منصور الجمري
في السنوات الأخيرة انتشر الوعي بالحقوق وبالديمقراطية بسبب ارتفاع مستوى التعليم، وانفتاح العالم على بعضه، وتطور وسائل انتقال المعلومة. وعليه، فإن المجتمعات في كل مكان تعي أن لها «حقوقاً» وأن المواطنة الكاملة لها خصائص واضحة، وأن هذه الحقوق والخصائص أصبحت عالمية، بمعنى أنه لا يمكن أن نقول إن شخصاً ما في كوريا الجنوبية، أو البرازيل، أو أوروبا الغربية، يحق له التمتع بها بينما يُحرم منها آخرون في مناطق أخرى في العالم.
«المواطنة» تعني تمتع الشخص بحقوق الإنسان على أساس الكرامة والمساواة من دون تفريط في أيٍّ منهما، وتعني تمتع الشخص بحق المشاركة في الحياة العامة، بما في ذلك الوصول إلى المواقع المتقدمة في صنع القرار، وتعني أن ثروة الوطن العامة ملك لجميع المواطنين الذين يديرون هذه الثروة بحسب الطرق الحديثة لإدارة الدولة، وذلك من أجل مصلحة الجميع. المواطنة تعني القدرة على إحداث التغيير في قضايا الشأن العام عبر الوسائل السلمية وعبر الطرق الدستورية التي تتسق مع اتفاقيات حقوق الإنسان ومع الضوابط المعترف بها دولياً.
«استنقاص» المواطنة يعني عدم توافر الحقوق والخصائص لشخص ما لممارسة دوره بصورة طبيعية. واستنقاص المواطنة يظهر بصورة جلية عندما يعجز المواطنون (أفراداً وجماعات) عن التواصل مع، والوصول إلى، أروقة صنع القرار السياسي. وفي هذا السياق يشعر الناس بالإحباط لعدم قدرتهم على انتخاب من يمثل رأيهم، وعدم قدرتهم على إيصال مطالبهم بشكل عادل وفعال، وذلك لانسداد العملية السياسية وانغلاقها في إطار ضيق.
هذا الاستنقاص للمواطنة قد يصبح أكثر تعقيداً عندما يحاول البعض أن يقول بأنه أمر طبيعي، بل ومطلوب، ربما «لأننا شعوب لدينا ثقافة مختلفة»، أو أن المواطنة الكاملة ستؤدي إلى اختلال المجتمع القائم على تركيع هذه الفئة أو تلك لأي سبب من الأسباب، الخ.
في وضعنا البحريني فإن تبرير استنقاص المواطنة يأخذ غطاءً طائفياً، وبلادنا أصبحت «مستقطبة» بين أتباع هذه الطائفة وتلك بشكل متزايد. هذا الاستقطاب انعكس على الإجراءات والقرارات الرسمية المعمول بها حالياً، حتى لو كانت هذه الإجراءات والقرارات تتحدث بلغة وطنية من الناحية العلنية، ولكنها على أرض الواقع تنفذ من أجل تعميق الاستقطاب. لعل البعض يرى أن «الاستقطاب» سبب للأزمة الحالية، ولكن في الواقع أن «الاستقطاب» يُستخدم أداة شرسة من أجل «استنقاص» المواطنة، والحقيقة أيضاً أن هذا الاستنقاص يطال الجميع من دون فرق، ولو بأنماط مختلفة.