قاسم حسين
من الأخبار التي ستبقى تثير الكثير من علامات التعجب والاستغراب، على المستويين المحلي والدولي، وجود نخبةٍ من الأطباء والاستشاريين البحرينيين في السجن.
الخبر منذ بدايته وهو يصنف في خانة الأخبار غير الطبيعية، لأنه يعكس حالة شاذة تماماً. وهو موضوع أثار الكثير من الانتقادات للسلطة في البحرين، سواءً من المنظمات الحقوقية أو عواصم الدول الحليفة الكبرى، أو حتى المؤسسات المهنية العاملة في الميدان الطبي.
في سياق متابعتها لهذا الملف، غطت «الوسط» يوم السبت الماضي خبر احتجاز الطبيبين الاستشاريين علي العكري وسعيد السماهيجي (طب عيون)، بالإضافة إلى إبراهيم الدمستاني نائب رئيس جمعية التمريض البحرينية.
الخبر تسرّب إلى مواقع التواصل الاجتماعي، ما أثار مخاوف العوائل، وخصوصاً مع انتشار خبر تعرضهم للضرب. وهي ممارسة قديمة كنا نظن أن إدارة السجون قد تجاوزتها منذ أمدٍ بعيدٍ، واستبدلتها بطرق معاملة أكثر رقياً واحتراماً لحقوق الإنسان، وخصوصاً بعد تنظيم عدة دورات لمنتسبي الداخلية في هذا المجال، فضلاً عن وجود أربع مؤسسات أهلية تعنى بحقوق الإنسان، وثلاث منظمات رسمية تعمل تحت الشعار ذاته. ومع ذلك لم يصدر بيانٌ من أيٍّ منها – فيما نعلم – ينتقد هذه المعاملة الحاطّة بكرامة الإنسان، بما فيها وزارة شئون حقوق الإنسان.
العوائل حاولت الاتصال بسجن جو المركزي للاطمئنان على سلامة ذويهم دون نتيجة، ما عمّق المخاوف من وجودهم في أوضاع سيئة، ودفعها لمناشدة الهلال الأحمر البحريني للتدخل في هذه القضية، وربما هي المرة الأولى في تاريخ البحرين التي يلجأ فيها الأهالي إلى هذه المؤسسة لمعالجة هذا الوضع غير السار.
العكري والدمستاني شابان في منتصف العقد الرابع، بينما زميلهما السماهيجي في حدود الستين، وسبق أن تدهورت حالته الصحية بعد تعرضه إلى جلطة، اضطرت الدولة إلى نقله لتلقي العلاج في الأردن، وعاد بعد أسابيع على كرسي متحرك. حتى عامل السن لم يؤخذ في الاعتبار عند إدارة السجون.
الشهر الماضي نشر محامي السماهيجي مضمون رسالته من السجن، يشرح فيها معاناته الصحية والنفسية في ظل سوء المعاملة المستمرة حتى بعد صدور الحكم. والمفترض أن تتوقف كل أشكال التعذيب النفسي والجسدي، وسوء المعاملة المتعمدة، بعد صدور الحكم وتحوّل الشخص من وضعية معتقل إلى سجين. إلا أن رسالة السماهيجي كشفت استمرار تلك المعاملة السيئة، حتى على مستوى قطع المياه عن السجناء، وعدم توافر مياه دافئة خصوصاً في أوقات الفجر في ذروة البرد القارص في شهر يناير/ كانون الثاني. وكان مؤسفاً جداً أن نقرأ أكثر من عشرة طلبات بعضها أساسي وملحّ، وبعضها مما يخفف وطأة السجن على المقيم فيه، مثل السماح بدخول ملابس داخلية واللوازم الصحية والعلاجات.
السجن ليس للتعذيب وإنّما للإصلاح (مع تحفظنا التام على استخدام المصطلح في حالة سجناء الرأي) كما تصرّ وزارة الداخلية في نشرتها وأدبياتها، وهو ما أرادت تأكيده خلال العقد الماضي حين غيّرت اسم السجون إلى «إصلاحيات»، لكن دون أن يتغيّر الجوهر والمضمون.
ما جرى للكوادر الطبية يعيد طرح السؤال من جديد: متى ينتهي التعذيب الجسدي والنفسي الممنهج في سجون البحرين؟