في مثل هذا اليوم قبل عامين كان بلدنا وشعبنا على موعد مع ميلاد الانتفاضة الشعبية التي تفجرت في 14 فبراير 2011، ومفجرة معها كل الطاقات المحبوسة والمطالب المؤجلة والحقوق المهضومة، وقد أتخذت من دوار (اللؤلؤة) رمزاً لهذا الحراك الوطني رافعة شعار الإصلاح والتغيير، منادية بالعدالة والحرية والمساواة، ولم تكن هذه الانتفاضة والمطالب التي تصدرتها، مجرد حركاً عادياً أو مصادفة، إنما كان المشهد السياسي أنذاك يحمل معه العديد من المؤشرات والوقائع السياسية والاجتماعية، التي جمعيها تكشف حجم النواقص والثغرات في البنيان السياسي والدستوري في البلاد، وتراجع مستوى الحريات، وتزايد إنتهاكات حقوق الإنسان، بالإضافة إلى تردي الأحوال الاجتماعية والمعاشية للموطنين وتفشي الفساد، وقد جاءت الثورات والانتفاضات في العديد من الدول العربية الكبرى لتخلق الظروف المناسبة للحراك الشعبي الوطني في البلاد، خاصة وإن جميع تلك الدول التي شهدت هذه الثورات قد عملت على إعادة صياغة أنظمة الحكم والدولة فيها.

لذلك جاء الحراك الشعبي في 14 فبراير كرد طبيعي ومشروع على الأوضاع السياسية والاجتماعية المضطربة التي تعاني منها البحرين وفي ظل إنعدام أفق الاصلاحات السياسية والدستورية الحقيقية، حدث هذا الحراك قبل أن يتم الأنقضاض عليه من قبل السلطات ، والقيام بحملة شرسة ضد كل المشاركين فيه وضد كل القوى السياسية المعارضة ورموزها وقادتها، مما أدى إلى سقوط العشرات من الشهداء والمئات من السجناء والضحايا والمفصولين من وظائفهم، مما أدخل البلاد في أزمة سياسية واجتماعية خانقة، دفعت –ولازالت بلادنا- جراءها تكاليف باهضة على كل المستويات السياسية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية، وإنعكاس كل هذه الأوضاع المأزومة على الوحدة الوطنية، وأحداث شرخاُ خطيراً في اللحمة الوطنية، نظراً لغياب البعد السياسي الوطني، وحضور البعد الأمني الطائفي، الأمر الذي كشف دور القوى المتضررة من الإصلاح السياسي والديمقراطي، وإختيارها طريق الحلول الأمنية والعسكرية لقطع الطريق على الحل السياسي الذي وفرته مبادرة سمو ولي العهد بمبادئها السبعة المعروفة، والتي رحبنا بها مع القوى السياسية المعارضة وتعاطينا معها بإيجابية تامة.

واليوم إذ تحل علينا هذه الذكرى بكل ما تحمله من تداعيات وتطلعات، فأننا نؤكد مجدداً ان الطريق الصحيح لمعالجة الأزمة في البلاد هو إخراجها من المربع الأمني والنظرة الطائفية، والعودة بها الى الرؤية السياسية، وحيث ان مسألة الحوار قد عادت تتصدر المشهد السياسي الراهن، فأن التجمع القومي الديمقراطي يؤكد إيمانه المطلق بالحوار كضرورة وطنية، خاصة في وقت الأزمات واحتدام الخلافات السياسية والاجتماعية، والإيمان به كمنهج حضاري يوصل الى هدف الإصلاح السياسي واليمقراطي الذي ننشده الى بلدنا.

وفي هذا الصدد يمكن التأكيد على جملة من الحقائق وهي:

1-ان أوضاع المنطقة العربية تشهد تحولات كبرى، لا يمكن معها العودة أو الاصرار على استمرار الأوضاع السابقة التي ترتكز على أدوات القمع والاستبداد ومصادرة حريات الناس، لذلك يتم في كل الدول التي شهدت الثورات والانتفاضات الجماهيرية الشعبية إعادة صياغة مفهوم الدولة والحكم، والبحرين لا يجب ان تكون خارج هذا السياق.

2-ضرورة تحديد أولويات المرحلة، وإقرار حقائق الواقع السياسي والتي تؤكد جميعها ان الأزمة الراهنة في البلاد هي أزمة سياسية ودستورية، مما يستوجب على السلطة الإقلاع وبصورة نهائية عن التفكير في الحلول الأمنية واستمرار الانتهاكات التي تزيد الأمور تصعيداً.

3-استحالة استمرار المعادلة السياسية الاجتماعية بكل ما تحمل من خلل فاضح ومزمن، وهو ما يستدعي إعادة التوازن المفقود في هذه المعادلة، من أجل وضع البلد على طريق العدالة والإنصاف ومشاركة الجميع في القرار الوطني.

أما بخصوص الحوار الذي بدأت جلساته الأولى قبل أيام، فأن التجمع القومي الديمقراطي يؤكد على ضرورة أن ينطلق هذا الحوار من أسس واضحة وعادلة، كما يؤكد على أهمية توفر الإرادة السياسية الصادقة التي هي وحدها قادرة على المضي بهذا الحوار الى خاتمة يتحقق معها مطالب شعبنا العادلة والمشروعة، وفي المقدمة منها التوافق على بنيه وشكل الدولة المدنية التعددية الديمقراطية التي تعكس طبيعة تعددية المجتمع البحريني، وتأكيد مبدأ الشعب مصدر السلطات والشراكة السياسية الحقيقية التي لا يمكن أن تتحقق بدون إعادة صياغة الهياكل السياسية والدستورية والتشريعية في البلاد، وإنطلاقاً من هذه الرؤية، فأننا نؤكد على بعض الأسس والمبادئ التي نرى ضرورة اعتمادها وهي:

1-ان تكون قاعدة انطلاق الحوار قاعدة وطنية وليس طائفية، وان تكون أطراف الحوار بما فيها السلطة معبرة عن هذه الحقيقة.

2-ضرورة تهيئة أجواء الحوار وخلق الأرضية المناسبة لإنجاحه عبر إقدام الدولة على بعض الخطوات والإجراءات التي تعكس حسن النوايا، وتساعد على لـّم الشمل وتعزيز الوحدة الوطنية، وإعادة بناء جسور الثقة التي تصدعت، والتي يتحمل الإعلام الرسمي المسئولية الكبرى في هذا التصدع.

3-يؤكد التجمع التزامه التام بالرسالة التي تقدمت بها القوى السياسية المعارضة حول رؤيتها للحوار الجاد والتي تضمنت تسع نقاط حول مفهوم الحوار وآلياته، وكذلك أجندة الحوار والجدول الزمني، إضافة الى آلية تنفيذ الاتفاق النهائي وكذلك ضمانات التنفيذ.

4-يؤكد التجمع القومي على ضرورة التقيد التام بتوصيات تقرير لجنة تقصي الحقائق وتوصيات مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة.

5-يؤكد التجمع تقبله وإنفتاحه على كل الأفكار والرؤى للقوى السياسية الأخرى، ويدعو الى نقاشات هادئة ومثمرة من أجل التوصل الى اتفاق ينهي الأزمة الحالية وأية أزمات مستقبلية تجعل البلاد ساحة مكشوفة للتدخلات الخارجية المرفوضة.

التجمع القومي الديمقراطي

14-2-2013