منصور الجمري
يطرح البعض مقاربة تقول بأن ما نمرُّ به من مشاكل سياسية يمكن حلها عبر إصدار مزيد من القوانين الخاصة بالعقوبات المشددة، ولكن مثل هذه المقاربة ربما تغفل أن فاعلية القوانين تعتمد على مدى تمثيلها لإرادة أكبر عدد من الناس في أي مجتمع، ومدى تطابق هذه القوانين مع الحقوق الأساسية للإنسان، كما هو منصوص عليه في العهود والاتفاقيات الدولية.
ولعل المقاربة الأفضل ليست في مزيد من القوانين وإنما في اكتساب مهارات متوافرة حاليّاً في كل مكان وهي متخصصة في حل النزاعات والوصول إلى تسويات ومصالحات ضمن شراكة عملية تجمع الأطراف المعنية وتنصفها من بعضها البعض عبر التراضي. هذه المقاربة أقل كلفة من غيرها، وينتج عنها وطن هانئ مستقر متعايش، يسود فيه العدل، وتتحرك فيه عجلة التنمية الاقتصادية بصورة مستدامة.
هذه المقاربة تعتمد على الطرق السلمية والبناءة، وتتطلب أن تفهم الأطراف بعضها البعض، وتتحسس مشاكل بعضها البعض، وتعترف بوجود بعضها البعض، ويسعى الجميع نحو الوئام والتماسك الاجتماعي الذي من دونه لا تنفع قوانين ولا تنفع مؤسسات. هذه المقاربة لا تخجل من الخلافات والمشاحنات، ولا تعتمد على اتهام أشرار في الداخل أو الخارج، وإنما تعتمد على الخير المتأصل في النفس الإنسانية، وتثق بقدرة الإنسان على تطوير حلول طويلة الأجل لإقامة مجتمع متحضر.
هذه المقاربة ثابتة في منهجها الإنساني، وهي لا تخشى الخلافات السياسية في الداخل، وتتحمل المخاطر القادمة من الخارج؛ لأنها تثق بالمجتمع، وبقدرته على المشاركة الفعالة في الإصلاح المستمر لمواكبة المتغيرات. إنها مقاربة تقوم أساساً على تنازل المجتمع لبعضه البعض، وتوافق القوى السياسية على تحقيق الإجماع الوطني والحفاظ على المكاسب التاريخية وسلامة المجتمع من التمزق، وحفظ أمن الدولة، وحماية الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين.