ريم خليفة
تحمل الساحة البحرينية الكثير من الشدِّ والجذب في موضوع الحوار الذي من المفترض أن يبدأ اليوم (الأحد) بحسب ما أُعلن رسميّاً من قبل الجهات الحكومية وانتشر إعلاميّاً عبر وسائل الإعلام المختلفة، لكن القوى السياسية المعارضة أقرت أمس (السبت) في اجتماعها أنها مازالت في حالة تشاور، وأنها ستعلن قرارها النهائي في مؤتمر صحافي يقام في الواحدة من ظهر اليوم.
لكن المتتبع لما يجري في المشهد البحريني – بحسب المراقبين – يجد أن البحرين بلد مثقل بعدد كبير من المشاكل القديمة والجديدة التي حلَّت مع الأزمة وصاحبتها لتفتح صفحات أخرى هي في غنى عنها.
إن استمرار سياسة إنكار المشكلة السياسية والسعي إلى حماية الفئات المنتفعة من أحداث البحرين على مدى عامين؛ لن يغير من الواقع شيء، بل ستبقى بصمة عالقة في الذاكرة البحرينية موثقة، وسيتذكرها جيل بعد جيل وخاصة أن زمن المعلومة أصبح واسعاً ومتعدد الوسائط وليس من السهل نسيان ما حدث من آلام. إن البعض استخدم اختلاف الرأي في ما حدث من أجل شق المجتمع وتفريقه، لكن هذا النهج خطير على البحرين، ونحن نعلم أن المشكلات التي نمرُّ بها يعاني منها الجميع من دون فرق.
إن الدافع للحوار يجب أن يكون من أجل تصحيح الأخطاء السياسية التي أدت إلى تدهور الأوضاع، وليس استكمالاً لحوار مختلف عليه من الأساس؛ لأن الحوار الذي سيخرجنا من الأزمة إنما هو الحوار الجاد والحقيقي الذي يظهر الحقيقة كاملة، وهذا يتطلب الإصغاء لجميع الأطراف والالتزام بأصول الحوار المتمثلة في الإصغاء والاعتراف بالمشكلة تمهيداً لفتح صفحة جديدة.
إن حل المشكلة لا يمكن تحقيقه إلا بالاعتراف بالمشكلة من قبل الجميع، وعلى رأسهم السلطة التي تملك كل الإمكانات بيدها بصورة منفردة، ولذلك يجب أن تتحمل الجزء الأكبر من المسئولية وأن تكون طرفاً مباشراً في عملية الحوار.
لا يمكن أن ينجلي الحل السياسي طالما هناك سياسات تفسح المجال للإفلات من العقاب، ونلاحظ أن هذه السياسة هي التي أفسحت المجال لازدياد التعنت والتطرف في المواقف، كما نرى أن الكثير من التصريحات الرسمية؛ تتعامل مع الوضع بصورة غير واضحة، بل الأسلوب يضر أكثر مما يخدم الصالح العام.
إن المطالب الإصلاحية التي تطالب بها المعارضة لا تختلف كثيراً عن المطالب التي يطالب بها أي مواطن بحريني حتى لو حاول البعض تصنيفها وكأنها معيشية من دون أفكار إنسانية جامعة، فالبحريني سواء كان من الحد أو من سترة، أو من الرفاع أو جدحفص هو إنسان يعيش في عالم متغير، والمشتركات بين بني البشر واحدة؛ لأن الكل يسعى إلى تحقيق العيش الكريم والأمن من خلال العدل.
في الوقت الراهن؛ فان البحرين تحظى بعالمين مختلفين ظاهريّاً، واحد يحمل مشهداً مضطرباً من مظاهرات وصولاً إلى الزجاجات الحارقة وسيارات أمنية ونقاط تفتيش وحواجز وكاميرات، وآخر يتكلم عن فعاليات وإنجازات ومؤتمرات وحفلات غنائية تقام في مناطق بعيدة وشبه فارغة عن تلك الأحياء والشوارع والمناطق التي تعجُّ بتفاعلات الناس التي مازالت تريد من يسمعها بصوت عال؛ لأنها ما عادت تتحمل، ولأن وقود هذه التفاعلات هم الشباب.
إن الشباب هو من يخرج وهو من يصرخ وهو من ينظر وهو من يغير وعلينا أن نكسب الشباب بدلاً من أن نستعديهم، فهم أبناء الوطن وهم لا يتسلمون أوامر من دولة أجنبية كما يقول ذلك من يحاول إنكار المشكلة.
إن حركات الشباب هي الحركات التي غيرت وجه المجتمعات عبر التاريخ، وهؤلاء يصعب الضحك عليهم بحلول مؤقتة أو بفتات لا يغير من شكل المشكلة القائمة في البحرين.
إن تقريب وجهات النظر لا يحتاج الى طاولة حوار فحسب، بل إلى المكاشفة والمصارحة من السلطة ومع السلطة، وهذا يتطلب جرأة حقيقية كما حدث منذ سنوات في المغرب الذي خطى خطوات تصحيحية باتجاه انتهاكات حقوق الإنسان وقام بتصحيح أخطاء النظام التي ارتكبها، وشاهدنا كيف سارع المغرب قبل عامين الى امتصاص غضب الشباب عبر خطوات كبيرة جعلته في مأمن من مد الربيع العربي الذي انطلق في مطلع 2011.
إن الاعتراف بتبني سياسات خاطئة على مدى عامين، والانفتاح على حل تراكمات تاريخية للمشكلة بين السلطة والمجتمع البحريني سيكون البداية الصحيحة لحوار حقيقي.
لقد كان العام 2011 نقطة تحول للبحرين ولمجتمعها الذي مازال يطالب ببيئة سياسية تعترف وتقر بتعددية المجتمع بكل تلاوينه وأطيافه.