سوسن دهنيم
الوثيقة الوحيدة التي أقرت السلطة في البحرين من خلالها ببعض انتهاكاتها ضد الشعب المحتج على سياستها كانت تقرير لجنة تقصي الحقائق الذي اشتهر بـ «تقرير بسيوني»، والذي مرَّ عام على تقديمه والإقرار بما جاء فيه رسمياً من قبل الجهات الرسمية التي وعدت بتنفيذ توصياته كاملة.
وعلى رغم أن الانتهاكات التي ذكرت في التقرير وثقت مرحلة بسيطة جداً من تاريخ المعاناة، فإنها ذكرت كثيراً من أساليب القمع والقتل والتعذيب والانتهاك الجسدي والنفسي والمادي والمعنوي، ووثقت لأسلوب رجال الأمن في اقتحام المنازل وتكسيرها وسرقة بعض محتوياتها إضافة إلى عدم وجود أي مذكرة قبض في أي من الاقتحامات التي حدثت في تلك الفترة.
ما نعيشه اليوم لا يختلف كثيراً عمّا حدث وذُكِر في التقرير، فاقتحامات البيوت مازالت مستمرة، واعتقال المواطنين من غير مذكرة قبض مازال قائماً، والقتل باستخدام الأسلحة المحرمة دولياً مازال متواصلاً، بل صار مبرراً اليوم بحجة الدفاع عن النفس! كما أن حصار القرى الذي يذكرنا بما جرى في سترة في مارس/ آذار من العام الماضي، ليس ابتداءً بالعكر وليس انتهاءً بمهزة في سترة التي مازال أهاليها يعانون اقتحامات منازلهم ليلاً وتكسير وسرقة محتوياتها بحسب شهاداتهم التي يتم توثيقها لدى منظمات حقوق الإنسان في البحرين، وبحسب ما شاهدت ورأيت لدى بعض معارفي في المنطقة مازال مستمراً.
وعلى رغم أن البحرين تعلن في كل محفل أن لا وجود لمعتقلي رأي في سجونها، فإن ما نراه ونعيشه مختلف عمّا يقال؛ إذ لايزال المواطنون يُعْتَقَلون نتيجة مشاركاتهم في المسيرات والاعتصامات، إضافة إلى استدعاء رجال الدين والرواديد وأصحاب المآتم والمدونين والنشطاء على شبكة الإنترنت، لا لشيء سوى أنهم عبّروا عن آرائهم وتمنوا الخير لأنفسهم وأبنائهم وشعبهم ووطنهم.
وليست السلطة هي الوحيدة المسئولة عن الانتهاك ضد الشعب، بل إن هناك فئة من المواطنين أمثال الإعلاميين والصحافيين ممن لا همّ لهم إلا التخوين والتسقيط والشتم من أجل مآرب ومصالح خاصة، من خلال ما يقدمونه من أفكار، يتفنون في هذه الانتهاكات أيضاً، وهو ما لاحظناه في كثير من أعمدة ومقالات صحافيين بعينهم، ومن خلال برامج تلفزيونية معينة، وكل هذا أمام مرأى ومسمع السلطة التي لم تتخذ أي إجراء رادع ضدهم للمساهمة في رأب الصدع الذي تطالب المحتجين بردمه وتنسى منتسبيها الذين يعمقونه يوماً بعد يوم من خلال كتاباتهم وموادهم الاعلامية.
كل هذه الانتهاكات ضد حقوق الإنسان تجعلنا نقف مجدداً أمام تقرير لجنة تقصي الحقائق الذي لم ينفذ من توصياته إلا أقل من نصفها بحسب المراقبين المتتبعين لمجريات الساحة، وبحسب رئيس اللجنة محمود شريف بسيوني نفسه، الذي تحدّث بعد عام على صدور التقرير عن مماطلة السلطة في تنفيذ توصياته. فهل نحن بحاجة لبسيوني آخر لكي يوثق ما تم تنفيذه من توصيات بشكل محايد، وخصوصاً أن الأرقام التي تتحدث عنها الحكومة تختلف كلياً عن تلك التي تتحدث بها المعارضة ويتحدث بها الشعب؟
هل نحن بحاجة اليوم لبسيوني آخر ليقوم برصد الانتهاكات التي وقعت من بعد فترة بسيوني الأول، لنعرف مدى التغيير الذي حدث في سلوك وزارة الداخلية في التعامل مع المحتجين والمعتصمين ومع من يبدون آراءهم؟ هل نحن بحاجة لبسيوني آخر ليقول للسلطة ان ملف المفصولين مازال مفتوحاً وملف الانتهاكات كل الانتهاكات مازال قائماً؟
أظننا اليوم غدونا جميعاً بسيوني من خلال توثيق كل ذلك بالصورة الفوتوغرافية والفيديو ولكن لا يوجد من يسمع أو يرى!