عبدالنبي العكري
في السياسة والتجارة والصحافة والخطابة كما في مختلف مناحي الحياة، هناك قواعد أخلاقية يلتزم بها الخصوم كما الأصدقاء في خصومتهم كما في صداقتهم. وحتى في الحروب هناك قواعد أخلاقية منذ عهد حمورابي حتى الاتفاقيات الأربع لجنيف الصادرة في 1949.
لكننا في مملكة البحرين بلد العجائب تجاوزنا ذلك كله، وأضحى الحق باطلاً والباطل حقاً، بحسب الأهواء والمصالح الضيّقة، والهوس الفكري والعصبية الطائفية. أضحت المعارضة الوطنية طابوراً خامساً، وقياداتها من الشياطين. وأضحى الحقوقيون عملاء مأجورين، وغالبية شعب البحرين المطالب بحقوقه الدستورية شرذمة قليلة خارجة عن الصف الوطني.
أضحت المطالبة بالحقوق المشروعة تطرفاً وخدمةً لأجندة خارجية، فيما التطبيل والاسترزاق وطنية وأصالة ومحافظة على التقاليد.
كل طرح من أطروحات المعارضة الوطنية، أو مطلب تطرحه، أو تصريح يدلي به مسئول فيها، يجري تحريفه بكل صفاته. ديمقراطية الأغلبية تفسّر على أنها تغليب مكوّن طائفي على مكوّن آخر، والديمقراطية التوافقية تفسّر على أنها محاصصة طائفية، وقاعدة صوت واحد للناخب الواحد، تفسر على أنها لصالح هيمنة الأغلبية، والحكومة المنتخبة تفسر بأنها انقلاب على الدستور والقانون، وخطة انقلابية متسترة، والملكية الدستورية التي ذكرها الميثاق تعني انقلاباً على نظام الحكم.
وبالنسبة للحقوقيين فإن توثيق ونشر الانتهاكات وطرحها أمام مجلس حقوق الإنسان هو إساءة لسمعة مملكة البحرين، وتشهير بالنظام السياسي. أما من يرتكبون هذه الانتهاكات والتعذيب فهم ملائكة الرحمة، وإنما كانوا يقومون بمهمتهم النبيلة في الدفاع عن أنفسهم أمام الوحوش الكاسرة. وهكذا جميع المتهمين في حوادث القتل وتعذيب المئات من الضحايا، طلقاء أحرار. وهكذا ما ان يطالب أحدٌ بإحقاق العدالة وتطبيق القانون على الجميع على قدم المساواة، يصبح متهماً.
إذا تظاهر الناس سلمياً، وطرحوا مطالبهم المشروعة علناً، قيل لهم انكم تخربون الاقتصاد الوطني، وتشلون الحياة العامة، وإذا تظاهروا ذاتياً لعدم الترخيص لهم، قيل لهم انكم خالفتم القانون، ويتوجب قمعكم بكل حزم.
وإذا طالب الناس بوضع حد للتمييز الطائفي والسياسي في كل شيء، في التوظيف، في الإسكان، في توزيع المشاريع، في البعثات، في الترقيات، في التملك، قيل لهم إننا في بلد النظام والقانون وكل شيء يتم بموجبهما.
احتار الناس كيف يتصرفون! هل المطلوب أن يعيشوا كالمتسولين؟ وهل المطلوب أن يبلعوا كرامتهم ويتخلوا عن حريتهم ويستلذوا بحياة العبودية؟
هناك خلل ما، إما أن غالبية هذا الشعب أغبياء لا يعرفون مصلحتهم ولا يدركون النعمة التي يعيشونها ولا الحريات التي يرفلون بثيابها، وأن بلدهم محسودٌ من قبل الآخرين لما حقق من منجزات ومعجزات… وإما أن الطرف الآخر يعيشون في عالم افتراضي لا علاقة له بالواقع.
الحل هو أن نحتكم إلى محمود شريف بسيوني، وهو الذي اختارته السلطة ليشخّص ما حدث منذ فبراير/ شباط 2011؛ وإلى مجلس حقوق الإنسان، الذي أصدر 176 توصية لمعالجة وإصلاح حقوق الإنسان فقط وليس كل الأوضاع، وتوصيات حلفاء البحرين الاستراتيجيين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والغرب كله، أي دخول السلطة في مفاوضات جادة مع المعارضة وجميع مكونات المجتمع للخروج من الأزمة بإصلاح شامل في السياسة كما في غيرها، فهناك قواعد أخلاقية وفي مقدمتها الصدق في القول والعمل، وأن يكون الدافع والهدف المصلحة العامة، وأن تكون الوسيلة، كما الهدف، أخلاقيةً، أي عدم اللجوء للتدليس والفبركة. لكن ما نراه عكس ذلك تماماً، فهل نراهن على مثل هذه الضمائر؟
نحن نعرف أن الحقيقة ستنتصر في النهاية، وأن إرادة الشعوب العربية في الإصلاح الشامل ستنتصر، كما انتصرت في بلدان عربية وأجنبية، ولكن بثمن باهظ وخسائر جمة للوطن والشعب والاقتصاد، وسيدفع ثمنه الجميع بمن فيهم هؤلاء المطففون.
أليس من الأفضل اختصار هذه المعاناة وهذه الخسائر وهذه الفرقة في وطننا البحرين، فليس لدينا وطنٌ آخر، وهو وطن للجميع، وقدرنا أن نعيش فيه معاً، فلنجعل من وطننا ما يستحق العيش فيه ولنجعل من أنفسنا من يستحق هذا الوطن.