قاسم حسين
قبل أسبوع، خرجت إحدى الصحف المحلية بمانشيت عن مطالبة إحدى الوافدات الأوروبيات بالمشاركة في «حوار التوافق الوطني».
الوافدة من أصول بريطانية اسكوتلندية، أنشأت لنفسها تنظيماً جديداً باسم «اتحاد الجاليات الأجنبية»، ونصّبت نفسها أميناً عاماً وناطقاً رسمياً باسم التنظيم الجديد! ويقول بعض العارفين السياسيين إنها لم تتحرّك من تلقاء نفسها، وإنّما حرّكتها قوةٌ دافعةٌ خارجيةٌ، ويدٌ خفيةٌ لإعلان التنظيم الجديد، للزجّ بها في معترك السياسة المحلية، وإقحامها في هذه الأزمة السياسية التي تعيشها البحرين، مقابل ما تتحصل عليه من منافع وخدمات.
وسواءً كانت دافعةً أو مدفوعةً أو مدفوعاً لها، فإن التناقض الصارخ في هذه العملية، هو أن الجهات التي تملأ الدنيا صراخاً وتخويناً للمعارضة الوطنية بسبب حراكها الإعلامي لإيصال صوتها ورأيها للعالم الخارجي، هي نفسها التي تسكت عن هذه العملية المشبوهة، بالزجّ بكتلةٍ بشريةٍ أجنبيةٍ كبيرةٍ، في الشأن المحلي البحريني.
لم يحدث في أيّ بلدٍ من بلدان الربيع العربي أو غير الربيع العربي، في شرق الأرض وغربها، أن أقحمت جالياتٌ أجنبيةٌ قصداً في خلافاتها الداخلية أو الزجّ بها عمداً في أزماتها السياسية. وخطورة ما يجري لا ينحصر في هذا اللعب السياسي المرحلي فقط، بل ما سيمثله ذلك من سابقةٍ على مستوى دول الخليج جميعاً، التي تحاول الإفلات من الضغوط الدولية بما فيها الدول المصدّرة للعمالة.
من الأساس تبدو العملية مدعاةً للسخرية، أن تتزعم إحدى أفراد جالية أقلية اتحاداً باسم جميع الجاليات، التي يمثل الآسيويون أغلبيتها، في استهتارٍ واضح بأسس الديمقراطية التمثيلية، (علماً بأن الهنود يمثلون اليوم نصف الأجانب البالغ مجموعهم 600 ألف نسمة). ولا ندري من الذي انتخبها أساساً، ومن الذي وكّلها أصلاً للحديث باسمه، ومن الذي فوّضها هذه السلطة حتى تطالب بالمشاركة في «حوار توافق وطني بحريني».
هذه العملية استهتارٌ بالعقول، وبالتاريخ، وبهوية هذا البلد، وهي مناورةٌ سياسية قصيرة النظر، لا تنظر للعواقب والمآلات، وخصوصاً مع استعداد بعض الأفراد الأجانب للعب هذه الأدوار الوضيعة، وعرض أنفسهم كمخالب قط لمشاغبة القوى الوطنية المطالبة بالعدالة والديمقراطية الحقيقية والمساواة.
في السنوات السابقة، حين تقع حوادث أمنية أو احتجاجات سياسية، كانت بعض الصحف تنشر مقالات بأسماء مجهولة (غالباً ثنائية دون لقب أو اسم عائلة)، تطرح رأياً أمنياً وتطالب بالقمع الشديد. وكانت تُنشر في عددٍ من الصحف في يومٍ واحد، ما يدل على وجود جهةٍ تنسيقيةٍ واحدة. وكانت العملية مكشوفة بالنسبة لنا كصحافيين، إذ نكتشف أحياناً كتّابها من خلال ما يستخدمونه من كلمات، يلجأون إلى التخفي تحت أسماء وهمية. وأحياناً يكتبها أشخاصٌ غير عاملين بالصحافة، وإنّما في أجهزةٍ أخرى، وبعضهم من إدارات العلاقات العامة، على أن يكون هناك «كود» خاص في المقال، لمعرفة صاحبه لدى الجهات المموّلة لضمان مكافأته مادياً (ويتراوح المخصّص المالي بين عشرة دنانير وثلاثين ديناراً، وربما وصل إلى الخمسين تبعاً لمنزلة من تشتمهم أو تحرّض عليهم)!
في الأسابيع الأخيرة، انتقلت هذه الظاهرة إلى الصحافة الناطقة بالانجليزية، فتكتب (سالي) من سار، و(مارغريتا) من سترة، و(ماجي) من جنوسان! كتاباتٌ هي ترجمةٌ حرفيةٌ لمقالات الشتم والتخوين والبذاءات التي تقرأونها بالعربية في الصحف التي لا يتردّد أصحابها عن التعبير عن كراهية شعب البحرين دون حياء، في مدٍّ عنصري جديد.