حسن خليل غريب
قال مساعد وزيرة الخارجية الأميركية بالنيابة، مايكل كوزاك: أحداث أبو غريب هي نقطة لوَّثت الشرف الأمريكي ولا يمكن وصفها بغير هذا.
ونقلت صحيفة لو موند عن انطونيلا نوتاري، الناطقة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، قوله « ما من شك بأن الصور مثيرة للصدمة والذهول، لكن تقاريرنا أسو » . وأضافت « لسنا بحاجة إلى الصور لمعرفة ماذا يجري داخل سجن أبو غريب في بغداد، وهذا غير مقبول »
أولاً: في تحديد وضعية الأسرى والمعتقلين العراقيين
غيَّر القرار 1546، الصادر عن مجلس الأمن، صفة تواجد القوات الأميركية والبريطانية من « قوات محتلة » كان القرار 1483 قد أكَّدها، إلى « قوات متعددة الجنسيات » . ولأن هناك تواطأً واضحاً من الهيئة الدولية، تبقى مسألة الطعن في تلك القرارات ماثلة بسهولة. فهناك احتلال واضح وصريح، وهناك احتيال واضح وصريح أيضاً. فالقوات الأميركية والبريطانية في العراق ومن التحق بها، قوات احتلال. وأن السلطة الممارسة بفعل هذا التواجد هي سلطة احتلال. وبهذا الوصف تتحدد المراكز القانونية لكل إفرازاته على الصعد السياسية والعسكرية والأمنية. وهذا ما يجب التوقف عنده لتحديد المركز القانوني للمعتقلين.
إن المعتقلين لدى قوات الاحتلال هم ثلاث فئات:
الفئة الأولى: الأشخاص الذين أسروا أو اعتقلوا أثناء العمليات العسكرية من تاريخ 20/3/2003 حتى 9/4/2003. يمكن تصنيف الذين اعتقلوا إلى فئتين أيضاً، فئة الأشخاص الذين ينتمون إلى القوات المسلحة النظامية، وفئة الذين ينتمون إلى الميليشيات والوحدات المتطوعة ( كفدائي صدامي وجيش القدس والميليشيا التابعة لحزب البعث ) . وينطبق على وضعهم أسرى الحرب استناداً إلى المادة الرابعة من اتفاقية جنيف الثالثة.
وبما أن الإقليم المحتل وضع كل قواته المقاتلة من جيش نظامي ومليشيات ووحدات متطوعة تحت إمرة عسكرية واحدة فإن من اعتقل أثناء العمليات العسكرية من هذه الفئة هم أسرى حرب. وبالتالي فإن تغيير وضعهم القانوني وعدم النظر إليهم باعتبارهم أسرى هو خرق فاضح لأحكام اتفاقية جنيف.
الفئة الثانية: الأشخاص الذين خطفوا أو اعتقلوا بعد وقوع العراق تحت الاحتلال واستناداً إلى لائحة إسمية وزعتها قوات الاحتلال. وبالاستناد إليها أقدمت على اعتقال غالبية من ورد اسمه فيها، يتبين أنهم كانوا يشغلون مواقع في السلطة وكانت لهم علاقات تابعة أو متبوعة مع القوات النظامية أو مع الوحدات المتطوعة أو مع المليشيات. فهم يقعون تحت الوصف القانوني للبند ( 2 ) فقرة أ من المادة الرابعة من اتفاقية جنيف. وبما أن قوات الاحتلال وجهت إليهم إنذاراً بقصد الاعتقال ولم يمتثلوا له، لذلك فهم مشمولون بأحكام المادة الرابعة فقرة ( ب ) وبالتالي فإن وضعهم القانوني في الاعتقال هم أسرى حرب.
الفئة الثالثة: الأشخاص الذين اعتقلوا بعد وقوع العراق تحت الاحتلال بتهمة مقاومتهم له، أو بتهمة التعاون مع المقاومين. فإذا كانت الأمم المتحدة قد حسمت طبيعة الوجود الأميركي والبريطاني في العراق بأنه احتلال، فهو بالتالي لا يتسم بأي مشروعية ولذا، فإن مقاومة هذا الاحتلال يكتسب مشروعية طالما أن الأمم المتحدة قد أقرت بحق الشعوب في تقرير مصيرها واعتبرت حقها في تحرير أرضها هو حق مشروع. وأقرَّت الهيئة العامة للأمم المتحدة باعتبار المقاومين للاحتلال، إذا اعتقلوا، أسرى حرب. لذا تنطبق عليهم أحكام اتفاقية جنيف مادتها الرابعة الفقرة ( 2 ) من الفقرة ( ) . كما أنهم يستفيدون من الحماية المنصوص عليها في المادة ( 75 ) من الملحق البرتوكول الأول من اتفاقية جنيف.
وعلى ضوء هذا التحديد للوضع القانوني للمعتقلين واعتبارهم أسرى حرب، تتحدد الأسس التي تحكم وضعهم وكيف يجب أن يعاملوا؟ أما كيف تتم المعاملة، وحجم الانتهاكات التي تقوم بها قوات الاحتلال لحقوق الإنسان ولخرقها أحكام المعاهدات والمواثيق الدولية فهذا بحث آخر له علاقة بخروقات قوات الاحتلال لأحكام اتفاقية جنيف حول أسرى الحرب والانتهاكات الفاضحة لحقوق الإنسان
ثانياً: أعداد المعتقلين
من الصعوبة أن تحصل أية جهة على عدد السجناء والأسرى العراقيين بشكل أقرب إلى الصحة. هذا الأمر يستدعي الباحث إلى وضع تقديرات أقرب إلى الواقع. ولهذا السبب لم نستطع أن نتعاطى مع الأرقام المُعلَنة باطمئنان. ولعلَّ مناقشة مظاهر ما يُعلن يعطينا فكرة من معرفة العدد أو تخمينه. فالاحتلال يرفض إعطاء رقم محدد للمعتقلين لديه ربما ليتمكن من زيادتهم أو إنقاص أرقامهم حسبما تملي المصالح وتفرض الظروف، وهنا يبدو التقدير بين 18 ألفاً إلى 150 ألفاً مروراً بثمانين ألفاً ضرباً من التقدير غير المتصور في إدارة ادعت أن أولى أولوياتها تحرير إنسان العراق.
إن أسباب الاعتقالات تعود إلى أن ملاحقة العراقيين له علاقة بالعمليات العسكرية التي تتعرض لها قوات الاحتلال. فكلما اشتدت المقاومة ورفعت من وتيرة عملياتها تقابلها قوات الاحتلال بالمزيد من الملاحقات والاعتقالات. وحيث إن العمليات العسكرية في تصاعد مستمر، تكون عمليات الاعتقال في تصاعد أيضاً. ونعتبر أن بعض التصريحات التي تصدر عن قيادة الاحتلال وتقاريرها تعترف بأن السجون الحالية عاجزة عن استيعاب أعداد المعتقلين مما يعطي انطباعاً حول كثرتهم.
وحول ذلك أكد مسؤولون عسكريون أمريكيون في العراق أن السجون التابعة لقواتهم امتلأت بالمعتقلين العراقيين حيث يحتجزون في مراكز اعتقال لم تعد قادرة على الاستيعاب أو حشروا بها. وقال تقرير في صحيفة نيويورك تايمز إن الجيش الأمريكي، منذ احتلال العراق في نيسان/أبريل 2003، وهو يحاول إنشاء نظام للتحكم في السجون والمعتقلين في الوقت الذي كان يواجه فيه مقاومة مصممة وقادرة على إدارة العمليات، إلا أن زيادة أعداد المعتقلين يشكل عقبة كبيرة أمام الجيش.
ويشكو الجنود من عدم وجود عدد كاف لحراسة السجون، فيما تم نقل عدد من أفراد كتيبة المدرعات للعمل في الحراسات. ويقول مسؤول في الجيش إن الجنود الذين تحولوا لأعمال الشرطة في السجن دُرِّبوا على القيام بمهام الحراسة. ويدافع الأمريكيون عن ازدحام السجون، حيث يقول: لا يوجد خطر جدي من ازدحام السجون، ففي أبو غريب أقام الجيش مناطق جديدة للاعتقال، كما زاد من نسبة الجنود الذين يحرسون المعتقل. ومنذ اندلاع فضيحة أبو غريب في أيار ( مايو ) العام 2004.
يقول عراقي خرج من السجن: هناك 15000 من السجناء، وعندما يصبح هناك ضغط في الأعداد يضطرون إلى إخراج بعض المعتقلين أو نقلهم إلى البصرة. وكل شخص يدخل السجن يحمل رقماً لا يعطونه لسجين آخر. وفي الوقت الذي كنت فيه كان الرقم بحدود 160 ألفاً بمعنى أنه دخل السجن وخرج منه 160 ألف سجين. ويحوي السجن كل الفئات العمرية ومن كل المستويات من الشباب في عمر ( 17 ) أو ( 18 ) سنة. حتى كبار السن من أعمار ( 80 ) أو ( 85 ) سنة. كذلك يوجد معاقون على كراس متحركة. ورداً على سؤال عن سبب اعتقال معاق، أجاب أحد الحراس: إن رأس المعاق يعمل ويخطط. وهناك في السجن أشخاص مجانين. وأئمة المساجد وأهل دين وأطباء ومهندسين وضباط كبار وشيوخ عشائر من مختلف طبقات المجتمع ونساء، وفيها تجد أم مع ابنتها المراهقة.
ومما جاء في تقرير صحفي: « ارتفع عدد السجناء في مراكز الاعتقال العسكرية الأميركية في العراق بدون انقطاع منذ خريف العام 2004. وامتلأت المراكز بشكل يفوق قدرتها الاستيعابية، الأمر الذي دفع القادة للشروع في خطة مفاجئة لتوسعة السجن. ولتوقعهم استمرار الزيادة قرر القادة الأميركيون توسعة ثلاثة من السجون القائمة، وفتح رابع، بتكلفة إجمالية تصل إلى حوالي 50 مليون دولار » .
ثالثاً: كيف تتم الاعتقالات؟
إن الحقوق الديمقراطية الأكثر جوهرية للسكان العراقيين تنتهك يومياً من قبل قوات الاحتلال الأمريكية والبريطانية. فالبيوت تدمر والمواطنون يعتقلون بشبهة مشاركتهم في المقاومة الشرعية للاحتلال، والشوارع طوقت و الطرق سُدَّتْ، ومناطق بأكملها تحت حظر التجول، والرقابة قائمة على الصحافة، والإضراب قد أعلن عنه أنه غير قانوني وأطلقت النار على المظاهرات بانتظام. وطبقاً لصحيفة نيويورك تايمز، في 7/3/2004، اعترفت القوات المسلحة الأمريكية باعتقال 10.000 عراقي على الأقل من دون تهم، وأن بعض المعتقلين من صغار السن لا تتجاوز أعمارهم 11 سنة، ( الصورة الرقم 3 ) ، كما تم اعتقال كل المواطنين الذكور في العديد من القرى بشبهة مساندة الأنشطة المضادة لقوات الاحتلال.
وعادة ما تتم المداهمات والاعتقالات في الليل، وفيه ما يُعرِّض السكان المدنيين لمخاطر غير محسوبة. ففي الليل تنتشر المدرعات والدوريات الراجلة وتتم الاعتقالات والمداهمات وعمليات التفتيش، وفيها ما يجب على الجميع توخي الحذر. فإما أن يكون القناص الأمريكي فوق سطح جاره أو على سطحه دون أن يدري.
تبدأ مداهمة البيوت في أوقات متأخرة من الليل. ( الصورة الرقم 4 ) فيتفاجأ المواطنون بأصوات تحطيم الأبواب بالمتفجرات، أو إطلاق النار، وصراخ الجنود الأمريكان. وتستفيق العوائل من النوم مذعورة ( الصورة الرقم 5 ) ليجدوا الجنود يوجهون بنادقهم إليهم ويصرخون في وجوههم بكلام لا يفهمونه. ويقومون بتقييد الرجال، ومدهم على الأرض، ( الصورة الرقم 6 ) وتعمد إهانتهم والاعتداء عليهم بالضرب أمام زوجاتهم وأولادهم. كما يقومون بإخراج كل أفراد العائلة من البيت للقيام بالتفتيش ( الصورة الرقم 7 ) . وفي أثنائه، يسرقون ما يعثرون عليه من أوراق وأسلحة ونقود وذهب. وبعدها يسوقون الرجال إلى المعتقل بعد تغطية رؤوسهم بالأكياس ذات الرائحة الكريهة وسط صراخ النساء والأطفال.
يستقبل الجنود الأمريكيون المعتقلين بالإهانات. وينظرون إليهم على أنهم أعداء ومجرمون وإرهابيون. وحتى الجنود الذين ليس لهم علاقة بالتحقيق يعمدون إلى إهانة المعتقلين لمجرد الانتقام لمقتل زميل لهم. وتُعتبر هذه المسائل طرقاً فعالة لتحطيم معنويات المعتقل قبل البدء في التحقيق معه لانتزاع المعلومات عن المقاومة ونشاطاتها وأهدافها.
إن العشوائية والجماعية هي ما تميز اعتقال العراقيين. وهناك آلاف من المعتقلين للضغط على ذويهم بقصد المقايضة بشخص مطلوب، ويعتقل البعض لأدنى شبهة، أو للتشابه بينهم وبين مطلوبين سواءٌ أكان التشابه في الاسم أم السحنة أم المسكن. وتكون « الوشايات عنصراً مشتركاً في هذه الاعتقالات وتقف الأسباب الاقتصادية والشخصية خلف تلك الوشايات » .
من أطرف ما سمع به أهالي الموصل عن عمليات الاعتقال العشوائي: قامت القوات الأمريكية بأخذ طفل منغولي في منطقة موصل الجديدة، وطلبت منه إبلاغهم عن منازل الأشخاص الذين يقومون بذبح الحرس الوطني والشرطة وغيرهم… فكان عندما يؤشر بإصبعه تقوم تلك القوات بمداهمة المنزل واعتقال من يكون فيها من الذكور حتى لو كانوا غير بالغين. وهكذا حصلت تلك القوات على أكثر من عشرين مواطناً دون ذنب وعندما يدافع الشخص عن نفسه ويقول: إن هذا الطفل منغولي ولا يدرك شيئاً تجيب تلك القوات إن العقلاء لا يعلمونا بالحقيقية أما هؤلاء فعندهم الحقيقية.
عادة ما يأخذ الجنود رهينة مقابل أن يسلَّم المطلوب نفسه. وتتم كتابة عبارة وتعليقها على باب المنزل تقول: « إذا كنتم مسلمون، كما تقولون، وتغارون على شرفكم، سلّموا أنفسكم لقاء الإفراج عن أمكم أو أختكم » .
تلك الأساليب أثارت حتى حفيظة عملاء الاحتلال. لذا انتقد من يُسمَّى وزير حقوق الإنسان العراقي، عبد الباسط تركي، انتهاكات حقوق الإنسان في العراق، وقال في مقابلة مع وكالة الأنباء الفرنسية: « هناك انتهاكات في ظل الاحتلال » ، و « هناك اعتقالات وعمليات تفتيش تقوم بها القوات الأمريكية دون محاكمة ولا أحكام قضائية » .
ولا تنفرد القوات الأمريكية بارتكاب الانتهاكات، بل الجميع لهم حق الاعتقال ابتداءً من قوات الحرس الوطني وقوات المغاوير والقوات الخاصة والمليشيات وحتى العشائر.
إن عدداً كبيراً من السجناء عراقيون أبرياء احتجزتهم القوات الأمريكية بشكل عشوائي، واستجوبهم ضباط مخابرات غير مؤهلين. وإن براءة بعضهم تجعلهم عرضة أكثر لسوء المعاملة. فالمحققون يرفضون التصور أنهم اعتقلوا ظلماً. ولذلك يتعاملون معهم على أنهم « أهداف صعبة » يجب كسر شوكتها. وإن الانتهاكات حدثت نتيجة الاعتماد الكبير على الشركات الخاصة، التي تستأجر محققين غير مؤهلين للعمل المخابراتي، وتكون متلهفة على إثبات جدارتها بالمهمة. وهذا ما تؤكده مؤسسة راند الأمريكية، التي اعتبرت أن غياب الكفاءات في التحقيق وإدارة المعتقلات، يعني احتجاز الأبرياء في السجون، مما يجعلهم هدفاً جيداً للتجنيد في صفوف المقاومة، وقد يحملون السلاح بعد خروجهم من المعتقل.
ويشمل الاعتقال النساء والأطفال, والملفت في الأمر أنه يتم تعذيب الأطفال العراقيين لكي يقروا باشتراك ذويهم في أعمال المقاومة. ومعظمهم يُحتجزون بين الثلاثة والستة أشهر. ويخرجون ناقمين على قوات الاحتلال، لأنها اعتقلتهم بدون أي تهم أو مبرر.
وغالباً ما تترافق حملة المداهمات بقتل مدنيين. قال ممثل للادعاء العسكري بقوات مشاة البحرية الأمريكية أن اتهاماً بالقتل مع سبق الإصرار وُجِّه لضابط بمشاة البحرية، وأنه قد يحكم عليه بالإعدام لقتله رجلين عراقيين أثناء تفتيش سيارتهما.
نقلت الغارديان عن أحد العراقيين قوله إنه شاهد معتقلين مقيدين منبطحين على أرض قذرة ( الصورة الرقم 8 و9 ) . تركهم الجنود على الأرض الحارة والقذرة لمدة ساعتين. ونقلوا والأكياس على رؤوسهم في عربة عسكرية، ووضعوا فوق بعضهم البعض وأقدام الجنود عليهم، وتبقى الأكياس على رؤوسهم حتى اليوم التالي الذي يبدأ فيه المحققون عملهم. وعن التعذيب قال: كانوا يستخدمون لغة سباب قذرة، ويصرخون على المعتقلين، ويركلونهم ويضربونهم على الوجه والرأس وكامل الجسد، وشاهدت أحد المعتقلين وفكه متورم بشكل لم أستطع التعرف عليه.
– مداهمة أماكن العبادة: تقوم قوات الاحتلال الأميركية بتفتيش الجامع وبعثرة المصاحف والكتب الدينية من دون أي مراعاة لحرمة المكان أو لحرمة المصاحف الشريفة. وتقوم بالعبث بجهاز الصوت وبالمواد الموجودة في داخل الجامع. وأن حملة اعتقالات واسعة تستهدف أئمة الجوامع. وإن الجوامع أصبحت كأنها ملجأ للمسلحين، أو أماكن لصنع العبوات الناسفة. فمعظم حالات الاعتقال التي حدثت داخل الجوامع كان مصير أصحابها الترحيل إلى معتقل أبو غريب أو بوكا في البصرة.
نقلت وكالة ( قدس برس ) للأنباء عن أحد سكان مدينة الفلوجة ويدعي جمال عبد الله قوله: إن القوات الأمريكية قامت بمداهمة مسجد المهاجرين في الفلوجة بعد أن قامت بتفجير الأبواب الرئيسية للمسجد وخلعها من أماكنها. فيما قام بعض الجنود بسكب الخمر على سجاد المسجد. وعبث الجنود بمحتوياته وأثاثه، وبعثروا كتب المكتبة واسقطوا المصاحف على الأرض. ونقلت رويترز عن الشيخ ظافر صبحي قوله للمصلين في مسجد المهاجرين بالفلوجة: « قدسية مساجدنا تدنس والقرآن الكريم يمزق، هذه هي الديمقراطية التي يتحدثون عنه » . يذكر أن الجريمة تكررت في عدد من مناطق العراق خاصة في الفلوجة والمناطق التي تنشط بها المقاومة العراقية بقوة.
نشرت صور جثة الشيخ ( حسن هادي النعيمي ) عضو مجلس شورى هيئة علماء المسلمين وإمام وخطيب جامع الشهيد يوسف في حي الشعب وقد بدت عليها واضحة آثار التعذيب الوحشي. فبعد أن اعتقلته قوات ما يسمى بمغاوير الشرطة، في 15/5/2005، من مسجده مارست عليه أشد أنواع التعذيب الهمجي، فكسرت يديه ورجليه وأعملت المثقب الكهربائي ( الدريل ) في جسده فثقبت ذراعيه وكتفيه وظهره وحتى رأسه. وقد بدت الأصفاد الحديدية في إحدى يديه في إشارة واضحة إلى الجهة التي تتلبس بلباس الأجهزة الأمنية.
لم تكن المساجد هدفاً للمداهمات فحسب، بل شملت الكنائس أيضاَ: تعرضت كنيسة الآباء الدومينيكان في الموصل لعملية دهم على خلفية انفجار عبوة ناسفة على الشارع العام قرب الكنيسة. حطَّم الجنود بوابتها الخارجية باستخدام عجلة همر، ما دفع بالقس بالخروج إلى الدورية لتوضيح طبيعة المكان. لكن الدورية طلبت منه أن ينطرح على الأرض لتفتيشه، فيما طلبت من العوائل والتلاميذ داخل الكنيسة الخروج لأغراض التفتيش أيضاً.
– مداهمة المستشفيات: يومياً، تداهم القوات الأمريكية المستشفيات الرئيسية، وتعتقل كل مصاب فيها. وتقوم بعملية الاعتقال بغض النظر عن الحالة الصحية للشخص المصاب، وعما إذا كانت الإصابة بنيران القوات الأمريكية أم بنيران قوات الحرس الوطني، أو بإطلاقات طائشة. وأحياناً يعتقل الشخص المقيم مع المريض. وينقل المعتقلون المرضى إلى مكان لا يسمح لأحد بزيارته. وأحياناً يرحل بعضهم إلي مستشفى أبو غريب ليمكث فيها فترة طويلة.
رابعاً: وصف المعتقلات الأميركية
يتخذ الأمريكيون إجراءات أمنية مشددة، حيث يتم وضع المعتقلين أولاً في مركز مكتوب عليه: مركز إنزال المعتقلين، وبعد ذلك يطلب من المعتقلين الجلوس على الأرض قبل أن يتم تصنيفهم، ويطلب منهم وضع ملابس السجن البرتقالية، وهي الملابس التي يلبسها المعتقلون في معسكر غوانتانامو في كوبا.
وفي الوقت الذي يعتقل فيه سجناء للاشتباه بمشاركتهم في المقاومة، يقبع عدد كبير آخر في السجن لارتكابهم جنحاً بسيطة لا يستطيع النظام القضائي العراقي في حالته المرتبكة الحالية التعامل معها كما يجب، وفي النتيجة يعتقل آلاف السجناء ويسجنون من دون محاكمة بانتظار النظر في قضاياهم ويتركون ليمضوا الساعات وراء القضبان في المنشأة المخيفة ذات الحراسة المكثفة وأبراج المراقبة المجهزة بالمدافع الرشاشة.
ومع وصوله إلى السجن، يستقبل الجنود الأمريكيون والموظفون الأمنيون المتعاقدون المعتقل بسلسة من الإهانات. ويطلب منه نزع ملابسه كله ( الصورة الرقم 10 و11 ) ، والقيام بسلسة من التفتيشات المزعجة، والإهانات والتعليقات التي تجعلها عملية غير محتملة. بعد خلع الملابس بالكامل يبدأ الجنود بقرص مؤخرات المعتقلين، وإدخال أصابعهم فيها، ويلمسون أعضاء المعتقل التناسلية ويدلون بالمزيد من التعليقات. المعاملة مقرفة. وبعد دخوله السجن يمضي 18 يوماً مع 30 أو 40 سجيناً آخر قبل الانتقال إلي داخل المنشأة. وهناك يتشارك غرفة يبلغ طولها 15 قدماً وعرضها 15 قدماً مع ثمانية رجال آخرين. ومن العادات المتبعة في معاملة السجناء، تركهم عراة ومربوطين إلي أحد الأعمدة خارج السجن طوال النهار.
-تصف إحدى المعتقلات اليوم الأول لاعتقالها، فتقول: كان ثقيلاً ولم أكن معتادة على رائحة الزنزانة الكريهة إذ كانت رطبة ومظلمة وتزيد من الخوف.
– ويصف آخرون بأنهم يبقون مقيدي الأيدي لمدة ثمانية أيام متواصلة حتى إنه عندما يذهبون لقضاء الحاجة أو حتى للصلاة يبقون مقيدي الأيدي.
-في كل غرفة تحقيق، يوجد ما بين 20 إلى 30 معتقلاً، وفيها يستلم السجين بطانيتين من اردأ النوعيات، وهي لا تكفي في مكان بارد جداً، ويستحم السجين تحت صنابير مياه في الهواء الطلق في ظل جو ممطر ودرجة حرارة منخفضة.
1- واقع السجناء والمعتقلين والأسرى في المعتقلات:
تُعلِّق إدارة السجون في زنازين الاعتقال عبارة « لا تتحرك، سوف تتعرض للقتل » .
يبدأ اليوم بالنسبة للسجناء بآذان الفجر. وفي الساعة السابعة صباحاً يبدأ بجمع السجناء لإحصائهم. وعند الساعة الحادية عشرة تقريباً يتم توزيع وجبة طعام رديئة جداً، وهي عبارة عن رغيفين صغيرين من الخبز إضافة إلى كأس من الأرز مع القليل من المرق. ويتم توزيع الوجبة الثانية بعد المغرب أو بعد العشاء وهي وجبة اردأ من الأولى. وهنا تجدر الإشارة إلى أن المتعهد بتموين السجن للمعتقلين والقوات الأمريكية هو شخص قطري للأسف، حيث فهمنا من المترجمين أن المتعهد يشتري الطعام بعشرة دولارات للسجين الواحد ومن ثم يبيعها لمتعهد عراقي ثانوي بقيمة أقل.
يتعرَّض السجناء إلى معاملة سيئة تزيد من معاناتهم، حول كل ما له علاقة بحياة المعتقل: طعام وشرب ونوم ونظافة…. كما يتم إرغامهم على النوم في مكان مساحته متر واحد. وتطلق عليهم أعيرة غير مميتة حسبما ذكرت ( واشنطن بوست ) .
يعيش المعتقلون ظروفاً في غاية القسوة في صحراء بوكه، التي تبعد عن مركز محافظة البصرة أكثر من تسعين كيلومتراً، حيث الحرارة المرتفعة، والأتربة تغطي سماء المنطقة لساعات النهار المتواصلة وحتى قبيل مغيب الشمس، إضافة إلى الماء الحار، الذي سبَّب للبعض آلاماً في الكليتين من آثار الحصى والرمل. كما أنهم يعيشون في خيم شديدة الحرارة، في فصل الصيف القائظ، حيث تصل درجة الحرارة إلى 50 درجة مئوية. ويشكون من العزلة التامة عن العالم الخارجي، محرومون حتى من الراديو. أما الأوضاع الصحية فسيئة، فبين المعتقلين مرضى وكبار السن والمعوقين والأطفال. وهناك تنتشر بعض الأمراض المعدية كالسل الرئوي والجرب. وبسؤال المشرفين عن سجن ( بوكه ) عن سبب صبهم أرضية السجن بالإسمنت، بعد أن فر بعض المعتقلين عن طريق الحفر تحت السياج، قالوا: سنبني لكم قاعات تكون مقبرة لا ترون فيها شمساً ولا أهلين، ويكون مصيركم كمصير ( غوانتانامو ) .
تصوِّر بعض التقارير السرية، المقدَّمة إلى الكونجرس الأميركي، الحالة المزرية للسجون في العراق، كما أنها في حالة فوضى تامة, وأن السجناء تم إطعامهم الحشرات وأُجبروا على العيش في ظروف مزرية. ويُقدِّم بعض ما تسرَّب من تقرير ( توكاب ) صوراً واقعية لما هو عليه حال السجون والمعتقلات في العراق:
– عن تقرير لنقابة الحريات المدنية الأمريكية أن أحد العاملين الطبيين في سجن أبو غريب تحدث عن فحص ما بين 800 و 900 معتقل يومياً. مما يعني أن الفحص كان يستغرق أقل من دقيقة. كما أن طبيب السجن، وأحد زملائه من غير الأطباء، يقومون بعمليات بتر وغيرها من العمليات لمعتقلين. ويعاني من نقص في الأدوات الطبية وأنابيب التنفس والإمدادات الخاصة بالعظام، بما في ذلك الجبائر التي تستخدم لعلاج الكسور الناتجة عن شظايا القذائف والمتفجرات. وقدر ضابط اختصاصي في علم النفس أن خمسة بالمئة من المعتقلين يعانون من أمراض عقلية ولا يوجد طبيب في السجن لمعالجتهم.
– عاملوا السجناء بكل قسوة حتى يصلوا إلى حد من اليأس، بحيث يصبح السجين مستعداً لبيع أمه من أجل الحصول على بطانية أو على طعام بدون حشرات أو الحصول على قليل من النوم.
– أفاد بعض المعتقلين، في فترات اعتقالهم، أنهم تعرضوا للضرب بوحشية ( الصورة الرقم 12و 13 ) والاعتداء الجنسي، وعلقوا بالمقلوب، وحرموا من الماء والنوم، ولم يسمح لهم باستعمال المراحيض، وتعرضوا للترهيب بواسطة الكلاب ( الصورة الرقم 14 ) . ويفيد العراقي محمد صبّار ( 36 عام ) أنه أجبر مع غيره من المعتقلين على الاصطفاف أمام فرقة إعدام وهمية راح الجنود الأمريكيون يضحكون حيال طريقة انهيار أعصابهم قبل إعدامهم الوهمي.
– كانوا يُعاملون المعتقلين كالكلاب الضالة. يرمون إليهم الطعام بكل احتقار. بينما كانوا يُكرمون كلابهم ويدللونها ويطعمونها بأيديهم، أما المعتقلون فلا يستحقون، لأنهم وهابيون، حسب اتهامهم. ومن يجرؤ أو يتكلم يكمم الجنود الأمريكيون فمه بقطعة قماش يأتون بها من تحت أرجل كلابهم.
أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أن الجيش الأمريكي تلقى خلال العام ( 2004 ) 1700 شكوى بشأن وقوع اعتداءات جنسية كان ضحيتها أو مرتكبيها أفراد في القوات المسلحة. وشهد العام 2004 وقوع اعتداءات جنسية ارتكبها جنود ومجندات بالجيش الأمريكي بحق أسرى في العراق وأفغانستان، وكذلك جوانتانامو، وهي الانتهاكات التي نددت بها منظمات حقوقية دولية، مطالبة بمحاكمة المسئولين عنها.
وفي إحدى الوثائق المؤرخة في 24 يونيو/حزيران2004 تحت عنوان « تقرير عاجل » موجه إلى روبرت مولر مدير مكتب المباحث. يتضمن مشاهدات عن إساءة معاملة جسدية خطيرة لمعتقلين مدنيين عراقيين، تتضمن وقائع محاولات خنق وضرب ووضع أعقاب السجائر في فتحات آذان المعتقلين، واستخدام وسائل استجواب غير مصرح بها. وتشير الوثيقة إلى وجود محاولات للتغطية على أساليب التعذيب. وفي سجن غوانتنامو قال محققو مكتب المباحث إنهم شاهدوا معتقلين معلقين بالسلاسل في أوضاع غير إنسانية لأكثر من 24 ساعة ( الصورة الرقم 15 و16 ) ، تركوا يتبولون ويتبرزون على أنفسهم. وأشار أحد المحققين إلى أن معتقلاً شوهد وقد نتف أكثر من نصف شعر رأسه بشكل جنوني. وكشفت الوثائق أن أحد المعتقلين شوهد جالساً على أرض غرفة الاستجواب وقد لف حوله العلم الإسرائيلي. كما فتحت أصوات الموسيقى بشكل مرتفع لدرجة لا تطاق، إضافة إلى مضايقته بالأضواء القوية. وزعم القوصي الذي كان من بين أول فوج بدئ بمحاكمته عسكرياً بتهم ارتكاب جرائم حرب، أن المحققين في غوانتانامو لفوا السجناء بعلم إسرائيلي وأظهروا لهم صورا عارية وأرغموهم على الحضور، في الوقت الذي كان فيه البعض الآخر يمارس الجنس. وقد نفى المسؤولون العسكريون تلك المزاعم.
ومن أهم الشهادات عن حالة المعتقلين في السجون، تلك الشهادة التي قدَّمها عميد كلية الشرطة في النظام السياسي الذي سبق الاحتلال:
1- كان عدد المعتقلين كثيفاً في معسكر أسرى الحرب في المطار بحدود 5000 شخص، وفي أم قصر بحدود 12000 شخص من مختلف التهم والأصناف، بينهم عسكريون وموظفون وقياديون ووزراء، ومعهم مجرمون عاديون من المتهمين بالسرقات والقتل. كما كان هناك أحداث، ونساء دون أي عزل أو تصنيف، فضلاً عن الكثافة الإسكانية فالخيمة التي طاقتها الاستيعابية 12ـ16 كان يوضع فيها أكثر من 30 معتقلاً.
2- المحققون في المعسكرات من جنسيات مختلفة، وأكثريتهم من الاستخبارات العسكرية والمخابرات الأميركية وعدد من البريطانيين. ووجود عدد كبير من الكويتيين ضباطاً وصف ضباط، ويبدو أن بعضهم متطوع والآخرين منتدبين للعمل مع القوات الأميركية، وكان تعامل الكويتيين أكثر قسوة وخشونة من الأميركان. وهناك جنود من جنسيات أخري: باكستانيون، وهنود، وإيرانيون، ومترجمون من لبنان ومصر.
3- كان يمنع علي المعتقلين حلاقة الوجه أو الرأس، وتقليم الأظافر. فضلا عن منع التدخين، وكان بعض الحراس يبيعون السيكارة الواحدة للأسرى بسعر 750 ديناراً.
4- للجندي المسؤول عن الحراسة كامل الصلاحيات في إساءة التصرف ومعاقبة المعتقلين بالحرمان من الماء، أو منع الذهاب إلى المرافق الصحية، أو الحرمان من الطعام.
5- مُنع ممثلو الصليب الأحمر، ومنظمة العفو، وجمعيات حقوق الإنسان من دخول المعتقل سوى مرة واحدة مع الصليب الأحمر علي مدى 42 يوماً. كما أن الحق في زيارة الأهل ممنوع إذ « إن الوصول للسجناء صعب جداً ويقتضي الانتقال من مسؤول أميركي إلى آخر قبل الانتهاء بفشل ذريع » .
2- عقوبات السجناء والأسرى نتيجة ما تعتبره مخالفات داخل قاعات الاعتقال:
الاقتياد إلى القسم الانفرادي. ووضع الأكياس السود في الرؤوس. وضع المعاقبين في ساحة مكشوفة بعد ربط الأيدي. ثم عمليات التعذيب بإشراف ضابط أمريكي مع عدد من المجندات. خلع الملابس بالرضا أو بالقوة. وضع المعتقلين في قاعة رطبة. إجبارهم على ممارسة العادة السرية مترافقة بحركات إغراء تقوم بها المجندات. الكتابة على المؤخرة عبارات تؤدي بالحراس إلى الضحك بهستيريا. الربط بالحبال وأمر المعتقلين بالنباح. والمشاهد تصور من قبلهم.
نتيجة احتجاج السجناء سلمياً إثر منعهم من مغادرة زنزاناتهم لمدة ثلاثة أيام متتالية، ألقى حراس السجن عليهم قنابل الصدمة، وأطلقوا الرصاص المطاطي، حتى أنهم قتلوا أحدهم برصاص حقيقي عندما ساء الوضع. ومن بعدها حشروا نزلاء كل ثلاث زنزانات من الرجال في زنزانة واحدة وسط التهديد بالسلاح والحرمان من الماء. ونتيجة لذلك ينشب العراك بين السجناء بسبب ضيق المساحة وقلة السجائر. وإذا تعارك رجلان كانوا يستخدمون الغاز المسيل لدموع في مساحات ضيقة وفي مواجهة مجموعات كبيرة.
أن القوات الأمريكية قامت أثناء موجة الاحتجاجات الأخيرة في سجن بوكا، في جنوب العراق، برش المعتقلين بالطائرات بمادة سمية بيضاء اللون، أدت إلى تشوه وجوه بعض المعتقلين وانتشار الحروق بينهم، و بعد انتشار حكة جلدية شديدة بين المعتقلين، الذين أصابتهم تلك المادة. كما تسببت تلك المادة في فقدان بصر وقتي عند بعض الذين أصيبوا، في حين قتل عدد من المعتقلين في تلك الأحداث.
ومن أجل عزل المعتقلين المخالفين قامت قوات الاحتلال ببناء محاجر حديدية، بلغ عددها العشرات، ما إن تراها حتى يقشعر جلدك، هي عبارة عن أقفاص حديدية متر في مترين، القضبان الحديدية فيها من كل جهاتها الستة.
والعقوبات الفردية والجماعية موجودة حيث يتم تعريض السجناء لعقاب جماعي بإدخال كلاب بوليسية إلى مخيمات السجناء ويطلقون الرصاص المطاطي أحياناً على المعتقلين بسبب وبدون سبب.
3- وسائل الاستجواب:
خوَّلت مذكرة، حصل عليه « الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية » ، أعلى رتبة في جيش الاحتلال الأميركي للعراق باستخدام وسائل الاستجواب التالية: أساليب من بينها الإبقاء على السجناء في أوضاع متعبة، واستخدام موسيقى صاخبة والتحكم في الإضاءة، وتغيير أنماط النوم. واستخدام كلاب الجيش المكممة بهدف « استغلال خوف العرب من الكلاب مع الحفاظ على الأمن خلال الاستجواب » .
أكد القائد العسكري الأميركي الأسبق في العراق، الجنرال ريكاردو سانشيز، أنه وحده كان يمتلك الصلاحية للمصادقة على أساليب التحقيق القاسية في أبو غريب. ولكن جنود الاستخبارات العسكرية الذين عملوا في فريق « المشاريع الخاصة » ، قالوا إنهم لم يعودوا بحاجة إلى مصادقة الجنرال سانشيز على استخدام الأساليب القاسية، خاصة أن الكولونيل توماس باباس، ضابط الاستخبارات المسؤول في السجن، كان قد ابلغهم بأن لديهم موافقته المسبقة على استخدام تلك الأساليب.
ولم تعد هناك حاجة إلى رفعهم خطط التحقيق إليه للمصادقة عليها. ويمكن أن تأتي من رقباء في شعبة الاستخبارات العسكرية في السجن بدلاً من مصادقة الكولونيل، وهو ما جعل عملية المصادقة أقصر من الناحية الإجرائية. كما أعطيت صلاحيات الموافقة على وسائل التعذيب ل « فريق المشاريع الخاصة » . وقال جندي كان يعمل مع المجموعة إنه « ما إن أصبحنا فريق المشاريع الخاصة تغيرت قواعد العمل. وبات الأمر: افعلوا ما تحتاجون إلى فعله للحصول على معلومات. ومن الطبيعي أننا فعلنا الشيء الذي نريده » .
قامت الإدارة الأميركية بخصخصة قطاع التحقيق مع المعتقلين في العراق، لمصلحة الشركات الخاصة. وقد أشارت تقارير إلى تورط بعض الموظفين الأمنيين المتعاقدين من شركة ( سي أي سي آي انترنشونال إنك ) من ارلينغتون في فيرجينيا في هذه الممارسات وسوء إدارة التحقيقات. وتتولى الشركات الخاصة معظم الوظائف الأمنية للجيش الأمريكي في العراق، ومن ضمنها العديد من العمليات الأمنية والاستخباراتية.
لقد طلبت الاستخبارات العسكرية الأميركية، التي تشرف على التحقيق، من الجنود أخذ الصور البشعة، وذلك لإهانة المعتقلين، وإجبار الآخرين على الاعتراف.
4- سادية جنود الاحتلال الأميركي:
السادية، كما ظهرت واضحة في سلوك الجنود الأميركيين تعود إلى عاملين: أيديولوجي ومسلكي تربوي. أما الإيديولوجي، فله علاقة بالقائمين على تعذيب العراقيين فهم من جنود الاحتلال الذين ينتمون إلى المجموعة المسيحية الصهيونية التي تحكم في أمريكا.
ليست السادية نزعة غريزية، بل عادة يمكن اكتسابها بالإعداد النفسي. بالتدريب أولاً، وبالممارسة ثانياً. وعلى مقاييس المهمات، التي أعدَّت فيها الإدارة الأميركية جنودها، دربَّهم ضباط « البنتاغون » وخبراؤه في النفس والاجتماع على أن يسلكوا سلوكاً سادياً في الحروب التي يشاركون فيها. يقول الجندي جيم ميسي الذي أخرج من الجيش الأميركي لأسباب صحية: لقد رأيت الرعب الذي كنا نسببه كل يوم في العراق. لقد كنت جزءاً منه.
فنحن جميعاً قتلة. « لقد قتلنا العراقيين المدنيين الأبرياء في كل الأوقات، فتلك كانت هي الطريقة التي اتبعناه » . أنا أعتقد أن « عليهم » أن يسحبوا جميع القوات الأجنبية من العراق حالاً. وأنا أقول ذلك عن الجنود الآخرين: لتجنب العقاب أو الثأر من قبل الجيش، فإنهم لا يريدون أن يتكلموا ويعترفوا بأن قتل « الإرهابيين » هو ليس مهمتنا. إنها حرب لقتل المدنيين الأبرياء. ويتابع قائلاً: خضعنا لدورات تدريب لمواجهة « العنف والعدوانية » ، ُتسمى « مخيم الجزمة » ، وفيه يتعرض كل جندي إلى طرق نزع الإنسانية وعدم التأثر بالعنف. ولكنهم لم يخبروني بأن ذلك يعني قتل مواطنين مدنيين أبرياء. وفي الجبهة يُتخمون الجنود بمضادات الاكتئاب، وبعد ذلك يعيدوهم إلى المعارك مرة أخرى. وهذا هو علاج الطوارئ لما يسمى ب « إجهاد الصدمة النفسية » ، عندما تتغلب فكرة رفض القتل على حياة الجندي.
قال الجنرال جيمس ماتيس: « في الحقيقية، القتال شيء مليء بالمتعة. عندما تذهب لأفغانستان تجد رجالاً كانوا يصفعون النساء بلا مبالاة لأنهم لا يرتدون الحجاب. إن رجالاً مثل هؤلاء ليس لديهم أية رجولة متبقية. لذا قتلهم هو شيء مليء بالمتعة » .
يقول الجندي الأميركي ماسي إنه رأى جثثاً تهان وتسرق وجرحى مدنيين يرمون على قارعة الطريق دون إسعاف. وبعد أن أخبر ضابطه أنه يشعر بأنهم يرتكبون جرائم إبادة، أطلق عليه الضابط لقب « جبان » .
يعدد أحد جنود الاحتلال الحوادث التي شاهدها: في أوائل نيسان/أبريل 2004، قرب مجمع عسكري عراقي يبعد خمسة أميال عن مطار بغداد: كان هناك تقريباً 10 رجال قرب دبابة. فتحنا عليهم النار. تركنا القتلى في أماكنهم.لاحظنا بعض الار بي جي على بعد 200 متراً منهم، يعني أن المتظاهرين كان بإمكانهم أن يطلقوا علينا النار ولكنهم لم يفعلوا. أطلقنا النار على شاحنة مسرعة. أحد الركاب قفز فقتلناه. وكان السائق ميتاً.
– أطلقنا النار على سيارة تويوتا كورولا. قتلنا السائق وخرج من السيارة راكب رافعاً ذراعيه إلى الأعلى فقتلناه.
– أطلقت النار على سيارة فيها امرأة وطفلين. وقتل الجميع.
وفيما بعد قلت لقائدي: انه يوم سيئ، فرد قائلاً: كلا إنه يوم جيد.
وقد شاهد الجندي أثناء أداء مهامه في العراق عراقيين جرحى يرمى بهم على جانب الطريق دون إسعاف. ويوضح قائلاً : إن العراقيين شاهدونا ونحن نهين أمواتهم طوال الوقت. كنا نتحلق حول جثثهم المتفحمة نمثل بها، ونركلها خارج السيارات ونضع سجائر في أفواههم. كما رأيت مركبات تدوسهم. وكان عملنا تفتيش جيوب العراقيين القتلى لنجمع معلومات. ولكني كنت أشاهد المارينز وهم يسرقون السلاسل الذهبية والساعات والمحافظ المليئة بالنقود.
نستدل على تلك السادية من خلال الصور التي التقطها الجنود، ومنها:
تظهر الصور جنوداً يمارسون الجنس مع بعضهم البعض، وفي أخرى جنود قرب بقرة مذبوحة بعد سلخ جلدها، حيث يظهر رأس البقرة المليء بالرضوض والدماء، وفي مرات أخرى التقطت صور لجنود بجانب قطة مشوهة الرأس، ومن هذه الصورة مئات المناظر.
وتظهر صور أخرى رجالاً جرحى وجثثاً، وفي واحدة من الصور ظهرت صورة رجل مطروح على أرضية شاحنة، ووجهه وقميصه وذراعه مغطاة بالدماء، ويبدو أنه فقد يده، فيما تشير صورة إلى جثة رمادية متعفنة، وبجانب الصورة جندي يبتسم رافعاً إبهامه. وفي صورة أخرى، امرأة تستعرض نهديها، ولا يعرف إن كانت سجينة أم لا. وتظهر صورة أخرى ثلاثة أو أربعة معتقلين عراة أوثقوا مع بعضهم البعض وهم ملقون على الأرض، بينما يتبختر جنود أمريكيون من حولهم. ومعظم المعتقلين الذين ظهروا في الصور يلبسون أساور بيضاء تحمل هويتهم. وتوجد صور لرجال عراة سجناء كوموا فوق بعضهم بينما وقف جنود حولهم. وصورة لسجين عراقي مات تحت التعذيب، ووضعت جثته بالثلج مدة أربع وعشرين ساعة، قبل أن يرمى به خارج السجن.
جندي أميركي يوجه بندقيته إلى عراقي جريح كان يئن ويبدو متألماً بينما ينظر الجندي إلى الكاميرا قائلاً: « لقد أطلق عليَّ النار » . وبعد ذلك يوجه الجندي ركلة إلى الجريح. وفي لقطة أخرى، تصور الكاميرا صفاً من المعتقلين الذين ربطت أيديهم وراء ظهرهم بينما يكرر صوت « قذر. قذر. قذر » . كما يظهر جنود من الوحدة نفسها يقومون بتفتيش شاحنة متوقفة ليلاً ويكتشفون أن سائقها قتل بالرصاص. ويقوم جندي بهز الجثة قائلاً: « انتظروا سأجبره على تحيتن » .
أما حول بطل السادية، الجندي غرينر، وحسب شهادة الذين استمعت هيئة المحكمة لشهادتهم، فقد أجاب الشاهد الذي سألته المحمكة إن كانت تبدو على غرينر المتعة عندما كان يقوم بتعذيب المساجين، فرد أنه كان يضحك ويصفر ويغني.
يقول مايكل راتنر، أحد خبراء مركز حقوق الإنسان في نيويورك: إن كل الجنود الأمريكيين عصبيون، ويسيرون على قاعدة « أولا.. أطلق الرصاص، وبعد ذلك اسأل » . وكثير جداً من المواطنين العراقيين أصيبوا أو قتلوا أمام نقاط التفتيش في كل مكان في العراق، ونحن نعرف أن مئات المدنيين الأبرياء قتلوا بإطلاق الرصاص عليهم من قبل الجنود الأمريكيين من دون أي سبب. وقال جون بايك، من معهد الأمن الكوني في واشنطن، إنه إذا ما قام جندي أمريكي في نقطة تفتيش بقتل أي مدني وتم التحقيق معه.. لا يحدث له أي شيء،