جميل المحاري
مثلما أن العنف لا يولِّد سوى العنف المضاد، فإن التضييق على الحريات العامة وممارسة الشعائر الدينية، لا يولّد إلا التعصب والتطرف.
لقد ظلت الطائفة الشيعية وعبر التاريخ تمارس شعائرها الدينية بحرية تامة، وكان عددٌ كبيرٌ من أبناء الطائفة الأخرى في سنوات مديدة يشاركون إخوانهم في الدين والوطن، في إقامة هذه الشعائر فيحضرون مواكب العزاء ويساعدون في إعداد الولائم ويتبرعون بما جادت به أنفسهم الكريمة للمساهمة في دعم المآتم والحسينيات تعبيراً عن حبهم لآل بيت النبي (ص). وشخصياً أعرف إحدى السيدات الفاضلات اللواتي ما زلن يوفين بنذرهن في كل موسم عاشوراء فتقوم بإيصال مبلغ مالي إلى الوالدة لتقوم بدورها بإيصال المبلغ إلى المأتم.
لم يكن أحدٌ يعارض مظاهر الحزن وتركيب الأعلام السوداء في مختلف المدن والقرى، وكان ذلك من طبيعة الأشياء، وحقاً مكتسباً توارثته الأجيال. وكان تثبيته واضحاً في دستور مملكة البحرين الذي ينص على أن «حرية الضمير مطلقة، وتكفل الدولة حرمة دور العبادة، وحرية القيام بشعائر الأديان والمواكب والاجتماعات الدينية طبقاً للعادات المرعية في البلد».
ما يحدث الآن من تضييق على ممارسة هذه الشعائر الدينية، من خلال استدعاء عددٍ من الخطباء للتحقيق معهم واحتجاز أحدهم، والتحقيق مع مسئولي المآتم، وإزالة الأعلام السوداء والشعارات من القرى بشكل استفزازي، واعتقال وإهانة قوى الأمن من يعملون على تركيب هذه الأعلام والشعارات، لا يمكن أن يسهم في نشر مفاهيم التسامح الديني وقبول الآخر، وإنّما يساهم في إذكاء روح الطائفية البغيضة، والتعصب والتطرف، في حين أن العالم في العصر الراهن ينشد ويدعو إلى التسامح والتعايش بين الأديان والمذاهب المختلفة.
وزارة الداخلية أشارت في بيانها يوم أمس الأول (الأحد) إلى استدعاء عدد من القائمين على المآتم، واتخاذ الإجراءات القانونية – أي الإحالة إلى النيابة العامة – بحق عدد من الخطباء والرواديد بسبب تجاوزات صدرت منهم أثناء تنظيم فعاليات موسم عاشوراء، ولم يشر البيان إلى طبيعة هذه التجاوزات، ما جعل الباب مفتوحاً للتأويلات والتفسيرات المختلفة، إذ أشارت بعض المصادر إلى أن بعض الخطباء اتُّهموا بازدراء الدولة الأموية.
ما رشح من معلومات بعد التحقيق مع عدد من الذين تم استدعاؤهم، يشير إلى أن التحقيق تركّز حول التطرق إلى الأمور السياسية وما يقال عن تحريض على كراهية نظام الحكم والازدراء به.
التهم الموجهة إلى الخطباء تمت من خلال التسجيلات الصوتية لخطبهم، ما يعني أننا دخلنا لمرحلة جديدة من التضييق على حرية الرأي والتعبير، حيث يتم مراقبة وتسجيل كل ما يقال أو يكتب، ويبدو أن القادم أسوأ بكثير.