قاسم حسين
في تطور سياسي لافت، اعتقلت السلطات الأمنية صباح الثلثاء الماضي ستة من أفراد «الكادر الطبي» بعد أقل من 20 ساعة من تأييد محكمة التمييز لأحكام محكمة الاستئناف.
قضية الكادر الطبي تأتي ضمن سلسلة معقدة من القضايا، بعدما ولّدت الأزمة السياسية أزمةً حقوقيةً، ذهب ضحيتها آلاف المواطنين، وهي نسبة عالية بالنظر لعدد السكان البالغ 700 ألف، مقارنةًً بما جرى في بلدان الربيع العربي، التي يبلغ سكانها الملايين، من دون أن يتعرض الحراك السياسي فيها لمثل هذه المعالجات العقابية الشديدة، التي طالت مختلف القطاعات الصحية والتعليمية والعمالية والأكاديمية والإعلامية والرياضية.
قضية الأطباء تحديداً أكثر قضية مكشوفة الظهر، إذ لا يمكن الدفاع عن اعتقال أطباء أدّوا واجبهم المهني على خير وجه، وبادروا لإنقاذ أرواح عشرات الجرحى والمصابين في أصعب الأيام. والرواية التي وُجّهت لإقناع الرأي العام في الداخل باحتلالهم المستشفى لم تفلح في إقناع غير قسم من المواطنين، وتبين لاحقاً للكثير منهم أنها روايةٌ لا تصمد أمام النقد. وسبق لمحكمة الاستئناف العليا أن برأت الأطباء من تهمة أطباء السلمانية من تهمة حيازة الأسلحة واحتلال مجمعهم الطبي.
إن من المؤسف حقاً أن الفرصة الأخيرة للخروج من هذه القضية وتبعاتها المربكة للدولة قد أضيعت في محكمة الاستئناف. وحقاً… لم يُنصف الدولة ولم يخلص النصيحة من أشار بالمضي في خيار سجن الأطباء. وقد شهدنا أول تفاعلات القرار، بورود البحرين على رأس أخبار الفضائيات العربية والأجنبية، على مدار اليومين الماضيين.
على المستوى الدولي، ترددت أصداء هذه القضية الإنسانية الغريبة، فطالبت «منظمة أطباء لأجل حقوق الإنسان» و«منظمة العفو الدولية»، بإلغاء أحكام السجن، والتحقيق في ادعاءات تعرض الأطباء للتعذيب، واعتبرتهم «سجناء رأي». وهذه القضية مجمعٌ عليها دولياً، سواء من قبل المنظمات الحقوقية والنقابية، أو عواصم الدول الكبرى الحليفة التي تربطنا بها علاقاتٌ تاريخيةٌ راسخة، مثل الولايات المتحدة الأميركية أو دول الاتحاد الأوروبي ومن بينها بريطانيا وفرنسا.
«منظمة أطباء لأجل حقوق الإنسان» ذكّرت بزيارتها للبحرين ثلاث مرات، حيث وثّقت انتهاكات حقوق الإنسان في ثلاثة تقارير، شملت اعتقال وتعذيب الأطباء، وعسكرة المستشفيات، واستخدام الغازات الخانقة المسيلة للدموع. واعتبر مديرها «التمسك بإدانة الكادر الطبي، بناء على اتهامات سياسية، يعني التأثير سلباً على النظام الصحي في البحرين، ويجب وضع حدٍ لهذه الانتهاكات الجسيمة لمبدأ الحياد الطبي». أما «منظمة العفو الدولية» فطالبت الحكومة بالالتزام بالتوصية التي وافقت عليها في جنيف، والتي دعت لإطلاق سراح سجناء الرأي، وفي مقدمتهم الأطباء الذين اعتقلوا لممارستهم حقهم في حرية التجمع والتعبير عن الرأي، ولم يستخدموا العنف أو يدعوا إليه.
لم يمضِ أسبوعان على جلسة مراجعة ملف حقوق الإنسان في البحرين، وإعلان بعض الجهات الحكومية الانتصار رسمياً، حتى يعود الوضع البحريني إلى الواجهة الإعلامية من جديد، ليثير المزيد من الشكوك على ما رُوّج وكُتب وأُذيع، مع سقوط ضحايا آخرين، أحدهم برصاص الشوزن، والآخر بسبب الإهمالٍ ومضاعفات مرض السكلر، الذي يعاني المصابون به من إهمال كرسته السياسات المستدامة، على رغم تغيّر خمسة وزراء صحة خلال عشرة أعوام، من دون تغيير أو اكتراث بهذه المأساة. فهل من جديد؟