقةً بالجو لأيامٍ تالية، بما تحمله من مخاطر صحية على الجهاز التنفسي والصحة العامة والبيئة على وجه العموم.
الجمعيات المعارضة دعت الجمعة إلى مظاهرة في الذكرى الثانية لإعلان حالة السلامة الوطنية، وهي مظاهرات أسبوعية يشارك فيها عشرات الآلاف من البحرينيين، نساءً ورجالاً، أطفالاً وشيوخاً، يحملون الأعلام الوطنية، ويردّدون شعارات سياسية ويطالبون بالحرية والكرامة والديمقراطية الحقيقية. وفي الأسابيع الأخيرة أضيف إليها استفتاء الشعب على أية توصيات يخرج به أي حوار.
عادةً ما تختار الجمعيات الإجازة الأسبوعية، ومن يخرجون من بيوتهم للمشاركة فيها ليسوا حتماً من هواة المشي في الشوارع لشمّ النسيم، وإنّما لديهم رسالةٌ ومطالب محقة ينتظرون تحقيقها وإن طال الزمان.