منصور الجمري
لأسلوب الذي أعلنت عنه وزارة العدل للبدء بالحوار مع الجمعيات السياسية ليس مفهوماً أو معتاداً في عالم السياسة اليوم، ولو اتبعته الدول الأخرى لما تحقق أي شيء له معنى. لنأخذ أي مثال من عالم اليوم ومن ثم نطبق عليه الأسلوب الذي اقترحته وزارة العدل البحرينية وسنكتشف ما إذا كان مناسباً إلى عالم السياسة.
لنأخذْ مثلاً النقاشات الجارية حاليّاً بين الاتحاد الأوروبي وشركة «غوغل»… إذ إن هناك شكاوى من أن شركة «غوغل» تستخدم قوتها في عالم الانترنت بطريقة لا تفسح المجال للتنافسية مع الخيارات الأخرى. وحاليّاً؛ فإن الاتحاد الأوروبي كلف أحد أهم المفوضين (برتبة وزير أوروبي) وهو «جواكين المونيا» للتفاوض مع الشركة قبل أن يتخذ قراراً في القضية المرفوعة ضد «غوغل».
لو أن الاتحاد الأوروبي اتبع أسلوب وزارة العدل؛ فإن المفوض الأوروبي سيصدر تصريحاً يقول فيه، مثلاً، «إن على شركة غوغل أن تقترح ستة أشخاص، وعلى منافسي غوغل أن يقترحوا ستة أشخاص آخرين، وسأعين ثمانية أشخاص ليصبح العدد 20 شخصاً… ومن ثم فإن على هؤلاء أن يجتمعوا ويتحدثوا فيما بينهم، وعندما يتوصلون إلى توافق فيما بينهم؛ فإنني سأعمل بنتيجة ذلك التوافق وسأعمل على تنفيذه عبر البرلمان الأوروبي، وهذا سيتطلب طرح مشروع قانون تتم مناقشته والتصويت عليه، وبعد ذلك ستقوم المفوضية الأوروبية بتنفيذه».
لنتصور ردود الأفعال العالمية على هذا التصريح، وكيف، مثلاً، ستضحك شركة «غوغل» كثيراً؛ لأنها تستطيع منع أي توافق، إذا لم يوجد أي محفز يجبرها على التنازل لمنافسيها، ثم إن عدم التوافق سيصب في مصلحتها، ولذلك؛ فإنها لن توافق على أي شيء، وبما أن المفوض قد ربط مصير الحوارات بموافقة الجميع؛ فان على الجميع الانتظار إلى ما لا نهاية من دون أن يتحقق شيء.
طبعاً من المستحيل أن يعتمد المفوض الأوروبي أسلوب وزارة العدل البحرينية؛ لأن ذلك معناه تخلي المفوضية عن دورها، بل إنه ينفي أي ضرورة لوجودها من الأساس. ولذلك، فان المفوض الأوروبي له أسلوب آخر، وهو الأسلوب نفسه المستخدم من جميع المشتغلين في عالم السياسة في عصرنا الحالي. وعليه؛ فإن تصريحه اختلف كثيراً عن التصريح البحريني، إذ قال للصحافة مؤخراً: «نحن لدينا محادثات مع شركة غوغل في محاولة للتوصل إلى تسوية، لكننا لم نصل الى تسوية حتى الآن… لقد تواصلنا مع جميع الأطراف وأبلغناهم بما يقلقنا، نظراً إلى نتيجة الاختبار الذي طرحناه في السوق، وفريقنا يتحدث معهم باستمرار، وأنا أتابع عن كثب هذه المحادثات». إن أسلوب الحوار الفعال ليس موضوعاً مبهماً، كما أنه ليس أمراً مستحيلاً.