د. محمد صالح الهرماسي
ما حدث في غزّة مؤخراً أعاد التأكيد على أن معضلة القضيّة الفلسطينية تكمن أساساً في هذا التناقض الصارخ والغريب بين إرادة التحرير التي يجسّدها صمود الشعب الفلسطيني وتمسكه بالكفاح المسلّح واستمرار مقاومته وتطوّرها النوعي، وبين نهج الاستسلام والتفريط الذي يجسّدها الكثير من القيادات الفلسطينية للأسف وعلى رأسها محمود عباس وأركان سلطته، والمؤلم أن الطريقة التي تمّ بها تخليص "إسرائيل" من الشرك الذي أوقعتها فيه صواريخ غزّة، من خلال اتفاق الهدنة، قد أثبتت مجدداً أن إرادة الشعب الفلسطيني المقاوم في واد وان السياسيين وحساباتهم في واد آخر، وكأن قضيّة فلسطين محكومة دائماً بهذا الأداء السياسي البائس الذي يجهض فعل البندقية ويضيع فرصة استثمار انجازاتها. والغريب ان من فاوض الصهاينة هذه المرّة تحت مظلّة الوساطة الاخوانية المصرية طبعاً هم من رموز القادة السياسيين للمقاومة، والذين كان يفترض بهم أن يترجموا صمود غزّة ومفاجأة صواريخها شروطاً تلبيّ طموحات الشعب الفلسطيني وتلجم العدوانية الصهيونيّة وتنهي حصار غزّة إنهاء شاملاً وكاملاً، فإذا بالاتفاق يثبت انهم كانوا معنيين بانجاح مهمة الوسيط المصري ونيل الرضا الأمريكي أكثر مما كانوا معنيين بقطف ثمار انجازات المقاومة وتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني. وجاءت النتيجة الهزيلة والمخيّبة للآمال، والتي توقفت بموجبها ما سمّاه الاتفاق الأعمال العدوانية بين الطرفين (يعني ان قادتنا الأشاوس وافقوا على أن دفاع المقاومة عن شعبها ضدّ العدو الصهيوني المحتل هو عمل عدواني) لتنجو "إسرائيل" المجرمة بفعلتها مرة أخرى، ويبقى وضع غزّة ووضع فلسطين عموماً على حاله، وكأن مئات الشهداء وآلاف الجرحى الذي قدمهم شعب فلسطين البطل في غزّة قد فدوا القضية بدمائهم وأرواحهم ليأتي من يستثمر هذه الدماء في خدمة أهدافه السياسية الحزبية والايديولوجية، وعلى حساب المصلحة الوطنية الفلسطينية. وإلاّ فبما نفسّر هذا السيل الجارف من المديح على ألسنتهم للوسيط المصري محمد مرسي الذي كان يسابق الزمن مثل صديقته "إسرائيل" لإيقاف المعركة التي أججت المشاعر القومية العربية، وأعادت قضية فلسطين إلى صدارة الاهتمام العربي والدولي، وفجرّت غضب الجماهير العربية في كل مكان…
كم كان مؤلماً أن تطعن غزّة في الظهر وتُحرم من جني ثمار انتصار مقاومتها، وكم كان مؤلماً أكثر أن تأتي الطعنة من "إسلاميين" كانوا دائماً يؤكدون ان فلسطين وقف لا يمكن التنازل عنه أبداً وان تحريرها من النهر إلى البحر واجب شرعي فإذا بهم يضيعون فرصة تاريخية صنعتها صواريخ غزّة ودماء شهدائها ليخدموا هدف الاخوان المسلمين في حكم البلاد العربية ولو كانت فلسطين هي الثمن !!!…