يوسف مكي
الأزمة السياسية في البحرين مستمرة منذ 14 فبراير 2011 حتى الآن. في هذه الأزمة النظام الحاكم مازال مصرا على الحل الامني للمشكلة السياسية، وكأنه يقول للشعب عد الى بيتك. والشعب من جانبه هو الآخر مصر على تحقيق مطالبه وتحقيق ما خرج من اجله، ولا تراجع عن ذلك.
فالمشكلة سياسية والحل بالمنطق من جنس المشكلة، أي سياسي، وليس امنيا.
هنا نحن امام صراع ارادات تتمثل في: ارادة شعبية تتطلع نحو الحرية والكرامة وتغيير الواقع المتردي في مقابل ارادة نظام مصرعلى ادارة البلاد والعباد بطريقة سياسية / امنية تجاوزها الزمن وباتت في حكم الماضي، ومصر ايضا على الاستبداد والاستئثار بالسلطة والثروة والابقاء على الوضع الراهن كما هودون تغيير. ولكن الزمن قد تغير.
وفي غمرة هذا الصراع الوجودي بين ارادة النظام من جهة وارادة الشعب من جهة اخرى فإن البحرين اصبحت امام طريق مسدود. فمن ناحية نجد ان النظام غير قادر على الاصلاح بحكم بنــــيته القبلية، بمعنى ان الاصلاح الحقيقي يعني فكفكة النظام القبلي تلقائيا، وهذا ما لا يريده النظام ورجالاته ولا يستطيع الإقدام عليه كما لا يوجد فيه شخصية تاريخية شجاعة قادرة على فعل ذلك التغيير / الاصلاح المطلوب، كما ان القــــبائل لا تصـــنع اوطانا، انما مزارع على هيئة وطن، والشعب مجرد رعايا في هذه المزرعة.
هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى فإن الشارع البحريني سيظل محتجا حتى تحقيق مطالبه، حتى لو دخلت الجمعيات الرسمية في حوار اوصفقة مع النظام، وهذا ما يستقرئه المرء من مجريات الاحداث، خاصة ان الشارع البحريني اميل للتغيير الثوري منه الى الاصلاح، حيث يعتبر الدعوة الى الاصلاح هي من باب الوهم السياسي، او كمن يجري وراء السراب، كما يعتبر دعوات النظام الى الحوار مجرد مناورة واستهلاك للوقت لا طائل من ورائه.
ازاء تلك المواقف والتعارضات فإن الوضع في البحرين سيطول، وأن النظام الحاكم لن يغير من مواقفه واستراتيجياته الامنية تجاه المنتفضين ولن يقدم على اية خطوة اصلاحية جدية، وفي نفس الوقت لن يستطيع ان يحسم الموقف لصالحه، فالبلد على كف عفريت كما يقال، واوضاعه الاقتصادية تزداد سوءا.
لذلك فإن حل الأزمة في البحرين ووفقا للأفق المنظور لا يمكن ان يتم إلا من خلال ثلاث لحــــظات حاسمة وبالضد من ارادة النظام. اللحظة الاولى من خلال كسر النظام من خلال الارادة الشعبية، وهو مالم يحدث حتى الآن لعدم تكافؤ القوة ، واللحظة الثانية من خلال هزيمــــة النظام وهذه ايضا تتم من خلال الارادة الشعبية، واللحظــــة الثالثة من خلال اجبار النظام على التنازل كما حدث في تونس ومصر واليمن الى حد ما (بضغط امريكي)، وهذا لا يتم الا من خلال ارادة الادارة الامريكيــــة وهي قــــادرة على فعل ذلك بحكم علاقاتها التاريخية والاستراتيجية مـــع النظام ومصالحها الضخمة في المنطقة، لكنها لا تريد هذا الخــيار ولن تقدم عليه في الأفق المنظور فمصالحها اهم من مصالح الشعب البحراني، بل تقوم بتغطية انتهاكاته ودعمه في المحافل الدولية والتعتيم على ما يجري اعلاميا والتواطؤ معه، ولا تعنيها الديمقراطية وحقوق الانسان في هذه البقعة من العالم.
لذلك، وفي ظل هذا الوضع الشائك والمركب فإن المعوّل في إحداث تغيير جوهري في هذا البلد يعتمد في المقام الاول على الارادة الشعبية المنظمة في اقناع النظام من خلال النضال السلمي بأن حكم البلاد لا يمكن ان يستقر دون حلول سياسية جذرية يقوم بها النظام نفسه ويقنع بها الشارع المنتفض وقواه السياسية، او أن يتم انتزاعها منه من خلال تغيير موازين القوى عبر المقاومة المدنية السلمية على الارض وهذا ممكن، وايضا اقناع حلفاء النظام الاقليميين والدوليين بأنه لا بديل للوضع في البحرين وربما المنطقة إلا الاستجابة لمطالب الشعب العادلة اسوة ببقية الشعوب العربية الثائرة على حكامها، ودون ذلك فإن مستقبل هذا البلد في مهب الريح. فهل يعي النظام خطورة الأوضاع، ام يكابر ويمعن في سياسة الحلول الامنية غير المجدية.
طبعا من الصعب التكهن بما يفكر فيه النظام، لكن التجربة التاريخية علمتنا ان الحكمة والعقلانية والبحث عن حلول عقلانية سياسية ليست من شيمه، انما سياسة المكابرة وعدم الاعتراف بالحقائق على الارض واللف والدوران وتزوير الحقائق هي من سمات النظام، وهذه ممارسات ابعد ما تكون عن الحلول المناسبة والحكيمة وتؤدي الى طريق مسدود.
ولكن فيما يبدو هذا هو قدر البحرين ان يُحكم من قبل نظام سياسي قبلي بطريقة تجاوزها الزمن، وفي نفس الوقت هذا هو قدر البحرين ان يخرج شعب البحرين عن بكرة ابيه وهذا ديدنه ـ كل عشر سنوات مرة – مطالبا بالحرية والكرامة والديمقراطية، لكنه هذه المرة لن يعود الى بيته دون ان يحقق احلامه، ولن يغادر الساحات والشوارع ويعود بخفي حنين، فقد تعلم هذه المرة من التجربة الثورية التي ابتدأت في 14 فبراير الكثير، الكثير، واثبت انه شعب جدير بتحقيق كل ما يصبو اليه، حقا إنه الشعب البحراني العنيد بكل مكوناته وقواه الحية.
يوسف مكي ـ باحث بحريني في علم الاجتماع