قاسم حسين
مآخذنا على وزارة التنمية الاجتماعية كثيرة؛ فالأداء والتوجهات والسياسات في غالبيتها تنحى باتجاه عرقلة التنمية الاجتماعية على الأرض.
ليس كافياً أن تستورد تجارب من بلدانٍ أخرى أقل تطوراً لتزرعها في غير تربتها، حتى لو أعادت تسميتها من «بنك الفقراء» إلى «بنك الأسرة». وليس كافياً أن تقدّم مِنحاً ماليةً محدودةً كل عام لدعم مشاريع عشر جمعيات أهلية، بينما تُعمل معولها طوال العام في هدم مئات الصناديق والجمعيات الأخرى. ومازالت ذاكرة الجمهور تختزن المعركة التي افتعلتها الوزارة قبل عدة سنوات مع الصناديق الخيرية، بزعم أنها «غير قانونية»، لوجود مادةٍ غير واضحةٍ في القانون، ففرضت على الصناديق (وعددها أكثر من ثمانين صندوقاً تنتشر في كل المحافظات) تغيير أسمائها لتتماشى مع هذه المادة، بدل أن تغيّر تلك المادة المبهمة أو تستبدلها بمادةٍ مرنةٍ تراعي أوضاع مئات الآلاف من المواطنين المستفيدين من خدمات هذه الصناديق الخيرية.
حين بدأت تلك الحرب المفتعلة، انتقدتُّ مراراً هذه الإجراءات التي تدل على بيئة بيروقراطية عميقة، فلا يجوز لطاقم الوزارة، أن يعرقل أعمال هذه الصناديق، وخصوصاً أن هناك عشرات الآلاف من المواطنين المتضررين، من ذوي الدخل المحدود.
الوزارة التي يُفترض أن تتولى عملية التنمية الاجتماعية، اتخذت قبل ثلاثة أعوام، قرارات جديدة باتجاه التضييق على أنشطة الصناديق الخيرية، حين تولّت مهمة تجفيف مواردها المالية. وكنا ندرك جيّداً أن ذلك كان استجابةً للضغوط الأجنبية في مجال «الحرب على الإرهاب»، لكن لم تتم مصارحة الرأي العام بذلك.
كانت خارطة العمل الخيري في البحرين واضحة جدّاً؛ فهناك جمعيات إسلامية تتلقى دعماً ماليّاً من دول أخرى، وينشر ذلك أحياناً كأخبارٍ محلية، وتقوم بأعمال خارج الحدود، بينما غالبية الصناديق الخيرية، يقتصر نشاطها على جمع وتوزيع التبرعات في حدود مناطقها السكنية، ومع ذلك شملتها الإجراءات والقرارات النابعة من فلسفة الحرب على الإرهاب!
لو كان هناك طاقم إداري مبدع في وزارة التنمية؛ لاحتضن هذه الصناديق الخيرية، ودعمها ومهّد لها الطريق للعمل، ولقدّم هذه التجربة للعالم أجمع، كتجربةٍ رائدةٍ في مجال التكافل الاجتماعي، لكن عقدة الطاقم الإداري غير المبدع؛ أن «مطربة الحيّ لا تطرب»، فيضطر إلى استيراد مطربةٍ حتى لو كانت من بنغلاديش، مع احترامنا التام للشعب المسلم الشقيق.
قبل عشرة أيام، أصدرت مديرة إدارة دعم المنظمات الأهلية تعميماً للمنظمات الأهلية الخاضعة للوزارة، تذكّرها فيه ببعض الأحكام والبنود «ليكون عملها قانونيّاً وصحيحاً» كما جاء حرفيّاً. وكان البند الثاني «على الجمعيات والأندية الالتزام بعدم جمع المال إلا بعد الحصول على الترخيص المسبق من الوزارة، وفقاً للقرار رقم 65 للعام 2012، و»ملء الاستمارة الخاصة بطلب الترخيص وإرفاق ما تطلبه القرار للحصول على الموافقة»، وهو قرارٌ أثار الكثير من الاعتراضات والانتقادات بالأمس واليوم.
العاملون في هذه المؤسسات هم أدرى الناس بواقع العمل الخيري وما يواجهه من معوقات، تزيدها إجراءات وقرارات الوزارة صعوبات، وقد طالب بعضهم الوزارة بوقف التضييق عليهم، والتفكير جديّاً في تقديم التسهيلات إليهم من أجل جمع المال والتبرعات من المحسنين وأصحاب الأيادي البيضاء، فعملهم إنما يصب في تقديم المساعدات المالية إلى الفقراء، التي تستحصل من خلال جمع التبرعات، بوضع حصالات في أماكن مختلفة.
هؤلاء العاملون يمثلون نخبةً خيّرةً من أبناء البحرين، ويعملون بشكل تطوعي، حيث يبذلون جهوداً وأوقاتاً كبيرة في العمل الخيري، ولا يطلبون من الوزارة جزاءً ولا شكوراً، وإنما أن تلتقي بهم الوزارة لسماعِ رأيهم قبل إصدار أي قرار بيروقراطي، فهم أدرى من الموظفين بشعاب العمل الخيري كعاملين ميدانيين.
المؤكد الآن أن القرار الصادر العام 2006، قلّص حصيلة ما تجمعه الصناديق الخيرية من تبرعات، وبالتالي يكون المتضرر أكثر من عشرة آلاف أسرة بحرينية تعيش على حد الكفاف، تسهم هذه المؤسسات في تحمل جزءٍ كبيرٍ من مسئولية رعايتها، بما يخفّف من أعباء الوزارة نفسها. ولعلم الرأي العام؛ لا يقتصر عمل الصناديق الخيرية على تقديم مساعدات مالية شهرية، بل تشمل مؤونة رمضان، والحقيبة المدرسية وأحياناً اللباس المدرسي، وتقديم اللحوم (من نذور وصدقات وعقيقة…)، فضلاً عن شراء الأدوات المنزلية ومكيفات الهواء، وبعضها يتولى ترميم المنازل في حدود معينة، أو تركيب عوازل الأمطار في الشتاء، وذلك بحسب إمكانياتها وما تصل إليها من تبرعات.
حرامٌ على وزارة التنمية الاجتماعية أن تقوّض هذه التجربة الإنسانية الرائدة، التي تقوم على مبدأ التراحم والتكافل الاجتماعي، وتضع أمامها المزيد من العراقيل والمعوقات.