سعيد محمد
هل تدرك حكومات دول المنطقة، بل قل الحكومات العربية والإسلامية قاطبة إن شئت، مخاطر «تكريس» تهمة انعدام ولاء الشيعة لأوطانهم واعتبارهم، ضمن اسطوانة مقيتة، بأنهم أذناب لإيران؟ وهل هناك «مكاسب محددة» من وراء الترويج لهذا الاتهام بأدلة واهية مكررة لا تكاد تصمد؟ وأيهما أفضل، تعزيز المواطنة الكاملة لجميع المواطنين، أم إبقاء التهمة قائمة دون نظر إلى انعكاساتها الخطيرة، والتي اعتمدتها الكثير من الوسائل الإعلامية والمواقع الإلكترونية وشخصيات خليجية وعربية وإسلامية؟
وهل يعقل أن يتم اعتماد حجج وبراهين للتشكيك في ولاء الشيعة بناءً على انتمائهم المذهبي، أو وفقاً لنشاطهم المعارض للحكومات، وكذلك اعتبار وجود مرجعية فقهية في إيران يقلدها ملايين الشيعة في العالم، على أنها شكل من أشكال الولاء المطلق إلى إيران؟ وتجاوزاً، هل يمكن قبول وجود مجموعات شيعية لها ولاء لإيران وتخابر وتنسيق، على أنها التهمة الشاملة الكاملة لكل الشيعة في العالم؟
قائمة التساؤلات المشروعة لا يمكن أن تكون محدودة… فيما في المقابل، يتوجب على الشيعة في دولهم أن يثبتوا دائماً أن ولاءهم لأوطانهم، وعلى كل مواطن شيعي متهم أن يقدم قرابين الولاء دائماً وأبداً… وفي الغالب تخضع تلك المواقف لعناوين التقية والكذب، وكذلك اعتماد «التشكيك لا محالة»! وهذا الوضع له تأثيره البالغ على استقرار النسيج الاجتماعي الوطني، وبدلاً من أن تتجه تلك الدول والحكومات لقطع الطريق على من يستهدف التشكيك في انتماء الشيعة، وإدماجهم، حالهم حال كل الطوائف، تحت إطار المواطنة الكاملة والحقوق السياسية والاجتماعية والدينية، تفسح المجال لخطاب إعلامي وديني متطرف ينال من المواطنين الشيعة… فهم «أذناب إيران» لا محالة. كل ذلك لا يحل المعضل الكبير بل يزيده تعقيداً، أما الحل، فهو من السهولة بمكان: يمنع التشكيك في انتماء أي مواطن، ويقدم إلى المساءلة القانونية كل من يتعمد التشكيك في ولاء وانتماء وحقوق أي مواطن.
الشيعة في الخليج، وفي كل الدول العربية والإسلامية، لهم وجودهم قطعاً، وربما اختلف الوضع في منطقة الخليج العربي ليتأسس على الوجود التاريخي، وفي مقابل هذه الحقيقة هناك تهمة أخرى أكبر… الشيعة على مر التاريخ أيضاً متآمرون وخونة، ويريدون بالأمة الإسلامية شراً، وهو كلام لا يعدو كونه شنشنة أخزم.
بأدنى مستوى من الجهد، يمكن رؤية المدى الشاسع لمراحل انتقال التهمة من على ألسنة البعض، ألا وهي (أذناب إيران)، إلى خطابات وشخصيات معتمدة في الكثير من وسائل الإعلام. نعم، لا يمكن اعتبار وسائل الإعلام في فضاء مفتوح بأنها ليست مسئولة، وفي ذات الوقت، لا يمكن القبول بالتمادي الواضح في وضع الشيعة تحت هذا الاتهام.
ويمكن أيضاً تحديد أكثر العبارات شيوعاً: «الشيعة هم أذناب إيران… ينفذون تعليمات ولاية الفقيه، فلا وطنية ولا انتماء لهم لأوطانهم… يخططون منذ عقود للنيل من أهل السنة… حقوقهم مصانة محفوظة من جانب حكوماتهم، لكنهم يتآمرون مع إيران من خلال شبكات تجسس وأعمال عنف وتخريب… الشيعة ينتظرون ساعة الصفر… هناك جيش شيعي على أهبة الاستعداد… خلايا نائمة موزعة في دول المنطقة، يسعون لتطبيق النموذج الإيراني في دولهم.. إيران هي التي تمول مؤامراتهم وأعمالهم التخريبية… لابد للحكومات من أن تكشف خطر الشيعة.. و..و..و..».
لعل السؤال الذي يطرح نفسه :»ما هي الفائدة التي ترجوها الحكومات إن سعت لإبقاء تهمة «أذناب إيران» على الشيعة؟ ثم ما هي الفائدة التي يمكن أن تحققها لو ألغت هذه التهمة العقدة وأعادت بناء جسور الثقة بلا فواصل مع الكيانات الشيعية الدينية والسياسية والاجتماعية، ورفضت بحزم، أن يشكك أي طرف في انتماء الشيعة؟»، بلا شك، فإن إبقاء التهمة ينضوي تحت عنوان المخاطر المستمرة في تجزيء المجتمعات، فيما بناء الثقة سيعود قطعاً بالنفع على تلك الحكومات، وليس من المعقول أن تصب هذه الحكومة أو تلك جام غضبها وخلافاتها مع إيران على الشيعة، أو أن تلصق بهم التآمر والتخطيط والعمل على قلب الأنظمة وما إلى ذلك من اتهامات، دونما أن يكون هناك نهاية منطقية لمثل هذه التهم المتراكمة المؤثرة على الداخل الوطني في ظل وضع إقليمي مضطرب.
لكن، ماهي حقيقة الانتماء الوطني للمواطنين الشيعة في أوطانهم؟ الحقيقة الواحدة المطلقة التي تعرفها الحكومات المشككة في ولاء مواطنيها الشيعة، أو لنقل أقطاب قوى في تلك الحكومات، ويحاولون تدميرها وإحلال تهمة «أذناب إيران» محلها، هي أن الشيعة على مر التاريخ كانوا ولا يزالون ركنا رئيساً في الأمة، مهما كانت مستحدثات الاتهام الجيوسياسي إن جاز التعبير.
حسناً، سأعود بالقاريء الكريم إلى شهر أبريل/نيسان من العام 2006، لأقدم نموذجاً سيئاً للغاية، وهو الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك حينما أطلق اتهامه الشهير للشيعة بالولاء لإيران، وكانت ردود الفعل قوية دون شك، سواء اعتبرها البعض تقية أم كذباً أم خداعاً، لتتمحور على أنه لا مجال أبداً للتشكيك في ولاء الشيعة لأوطانهم وأن مثل هذه الاتهامات أن هي جزء من مخططات الفتنة، أليس كذلك؟
نعم هو كذلك، ومن أجمل وأعمق الآراء التي طرحتها الصحافة في رصدها لردود الأفعال آنذاك، ما نقل عن المفكر البحريني علي محمد فخرو الذي قدم توصيفاً عميقاً بقوله :»أنا أتمنى أن هناك سوء فهم كبيراً لهذا التصريح من قبل الذين أعلنوه، ولكن في جميع الأحوال أعتقد أنه من الضروري التذكير بأنه في العراق تأسس الحزب القومي العربي (حزب البعث) من قبل شيعة العراق أولاً، لتمسكهم بعروبتهم وأمتهم العربية، وفي الحرب العراقية الإيرانية مات عشرات الألوف من الشيعة، وهم يدافعون عن وطنهم وعن عروبتهم، وفي لبنان كان الشيعة هم الذين حرروا جنوب لبنان من دنس الصهيونية باسم عروبة لبنان وباسم الإسلام، وفي البحرين كان الشيعة أول من صوَّت لعروبة البحرين عند استقلالها من الاستعمار البريطاني، وأول من أسند بقاء الحكم العربي في هذه الجزيرة».
ولنركِّز على فقرة من قول المفكر فخرو لنطبقها على واقع اليوم، ولنعرف أبعاد تهمة «أذناب إيران» :»الأخوة الإيرانيون يلتزمون بوطنيتهم الإيرانية، والأخوة العرب يلتزمون بعروبتهم ووطنيتهم المحلية، ونحن سنة وشيعة نرفض أن ننجر في معركة هي أفضل ما تريده الولايات المتحدة الأميركية و»إسرائيل» في مشروعهما الاستعماري الجديد. إن مصر التي قادت النضال في الأمة العربية والأمة الإسلامية من أجل تحريرهما ونهضتهما لا يمكن أبداً أن تضع نفسها في خندق الآخرين، ومن هنا الرجاء التام أن يكون التصريح فهم بخطأ لا ترضاه مصر لنفسها».
للحديث صلة…