قاسم حسين
كثير من القضايا الداخلية يمكن أن يتفهمها الخليجيون لبعضهم البعض، من باب المجاملة أو التعاون أو التضامن أو المداراة، كأحد الأعراف الدبلوماسية السائدة في المنطقة… إلا قضية تنصيب زعيمةٍ للجاليات الأجنبية في البحرين!
شخصية لم تكن رقماً ولا فاصلةً ولا شاولةً، يتم تنصيبها فجأةً قائدةً لما يسمى بـ «اتحاد الجاليات الأجنبية»، لتتحدّث باسم 600 ألف وافد ومهاجر ومقيم أجنبي، من مختلف الجنسيات الآسيوية والإفريقية والأوروبية والأميركية سواءً الشمالية أو اللاتينية!
يجري كل ذلك ولم يسأل أحدٌ من النواب والكتاب وجمعيات الموالاة عن أبعاد هذه القفزة البهلوانية الكبرى في الفراغ، وما سيترتب عليها من تداعيات سياسية واقتصادية وحقوقية ليست في الحسبان.
وفي موازاة ذلك الصمت المريب، كان هناك هوس إعلامي في إبراز وجود قوة أجنبية جديدة لمقارعة القوى الوطنية المعارضة، ذهب إلى حد الإساءة إلى الكتل الشعبية الكبيرة من شعب البحرين، من أجل أهداف سياسية قصيرة المدى، ستترتب عليها تعقيداتٌ سياسيةٌ أكبر في المستقبل القريب والبعيد.
هذا الهوس الجنوني ذهب إلى حدّ حرق أغلى ورقةٍ يمتلكها الشعب البحريني، وهي سمعته وشهرته بالطيبة والتسامح، التي يلمسها كل من عاش بين ظهرانيه. وهكذا شهدنا كيف وضعت بعض الأقلام والصحف على قائمة أجندتها تشويه سمعة هذا الشعب ورميه بكراهية الأجانب، وصدرت بعض المانشيتات تتحدّث عن «عمليات ترهيب للأجانب والاعتداء عليهم»، مع أن الجميع يعلم تماماً أنها محض افتراءات وأكاذيب. فمن أجل تشويه الحراك السياسي، يجوز أن تخوض في كل بحار النميمة والدجل والتحريض.
في المناطق التي يحاولون تلبيس هذه الفرية في عنقها، يعيش عشرات الآلاف من العمال والموظفين الأجانب، يكسبون رزقهم ويديرون أعمالهم وتجارتهم، دون مضايقةٍ أو اعتداء. وهؤلاء لا يجدون صعوبةً في الاندماج في هذه البيئة الوادعة المسالمة، التي تتعاطف معهم حين يصيبهم الكير من الأذى المادي والجسدي بفعل الاستخدام المفرط للغازات الخانقة ومسيلات الدموع. وبعض هؤلاء يعيشون منذ عشرين أو ثلاثين عاماً، دون أن يتعرضوا لأذى أو اعتداء، فلماذا تعمّد الإتيان بهذه الأكاذيب؟
هؤلاء الأجانب، الذين ينتشرون في العاصمة وضواحيها، أو القرى البعيدة، لا يجدون حاجزاً يحول دون المشاركة في المواسم الدينية، كعاشوراء، وهناك آلافٌ منهم يعتمدون في وجبتي الغداء والعشاء خلال عشرة محرم على ما تقدّمه المآتم والحسينيات من طعام للجمهور. فأبواب المؤسسات الدينية مفتوحةٌ للجميع كقلوب أهلها… فمن أين أتيتم بحدوتة ترهيب العمالة الأجنبية والاعتداء على الأجانب حتى نصبتم عليهم المآتم وفتحتم مجالسكم لتقبّل برقيات العزاء؟
لننظر أبعد من أنوفنا قليلاً، لنرى ما هي نتائج هذه السياسة على الأجانب أنفسهم؟ هل مثل هذه الحكايات التي ينقصها الذكاء وحسن التأليف، توفر بيئة مستقرة للعمل والإنتاج؟ أم أنها تسببت في جلاء آلاف من العمال والموظفين والعاملين الأجانب في قطاعات مختلفة؟ وما هو تأثيرها على التجار وأرباب رؤوس الأموال؟ لماذا لا تسألونهم وتأخذون رأيهم فيما تطرحون من قصص وحكايات؟
وأخيراً… إذا تفهم الأشقاء الخليجيون بعض أخطاء وتجاوزات سياستنا الداخلية أو غضوا عنها أو فضّلوا الصمت، فكيف لهم أن يبتلعوا تنصيب ناطقةٍ رسميةٍ باسم الجاليات الأجنبية تتكلّم بكل ترفُّعٍ، باسم 52 في المئة من السكان، لاستخدامها ورقةً في الصراع السياسي الداخلي، وخصوصاً في البلدان التي لا يشكل مواطنوها أكثر من عشرةٍ في المئة من السكان؟