هاني الفردان
ثمانية أعوام مرت على انطلاق منتدى حوار المنامة في البحرين والذي ينظمه سنوياً المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية بالتعاون مع وزارة الخارجية البحرينية، لمناقشة الأوضاع الأمنية في منطقة الشرق الأوسط.
ألغي المنتدى العام الماضي فقط بسبب الأوضاع الأمنية بالبحرين، وعاد هذا العام لمناقشة عدة قضايا أوجزها وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة قبل انعقاد المنتدى في قضية الأوضاع في سورية، وعلاقات الولايات المتحدة الاميركية بدول المنطقة، وأولويات الأمن الإقليمي ومكافحة الارهاب، وأمن الشرق الأوسط في ضوء التطورات العالمية وغيرها من قضايا مهمة أخرى.
الواقع في المنتدى تغيَّر، وفرضت القضية البحرينية وأزمتها أجندتها على معظم جلساته وخطاباته، وما لحقه من مؤتمرات صحافية وتصريحات علنية، ما يعد تحولاً جوهرياً وتمرداً علنياً على خطاب المنتدى الذي كان نادراً ما يتطرق للشأن البحريني في السنوات الماضية.
أجندة «حوار المنامة» تغيرت، من الوهلة الأولى عندما تناول ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة الشأن البحريني بشكل علني وواضح، وعندما تحدث عن تأثيرات الربيع العربي في البحرين وانعكاساته وما أدى إليه.
من وجهة نظري وكوني حاضراً في المنتدى وقريباً من المشهد، لم يتوقع أكثر المتفائلين أن تحظى القضية البحرينية بهذا الكمِّ الكبير من الاهتمام، حتى طغى على القضية السورية وتداعياتها رغم وجود الأمين العام للائتلاف الوطني للقوى المعارضة والثورة السورية، وتحولت قضية الملف النووي الإيراني الرئيسية في كل «حوارات المنامة» السابقة إلى هامشية في ظل غياب اللاعب الرئيسي في القضية طوال السنوات السبع الماضية، ألا وهو الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
تحولت القضية البحرينية الى أهم قضية لم تكن مدرجة على جدول أعمال المنتدى، وأصبحت حديث السياسيين في العلن والخفاء، وتساءل كثيرون عن أسباب تغييب المعارضة البحرينية عن جلسات «حوار المنامة» رغم وجودها طوال السنوات السبع الماضية.
لعبت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة الدور الأكثر بروزاً في تفعيل الملف البحريني في حوار المنامة، فقبل وصولهما أعلن وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ عن حثه الحكومة البحرينية «على اتخاذ المزيد من الخطوات لتطبيق الإصلاحات الموعودة، ومناشدة جميع الأطراف الانخراط في حوار شمولي وبناء».
كما أعلنت الخارجية الأميركية عن حضور نائب وزير الخارجية وليام بيرنز جلسات المنتدى وإجرائه لقاءات مع كبار المسئولين البحرينيين، فضلاً عن أعضاء من الجمعيات السياسية (المعارضة) والمجتمع المدني، لمناقشة الأوضاع البحرينية.
أثناء المنتدى تطرق الطرفان وبشكل مسهب للشأن البحريني وأكثر وضوحاً، وكان أكثر ما أثار الجدل، هو لماذا لم تشكر البحرين الولايات المتحدة على جهودها، بينما شكرت الحكومة البريطانية.
بحرين العام 2010 و «حوار المنامة» كانا مختلفين، عن البحرين و «حوار المنامة» 2012، فكل الظروف تغيرت، والمعطيات تبدلت، وأصبحت جزءاً من وضع إقليمي أكثر تعقيداً، لا يمكن بأي حال من الأحوال استبعاده أو تجاهله، وأصبح وضعها الأمني، واستقرارها الداخلي محل أنظار العالم والقوى الكبرى.
تلك المتغيرات فرضت واقعاً مختلفاً لـ «حوار المنامة»، وأجبرت السلطة على الحديث مجدداً عن حوارٍ لإنهاء أزمتها الداخلية، وإن كان فقط «للاستهلاك الوقتي»، وهو ليس أمراً جديداً، إذ اعتاد الشارع البحريني على سماع هذه الكلمة، كلما وقع حدث كبير يفرض صداه عالمياً.
من الصعب جداً أن تقر السلطة في «حوار المنامة» بعدم رغبتها في الحوار مع المعارضة، ومن الصعب جداً أيضاً أن تقبل به، وهذا حديث قلناه من قبل، ونعيده الآن من جديد. فمن الصعب أن تخرج السلطة للرأي العام العالمي الضاغط كل يوم في اتجاه «حوار ذي مغزى» لتعلن بشكل واضح وصريح عدم جديتها في أي حوار. وبالصعوبة ذاتها أيضاً أن تقبل به وهي التي خرجت من حوار أسمته بـ «التوافق الوطني» وعلى إثر نتائجه أحدثت تعديلات دستورية، وإن اعتبرتها المعارضة سطحية.
من الصعب جداً أن تسير السلطة نحو حوار غير مشروط، والأصعب منه أن تضع هي الآن شروطاً، وهي التي نادت فيما سمي بـ «حوار التوافق الوطني» بضرورة ألا تسبق الحوار أي شروط من قبل المعارضة.
من الصعب عليها أن تدخل في حوار جديد، وهي التي هللت وصفقت لنجاح حوارها الوطني وصرفت عليه الملايين من بوفيهات وحفلات، والأصعب أن تتحمل الضغط الدولي المطالب بحوار آخر يفضي لنتائج ديمقراطية حقيقية.
من الصعب على السلطة أن تقول لتيار «الموالين» إنها تسعى لحوار جديد مع المعارضة، وهي من أقنعتهم بنجاح حوارهم السابق وان العمل جارٍ على تنفيذ توصياته!
لم يكن أمامها إلا خيار واحد لتعلنه أمام المشاركين في «حوار المنامة»:
سنبدأ بلقاءات غير رسمية لنكسر الجليد، وتكون انطلاقة لمصالحة وطنية!
فكم حواراً أعلنت السلطة عنه من قبل؟ وكم حواراً رحبت به المعارضة؟ وكم حواراً شهدناه حقيقة على الساحة؟ ما شهدناه من قبل وحالياً، هو معركة حوار نريد أن نراها على أرض الواقع.