قاسم حسين
ستمثل جنيف محطةً مهمةً في تاريخ الحركة السياسية في البحرين… باعتبارها فصلاً في كتاب هذا الشعب العربي المسلم الكريم.
جنيف لم تكن إلا محطةً في رحلةٍ جبليةٍ صعبةٍ شاقة، إذا استعرنا عنوان كتاب الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان.
قبل الذهاب إلى جنيف، كانت الأعصاب متوترةً، وانعكس ذلك على التصريحات الرسمية، وعلى المقالات والافتتاحيات، حتى بلغ الأمر بأحدهم أن يكتب رسالةً مفتوحةً إلى أكبر شخصيةٍ أمميةٍ توافقية في عالم السياسة، يحتل منصب الأمين العام للأمم المتحدة، ليخاطبه بلغة سوقية لا تليق بالكبار وأصحاب التجربة: «عليك أن تخجل من نفسك يا بان كي مون»! وهو مقالٌ سيتم تصنيفه من ضمن الكتابات الرديئة حين تُؤرّخ هذه المرحلة الرمادية من تاريخ الصحافة في البحرين.
لم يكن المقال وحيداً في بابه، بل كانت هناك كتاباتٌ أخرى تنزف من بئر الكراهية نفسها، وتوجه حرابها ضد مسئولين أمميين آخرين، مثل المفوضة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي، التي عُرفت بمواقفها الناقدة للأنظمة التي تنتهك حقوق شعوبها. وفي حالاتٍ أخرى قامت بعض تلك الصحف بتحريف تصريحات لمسئولي منظمات حقوقية دولية، وامتنعت عن نشر ردودهم التصحيحية، فضلاً عن الاعتذار للجمهور على تضليله.
في جنيف لم يكن هناك نصرٌ، حتى لا يتوهمن متوهّمٌ أو يُستَغفل غافل… وإنّما قبولٌ بـ 90 في المئة من التوصيات التي أصدرتها دول العالم قبل ثلاثة أشهر بحق البحرين، لتصحيح وضعها الحقوقي، وهو ما وعدت به البحرين في الجلسة الأخيرة. والإقرار اعترافٌ بما كان يتم إنكاره من قبل، والاعتراف يُوجِب التصحيح، وهنا سيكون الاختبار، أمام الله، وأمام الرأي العام المحلي والدولي، وأمام الضمير… ليس أكثر. وهل ذلك سهلٌ قليلٌ؟
حين أُعلِن عن تشكيل لجنة بسيوني، انقسم الرأي العام إلى مؤيد ومتحفظ مشكّك ومعارض، وكانت هناك دعواتٌ لمقاطعتها، لكن المعارضة اختارت التعاطي الإيجابي مع اللجنة، وحثّت المتضررين على تزويد اللجنة بكافة صور الانتهاكات والتجاوزات، فجاء التقرير لصالحها بنسبة 80 في المئة، وانقلب ترحيب تلك الصحف ببسيوني إلى توجّس وتشكّك وعداء. وهناك أصواتٌ دعت إلى تجاوزه وعدم الاكتراث بنتائجه وتوصياته. ومع ذلك دخل التقرير التاريخ البحريني من أوسع أبوابه، كأكبر وثيقةٍ معتمدةٍ رسمياً، سجّلت مختلف صور الانتهاكات وحوادث القتل خارج القانون؛ والفصل الجماعي للآلاف من الوظائف لدوافع سياسية أقرب للانتقام؛ وهدم عشرات المساجد… إلى آخره من انتهاكات. لقد كان توثيقاً يومياً لحقبةٍ سياسيةٍ عاصفة.
يختلف البحرينيون اليوم كثيراً حتى على البديهيات… لكن سيأتي يومٌ تعتبر فيه جنيف مجرد محطة في رحلة البحريني الحالم بالحرية والديمقراطية والعدل والمساواة.