قاسم حسين
كنا نتصوّر أن نواب الكتل الدينية هم أسوأ النواب أداءً واصطفافاً مع السلطة، فقال لنا الزمان: انتظروا لتروا نواب آخر الزمان!
في انتخابات 2002 و2008، كان لجمعيتي المنبر (أخوان) والأصالة (سلف) 15 نائباً، بما يمثل أكثر من ثلث الأصوات. وكانوا يصطفون بالفطرة مع الحكومة في مشاريعها ويتماهون مع رغباتها، ومع ذلك لم ترضَ عنهم! وتبيّن ذلك من خلال التحريض ضدهم أواخر 2009 في بعض الصحف القريبة من قلب الحكومة. وفي انتخابات 2010، عاقبتهم بإزاحتهم من مواقعهم وتمهيد الطريق لوصول أشخاص لم يكونوا أصحاب فكر سياسي ولا خبرة ولا هم يحزنون. وهكذا وجدنا البرلمان الجديد يزدحم بنواب ونائبات بلا هوية.
المتتبع لتاريخ البرلمان وما آلت إليه أوضاعه وما يعانيه من عزلة شعبية، يدرك أن هذه الكتل الهلامية تُعاني من عقدة انتماء، دفعتهم للقيام بتحركاتٍ لإثبات الوجود، كما يفعل اللاعبون الذين ينزلون الملعب من دون خطةٍ ولا سابق معرفةٍ ببعضهم بعضاً، فتراهم يركضون وراء الكرة في كل اتجاه، ويصوّبونها كيفما اتفق!
هذه العقدة والإحساس بالضياع، دفعتهم إلى محاولة التكتل تحت مسميات عديدة، منذ أن كان عددهم صغيراً في 2002، وزادت هذه المحاولات مع تضاعف عددهم، ولأنهم ليسوا كتلةً منسجمةً فكراً ولا يجمعهم غير الشتات والمصالح المتضاربة، فإنهم ظلوا متخبطين، فيشكّلون تجمعاً ولكن سرعان ما يلد تجمعاً آخر! وكانوا – تاريخياً- يتحسّسون و «يزعلون» حين نصفهم بالكتل الهلامية!
وبسبب المقاطعة الواسعة في الانتخابات التكميلية في مناطق المعارضة، تضخم حجم هذه الكتل الهلامية، التي تعاني من عقدة نقص التمثيل الحقيقي، وخصوصاً أن بعضهم لم يحصل على غير عشرات الأصوات في مناطق كثيفة السكان، حصل فيها النواب السابقون على أربعين أو خمسين ألف صوت. وبسبب العزلة الشعبية التي يعانون منها، وقناعتهم الداخلية بعدم اكتراث الرأي العام اليوم بهم، فلذلك يلجأون إلى الحركات الاستعراضية، والصراخ الانفعالي وطرح القضايا الخلافية التي يدركون أنهم أعجز من فك خيط فيها.
إحدى المفارقات الكبرى في مواقف هذه الكتلة الهلامية الضائعة، أن بعضهم تحوّلوا إلى ناطقين رسميين باسم الحكومة، فتتصل بهم بعض الفضائيات بين فترةٍ وأخرى، وبدل أن يتكلّموا باسم الشعب تراهم يدافعون في استماتةٍ عن مواقف وسياسات الحكومة! وهي من أغرب الظواهر التي يمكن أن تدرس في عالم السياسة في القرن الحادي والعشرين!
آخر هذه التقليعات، خروج إحدى النائبات من هذا الوسط الهلامي الضائع، بفتوى جيورأسمالية بوجوب حلّ الاتحاد العام لعمال البحرين الذي يمثل أعرق تجربة نقابية في الخليج!