سوسن دهنيم
في الوقت الذي تعلن فيه وزارة الداخلية عن ملاحقة الحسابات الإلكترونية على شبكات التواصل الاجتماعي التي تقترف «جرائم التشهير»، وفي الوقت الذي توقف فيه وزارة العدل بعض الخطباء عن الخطابة في بعض المساجد.
نجد أن إمام أحدها مازال يسمم المؤتمِّين به بخطبٍ لم تخلُ في جمعةٍ واحدةٍ من التحريض الطائفيّ، وإثارة الفتن بل والتهجم على مكونٍ أساسيٍّ كاملٍ من مكونات المجتمع يمثل طائفةً كاملةً ليشتمه ويسمه بالكفر وعبادة مَن دون الله، ويدعو لمحاربته وإبادته!
خطبٌ لو قُرِأَت على أكثر الناس ثقافةً وأعمقهم وعياً، للانوا وأصابتهم الريبة وصدَّقوا ما يقال، ولحملوا الأسلحة ربما لمحاربة من حرّض عليهم في حال أنهم أمنوا العقاب، لشدة لهجتها التحريضية، خصوصاً وأن صاحبها يقولها بشكلٍ صريحٍ وكأنها دعوة للجهاد: «حاربوهم»، «إنهم يعبدون غير الله ويسبون الصحابة»، كما يدعو الله أن يدحرهم ولا يرفع لهم راية ويدعو السلطة لمحاربتهم أيضاً وإخراجهم من الديار بعد أن يصفهم بالرافضة والمجوس وغير المؤمنين!
نعم، احتوت خطبة هذا الإمام والنائب في مجلس النواب الذي يجب أن يمثل إرادة الشعب ويسعى لحل مشكلاته والوقوف إلى جانبه ضد كل مسئول يقصر في حقه، احتوت خطبته الأخيرة في يوم الجمعة الماضي الموافق 14 سبتمبر/أيلول2012، تهجماً واضحاً وصريحاً، وازدراءً لا يقبله حرٌ، وتحريضاً لن يؤدي إلا لمزيد من التفرقة بين أبناء الشعب والتمزق في الجسد الوطني.
فلماذا تغض وزارتا العدل والداخلية الطرف عن مثله؟
حين نتحدث عن «تنفيذ توصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق»، وحين نتحدث عن «الرغبة في الإصلاح»، والرغبة في «لم الشمل»، ورأب صدع «اللحمة الوطنية» التي تفككت، وحين نتحدث عن «معاقبة مثيري الفتن»، وحين نتحدث عن «وطن تكافئ الفرص» الذي يكون فيه جميع أبنائه سواسية، وعن «عدالة القضاء والحكم»، وجميعها تصريحات مسئولين رفيعي المستوى في البحرين، أليس الأجدر بنا أن نقنن هذا الخطاب الطائفي البغيض، وهذه الكراهيات العلنية، والتحريض المنبري الذي انسلخ محدثوه من أصل واجبهم، وابتعدوا عن رسالتهم في تثقيف الأمة، والحفاظ على وحدة المسلمين، والارتقاء بمستوى الأخلاق؟
ما زلنا ننتظر من الوزارتين المعنيتين بالأمر اتخاذ خطوات جادة وصارمة تجاه كل إمام وخطيب ينزلق عن الحق، ويسعى لتهديد السلم الأهلي بتحريضه، ويمزق النسيج الإجتماعي، وما زلنا ننتظر من المتعقلين من كلا الطائفتين تجريم هذا الخطاب وإعلان البراءة منه، خصوصاً من الطائفة التي ينتمي إليها هذا الخطيب، تجريماً بشكل رسمي في بيانات واضحة وصريحة، رغم وجود الكثير من المواطنين ممن استنكروا هذه الخطب من الطائفتين الكريمتين في البحرين، من الذين غلبت عليهم نزعتهم الإنسانية والوطنية، وغلبت على ذاكرة التحريض ذاكرة العيش المشترك، والجيرة والصحبة في كل المجالات.