هاني الفردان
قبل الولوج في حيثيات مسودة المشروع الحكومي الجديد لقانون جديد بشأن «المنظمات الأهلية»، ليكون بديلاً عن قانون «الجمعيات الأهلية والأندية الاجتماعية والثقافية» المعمول به حالياً، والصادر في العام 1989، أحببنا أن ننوه إلى أن الدولة عملت منذ 2007 على مشروع قانون جديد بالتعاون مع المنظمة الدولية لقانون الجمعيات (ICNL)، وبعد أخذ ملاحظات الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) على المسودة، ومنظمات المجتمع المدني، ليشكل نواةً لقانون متطور ومواكب للعصر وتوافقي، على حدِّ قول الوزيرة فاطمة البلوشي في نوفمبر/تشرين الثاني 2007.
إلا أن السلطة التنفيذية قدمت منفردةً قبل أيام مشروعاً جديداً مختلفاً جداً عن ما نشر من قبل، من مسودة لقانون المنظمات الأهلية (مسودة العام 2007، وكذلك 2009)، وعللت الحكومة في ديباجتها للمسودة الجديدة أن المشروع الجديد جاء «استجابةً وتنفيذاً لمرئيات حوار التوافق الوطني»!
والسؤال الذي نطرحه، هل ما سُمي بـ «حوار التوافق الوطني» كان لإصلاح مكامن الخلل في البلاد، أم لإرجاعه إلى الوراء بقوانين تعيدنا لعهد قانون أمن الدولة، وسيطرة الأجهزة الرسمية على كل شيء؟
مقارنة بسيطة وسريعة نجريها بين المسودة الجديدة، ومسودتي العامي 2007 و2009، وقانون 1989 لنكتشف ببساطة أن السلطة تريد أن تعيدنا من جديد سنواتٍ للوراء، من خلال استعراض بعض المواد وليس كلها، وبحجة «التوافق الوطني عليها»!
في المسودة الجديدة، استحدثت السلطة أمراً جديداً لم يكن موجوداً من قبل، وهو «حظر تأسيس منظمة أهلية على أسس طائفية أو مذهبية (…)»، ولم تُشِر المسودة لأي ضوابط، وتركت الأمر للسلطة التنفيذية وصلاحيات الوزير في تقرير ما إذا كانت المنظمة الجديدة «طائفية» أم لا! وهو ما يعني أن الوزير أو المسئول سيحدد ذلك وفقاً لـ»أيدلوجيته» وتركيبته، فإذا كان يميل لمكوّن ما، سيرفض منظمات المكوّن الآخر بدعوى الطائفية، وهو ما سيفتح المجال لرفض أية منظمة لا توالي السلطة بدعوى «الطائفية» ووفقاً للقانون.
في المسودة الجديدة أعطي للسلطة التنفيذية الحق في رفض طلب قيد المنظمة الأهلية إذا كان المجتمع في غير حاجة لخدماتها، أو إذا تبيّن أنه يخالف أياً من أحكام هذا القانون، أو أنه قدّم بقصد إحياء منظمة أخرى سبق حلها أو دمجها في منظمة أخرى». وهذه المادة مطاطية أيضاً، لدرجة تعطي السلطة التنفيذية حق رفض أية منظمة جديدة، فقط لأنهم يرون بأن المجتمع ليس في حاجتها، وهو مسوغ قانوني للحد من وجود أية منظمات لا ترتضيها السلطة.
وهو الأمر الذي يتوافق مع القانون الحالي الصادر في العام 1989 الذي نصّ على ذات الأمر، مع إضافةٍ كانت موجودة «إذا كان إنشاؤها لا يتفق مع أمن الدولة أو مصلحتها»، إذ أزالت السلطة هذه الفقرة من المسودة الجديدة لأنها تشير بوضوح لذكرى زمن «أمن الدولة»، وأبقت على الأمور الأخرى التي تحقّق الغرض ذاته.
في مسودة العام 2009 (نشرتها «الوسط» في سبتمبر/ أيلول 2009) وضعت السلطة ثلاث حالات واضحة لرفض طلب تسجيل المنظمات، وهي: إذا كان نشاطها أو مقرها يتعارض مع النظام العام بمنظومته الثلاثية الأمن العام والصحة العامة والسكينة العامة، أو إذا كانت أغراضها مخالفة للدستور أو القانون، أو إذا كان نشاطها ربحياً.
في المسودة الجديدة، تمسّكت السلطة بمادة «رجعية» منذ العام 1989، رغم أنها في مسودتي 2007 و 2009، تخلت عنها واستحدثتها بمادة حضارية متقدمة. فقد تمسكت المسودة الجديدة بنص «تخطر الوزارة ممثل جماعة المؤسسين بخطاب مسجل بعلم الوصول بقبول أو برفض قيد المنظمة وأسباب الرفض، خلال ستين يوماً من تاريخ تقديم الطلب. ويعتبر مرور مدة الستين يوماً المذكورة دون ردّ من جانب الوزارة بمثابة رفض للطلب»، والمهم في هذا النص، هو أنه في حال عدم الرد من قبل الوزارة فإن ذلك يعني الرفض.
«مسودة 2009» كان النص متقدماً جداً، إذ نص على «تكتسب المنظمة الشخصية الاعتبارية في حالتين، أولها بإجراء الوزارة قيد المنظمة في السجل، أو مضي 60 يوماً على تاريخ قيام ممثل جماعة المؤسسين بتقديم طلب القيد من دون رد الوزارة».
لتبيين الفرق بين الأمرين، فإن النص «المتخلف» هو الذي يعتبر عدم الرد والتجاهل من قبل السلطة رفضاً، فيما النص «المتحضر» وهو الذي يعتبر عدم الرد قبولاً؛ لأن الوزارة قصّرت في واجباتها وتجاهلت الرد.
المسودة الجديدة أمعنت في ذلك، حتى ذهبت إلى التأكيد على أن عدم الرد على تظلم المؤسسين بعد ستين يوماً بمثابة الرفض أيضاً.
المشروع الجديد، تمسّك بحق السلطة في دمج المنظمات، وفق مفهوم «أنا ربكم الأعلى»، وتجاهل النص المتطور في «مسودة 2009» والذي جعل الدمج بناءًً على رغبة المنظمة، وليس بقرار تنفيذي سلطوي.
باختصار شديد، وجدت الدولة الفرصة مؤاتية للإبقاء على قانون زمن «أمن الدولة» بحجة «التوافق الوطني» عليه، واستغنت عن مشروعها السابق الذي أعدته بالتعاون مع منظمات دولية ومحلية، حتى وصفته الوزيرة البلوشي بـ «نواة لقانون متميّز يعبّر عن الشراكة الحقيقية بين الحكومة والمنظمات الأهلية، ما قد يجعله فريداً على مستوى المنطقة»!
مثال قانون «المنظمات الأهلية» يكشف لنا حقيقة ما يسمى بـ «حوار التوافق الوطني»، والذي يستغل، كما استغلت «تجمعات» ليكونوا مطيّةً من قبل السلطة، للتمسك بقوانين «أمن الدولة» البالية.